1241942
1241942
الاقتصادية

منها السعفيات وحبل طلوع النخل واستخراج الملح - أجدادنا يروون بعضا من حكايات الحرف التقليدية في الماضي

05 فبراير 2018
05 فبراير 2018

كتب- عامر بن عبدالله الأنصاري -

تتميز القرية التراثية في مهرجان مسقط، سواء في حديقة العامرات أو في حديقة النسيم، بما تحتويه من حرف تقليدية معبأة بعبق الماضي وحكايات الأجداد، لما تمثله من موروث شعبي يعزز ثقافة أبناء اليوم والزوار من خارج السلطنة وداخلها.

وخير من يروي تلك الحكايات وتفاصيل الحرف التقليدية المختلفة، هم الآباء الذين مارسوا تلك الحرف في يوم من الأيام ممارسة حقيقية وأساسية لا يستغنون عنها حينها، واليوم هم حاضرون في مهرجان مسقط، وفي حديقة العامرات تحديدا ينقلون ذكرياتهم إلى زوار المهرجان.

استخراج الملح

الوالد حمود بن ناصر البطاشي، من المشاركين الأوائل في مهرجان مسقط، منذ افتتاحه في حديقة القرم الطبيعية عام 1998 يجلس في زوايا القرية التراثية في حديقة العامرات، يعرض منتجاته من بلورات الملح المتراكمة في أكوام أمامه، وخلفه يكدس “جواني” الملح الطبيعي، ذلك الملح الذي يستخرجه من أحواض الملح بولاية قريات، حيث يشترك عدد من المواطنين في ملكية تلك الأحواض.

يبيع في اليوم الواحد كميات كبيرة من الملح، يتوافد عليه الزوار ويسألونه عن فوائد هذا الملح، وكيفية استخراجه، وآلية تنقيته حتى يكون صالحا للأكل، ولا يتوانى الوالد حمود في سرد تلك المراحل، بل ويفتح للزوار والسائلين قلبه فيعود بذاكرته إلى شيء من حكايات الماضي الجميل. فهو مذ كان في السادسة من عمره يمارس تلك المهنة ولا يصبر أن يتركها حتى هذه اللحظة.

ارتباطه الوثيق بهذه المهنة حتمت عليه المشاركة في مهرجان مسقط، ليستعرض لضيوف المهرجان تلك الفوائد المتعددة لهذا الملح المحلي التقليدي الذي شب وشاب عليه الناس.

حبل طلوع النخيل

وفي زاوية أخرى يجلس الوالد خلفان بن سالم التمتمي، ينسج بيديه المليئة بالتجاعيد والتجارب حبل طلوع النخيل، والذي يسميه البعض “الحابول” يزينها بأحلى الألوان من الخيوط الملونة التي تترابط وتتداخل بين نسيج من الحبال المصنوعة من ليفة النخيل لتشكل لوحة بديعة الجمال، تشد الأنظار من بعيد.

يلتف حول الوالد خلفان عدد من أحفاده الصغار، يشاركون جدهم صناعة “الحابول” وعيونهم يملأها الشغف والإحساس بأهمية الأمر، لذلك يجزم الوالد خلفان أنه بهذا الاهتمام الذي ينعكس من إتقان الأطفال لهذه الصناعة فإن المهنة والحرفة التقليدية لن تنقرض أبدا.

بهذه النظرة التفاؤلية يجد الوالد خلفان انه قد وضع يده على المسار الصحيح ليواصل الجيل القادم حرفة أجداده ويحافظوا على هذا الإرث.

ويمر الزوار بين سائل، وبين مصور، وبين معتزم لشراء الحبل المزركش، وتنجح صفقات البيع في بعض الأحيان وتفشل في أحيان أخرى بسبب الأسعار التي قد لا تعجب البعض!

ويواصل الوالد خلفان رسالته وروحه الطيبة تملأ محياه، وأمانيه أن يعود المهرجان كما السابق حيث كانت تخصص أيام معينة تعنون باسم الولايات.

السعفيات

وفي هذه الأثناء نجد الوالد حمد بن صالح الهميمي يستعرض منتجات مختلفة من السعفيات، ويلاحظ بشكل جلي عزوف الكثير عن شراء تلك السعفيات مع اختلاف أشكالها واستخداماتها، إذ لم يعد الكثير من الناس يستعمل تلك السعفيات إلا من الزينة كمقتنيات من التراث.

يلاحظ المار على تلك المنتجات السعفية تنوع ألوانها، فبعض من القطع يحتوي جزء منها على ألوان مختلفة كالأخضر والأحمر والبنفسجي، وتلك الألوان- كما يروي الوالد حمد للزوار - من صنع يديه، حيث يقوم بنقع سعف النخيل بتلك الألوان ومن ثم تجفيفها وحياكتها لتخرج بالشكل النهائي.

كما أنه يعزو اختيار الأسعار لبعض القطع إلى العمل المجهد، الذي قد يأخذ أسبوعا كاملا من العمل، يرد به على كل من يرى بأن الأسعار مرتفعة، داعيا إياهم أن يستشعروا صعوبة العمل والجهد الكبير.

همة ونشاط يملأ الوالد حمد، نجده يقوم ويشرح مكونات كل قطعة على أمل أن يترك شيئا من التاريخ العماني التليد في أذهان الزوار والأبناء من الجيل الجديد.

عامود النخيل

بينما الوالد سالم بن حمد الشكيلي ينحت جذع نخلة كبير، يصنع منه “مطعمًا” للبهائم، وهو جذع نخل مجوف يوضع في حظائر البهائم ويوضع فيه البرسيم ليأكلوا منه.

يقول الوالد سالم لكل من يرى أن الجهد الذي يقوم به كبير بينما هناك بدائل، بأن هذا “المطعم” مفيد جدا لصحة الدواب التي تأكل منه، مبررا ذلك بمنطقه المستسقى من التراث القديم.

يروي الوالد سالم حكايات لزوار مهرجان مسقط، كيف كانت النخلة أساسا في الحياة الاجتماعية، فلا يوجد جزء من النخلة إلا وله فائدة، فهذا السعف يخرج منه منتجات كثيرة، وهذا الجذع عمود أساسي للبناء، وهذه الثمار تتحول إلى تمر وبسر ودبس، وتلك الألياف تصنع منها الحبال، وبعض الأجزاء تعتبر موقدا للطهي وغير ذلك الكثير. هكذا تتمازج الثقافات، وتنتقل الحضارات، ويحمل الأبناء مسؤولية حمل تراث الآباء، دون تلقين، إنما هي مهارة التلقين الممتزجة بالترفيه في أجواء بهيجة بين أروقة المهرجان.