فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ الدكتور مساعد المفتي العام لسلطنة عمان
هل يجوز في الدعاء أن يحدد الداعي وقت استجابة الدعاء، كأن يقول: ربي ارزقني ولدا في هذا العام، أو أكرمني بوظيفة في العام المقبل، أم أن هذا يعد سوء أدب مع الله، مع يقين الداعي وإيمانه في دعائه بأن كل ما يكتبه ربه له خير؟
لا يظهر أنه يصل الحال إن طلب الداعي تعجيل إجابة دعائه لربه سبحانه وتعالى أن ذلك من سوء الأدب طالما أنه يحسن ظنه في ربه تبارك وتعالى وهو راض بما يكتبه الله عز وجل له وما يقسمه له، فإن هذا ليس من سوء الأدب، بل هو من الجائز في الدعاء مع إحسان الظن في الله تبارك وتعالى وصدق اليقين والرضى بما يقسمه المولى الكريم، ذلك أننا نجد في بعض دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يتوجه إلى ربه بطلب الغيث فإنه يقول «عاجلا غير آجل» فإنه يطلب تعجيل هذه النعمة، ولعل هذا المستند الذي يمكن أن يعول عليه، وليس هذا من التعدي في الدعاء لأن الله قادر على كل شيء، وهذا العبد يطرق باب ربه الكريم، يستمطر منه رحمته، ويبدي له حاجته المشروعة التي هي من الممكن، لو كانت أمرا مستحيلا لقلنا إن ذلك من سوء الأدب، أما وهو يدعو ويتضرع ويلح ببيان حاجته كأن يكون مبتلى بمرض على سبيل المثال فيطلب أن يرفع الله عنه ذلك المرض عاجلا غير آجل، أو أن يقول هذا العام أو هذا الشهر فلا حرج في ذلك إن كان موقنا محسنا ظنه في الله تبارك وتعالى وراضيا ما سيكتبه له، مدركا لحقيقة الدعاء وأنه في ذاته عبادة وأنه يؤجر عليها وأن الخير فيما يكتبه له ربه تبارك وتعالى، ونحن نجد في بعض دعاء السلف جملة من الأذكار التي فيها نفس هذا المعنى، على سبيل المثال نجد مما يذكر في الأثر «اللهم لا تدع في مقامنا هذا ذنبا إلا غفرته» فهو يطلب غفران الذنب في ذلك الوقت، ولكن إذا كان هناك تعد أو تشرط على الله تعالى أو إساءة ظن أو شيء من الشك أو الريبة، ففي هذا الحال، نعم، فهذا يخرج من عموم الدعاء وآدابه.
ما صحة الحديث الذي يقول إن امرأة كانت تقوم الليل وتصوم النهار ولكنها تؤذي جيرانها فقال النبي صلى الله عليه وسلم «هي في النار»؟
نعم الحديث صحيح، وأنا لا أحفظ أن أحدا من علماء الحديث أو من الفقهاء وشُراح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم طعنوا في صحة هذا الحديث، ويغلب على ظني أن الإمام البخاري رواه في الأدب المفرد بسند صحيح من طريق أبي هريرة رضي الله عنه أن فلانة يذكر من قيامها الليل وصلاتها وصدقتها لكنها تؤذي جيرانها، وفي بعض الروايات تؤذي جيرانها بلسانها، فقال صلى الله عليه وسلم: «هي في النار» والعياذ بالله، وذكرت فلانة تؤدي فرضها وتتصدق بالأثوار، (والأثوار جمع ثور وهو الجزء اليسير من الأقط، ما يصنع من مخيض اللبن)، فهي تتبرع بالشيء اليسير، فلم يذكر عنها قيام ليل ولا كثرة صدقة ولا كثير صيام، وهي تحسن إلى جيرانها، فقال صلى الله عليه وسلم: «هي في الجنة» فهذا يدل على حرمة إيذاء المسلمين، وعظيم خطر الإيذاء باللسان من السباب والفسوق والهجر من القول والقذف والقدح في الأعراض والسعي بين المسلمين بالنميمة لا سيما الجيران، فالحديث فيه وعيد شديد واضح أن إتيان هذه الكبائر من ذنوب اللسان مبطلة لسائر الأعمال، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» فالحديث فيه وَعيد شديد وتحذير بالغ من الخوض في الأعراض ومن إيذاء الناس بالسباب والقدح والقذف والهجر من القول، فعلى المسلم أن يحذر من أن يبطل ثواب أعماله وإن بدت أنها من الأعمال الصالحة بما لا ينتبه إليه من حصائد لسانه ولهذا حذر أيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل أنُؤاخذ بما تقول ألسنتنا، فقال: وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم، فالحديث صحيح وفقهه عظيم، وينبغي للمسلم أن يأخذ منه العظات والحكم البالغة ليستفيد منها في واقع حياته والله تعالى أعلم.
رجل عنده أمٌّ كبيرة في السن مقعدة لمرضها، وقبل فقدانها للذاكرة، عملت له وكالة شرعية لقضاء شؤونها، وبعد فقدانها لذاكرتها، أراد أن يتصرف في مالها كأن يتصدق منه عنها، فهل له ذلك؟ وماذا عليه إن أقرض أخاه شيئا من مالها؟
إن كانت الوكالة الشرعية التي وكلته بها أمه تشتمل على شيء يأذن له بمثل هذه التصرفات فلا إشكال، أما إن لم يكن في هذه الوكالة الشرعية بما يسمح له بمثل هذه التصرفات، فإنه ليس له أن ينفق من مالها إلا في القيام بشؤونها ورعايتها وما تحتاج إليه، أما أن يتصدق عنها فليس له ذلك إلا في حدود ما يأذن به العرف، من نحو إكرام ضيف أو توزيع شيء في بعض المناسبات كالأعياد على سبيل المثال، أو عند جني الثمار مما هو مألوف معتاد عليه يقره العرف في المجتمع، ويعود نفعه بالخير على صاحب المال، أما مطلق الصدقات فليس له ذلك، هو مأمور بإصلاح أحوال هذا المال وتنميته وتثميره بعد حفظه وصيانته، فالله تعالى يقول: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ» ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مال الأيتام: «اتجروا بأموال اليتامى، لا تأكلها الزكاة» فهو يوجه إلى تنمية هذه الأموال وإلى تثميرها حتى لا تأتي عليها الزكاة، فهذا التفات إلى الزكاة الواجبة حتى لا تؤدي إلى إنقاص هذا المال، فأرشد صلى الله عليه وسلم إلى تنمية أموال اليتامى بالاتجار بها، ولذلك فهو ممنوع من التصرف بعموم الصدقات إلا إذا كانت الوكالة الشرعية التي صدرت منها حال صحتها وعقلها تخولها بنوع مخصوص من التصرفات فحينئذ يتصرف بمقتضى الوكالة، وعلى هذا أيضا يقال في موضوع الإقراض سواء كان لأخيه أو كان لغير أخيه، إن كان يمكن أن يعود بالنفع على أموالها فلا مانع، ولا يظهر نفع هنا، ويزداد الأمر كراهة إن كان الإقراض يمكن أن يعرض المال للخطر والزوال كأن يكون الذي يقرض من هذا المال معسرا أو غير وفي فهذا يعرض المال الذي هو في وكالته للخطر وعلى هذا فلا يصح له أن يقرض من كان هذا حاله والله تعالى أعلم.
ما رأيكم في كفالة يتيم من أهل الكتاب قد فقد والديه في حادث مرور؟
هذه المسألة تحتاج إلى نظر، فإذا كان هذا اليتيم في مجتمع المسلمين فهذا مما يندب إليه، لأن ذلك سينشئه على الإسلام وسيجنبه مخاطر أن ينزلق إلى ما كان عليه أبواه، إذن الشرط الأول أن يكون في بلاد المسلمين، والشرط الثاني مكن أن يفهم من كلام أهل العلم أن لا يهجر الأولاد المسلمون، يعني بأن توجه العناية فقط إلا لكفالة أولاد غير المسلمين، مع إهمال أولاد المسلمين، لأن هؤلاء لهم حق ألزم وهو حق الإسلام، فإذا تحققت هذه الشروط فلا ريب أن الثواب عظيم، وأن أجر مثل كفالة هؤلاء اليتامى أجر كبير لأنه ليس أجر كفالة فقط، بل هو أجر دعوة إلى دين الله تعالى وأجر إنقاذ من الكفر على أن يكون الذي يكفل هؤلاء اليتامى قادرا على تحقيق هذه الغايات.
وينبغي على المسلمين اليوم من باب السياسة الشرعية أن يلتفتوا إلى قضية مهمة لعل هذه السؤال نبهني عليها وهي قضية الأطفال المسلمين في كثير من البلدان التي تعاني من الفقر والجهل حيث تتسلط عليها أيضا كثير من المنظمات والهيئات فتعمل عملها فيهِم بما يظهر من أعمال الخير ومكافحة الفقر والجهل والأمية، ولكنهم يستلونهم من هذا الدين، ويخرجونهم منه، في غفلة من المسلمين وصراع فيما بينهم وتفرق وتشرذم، فأمثال هؤلاء أولى أن توجه إليهم العناية وأن تتولى هذه الأمة أمر إنقاذ هؤلاء بل توجيه جهودهم الخيرية والدعوية إلى إنقاذ غيرهم أيضا، ففي مثل هذه القضية لا ينبغي أن يقتصر النظر فيها على المستوى الفردي، فلا بد أن تكون هناك مشاريع كبرى للمحافظة على أبناء المسلمين الذين تتناوشهم أحوال الحروب والفقر والجهل والأمراض، فتأتي إليهم منظمات وجهات لها خططها ولها مشاريعها التي تتعارض مع ديننا وثقافتنا، وإذا بها تخرجهم من هذا الدين، بما تقدمه لهم من إحسان، والإنسان أسير للإحسان ونحن هنا لا نلتفت إلا لبعض الأفراد، أو أن قضايا الأمة وأموال الأمة توجه إلى جهات أخرى بعيدة كل البعد عن مثل هذه المشاريع ذات الأهمية القصوى، فينبغي أن ينتبه لمثل هذه الأمور والله تعالى المستعان.
قال تعالى: «وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ» ما تفسير هذه الآية؟
معناها أن الله تبارك وتعالى في هذه الآية الكريمة ينعى على المشركين الذين لم يعظموا الله تبارك وتعالى حق التقدير بإجلاله وتعظيمه والتعرف على صفات الجلال والكمال وعلى عظيم قدرته، وعلى تصريفه لكل ما في هذا الكون، ثم يذكر ربنا تبارك وتعالى ما يقرب معنى عظيم قدرته سبحانه وتعالى وبالغ سلطانه في هذا الكون فإن هذه الأرض كلها إنما هي مقبوضة من الله تبارك وتعالى بقدرته وقوته وتصرفه وسلطانه فيها لا منازع له فيها ولئن كان ذلك حاصلا يوم القيامة، فهو من باب أولى في هذه الحياة الدنيا، ولا يقتصر أمر قدرته سبحانه ولا يقتصر تصرفه في ملكوته جل وعلا فيما يخص الأرض وحدها، بل السماوات هذه كلها إنما هي أيضا في قوته وقدرته وفي سلطانه، فهذه التعبيرات كناية عن قدرته جل وعلا وعن عظيم سلطانه، وعن إحكامه لملكه وملكوته جل وعلا، وهو إظهار لشيء من مظاهر قدرته وتجليات سلطانه في هذا الكون لكي يرتدع هؤلاء المشركون، ويجلّوا الله تبارك وتعالى حق الإجلال وينزلوه المنزلة اللائقة به ويعظموه حق التعظيم، إذ إن فعلوا ذلك فإنهم يدينون له بالدين الحق ويتوجهون إليه بالطاعة والانقياد، لكنهم لم يعظموا الله عز وجل ولم ينزلوه المنزلة اللائقة به سبحانه، فكان من شأنهم ما كان، وهو يعرض عليهم بعض ملكوته وقدرته على هذا الخلق، ولذلك كان تذييل الآية الكريمة بقوله: « سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ» والله تعالى أعلم.
