فتاوى يجيب عليها فضيلة الشيخ الدكتور مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
ما العلاقة الضمنية والحكمية بين ذكر مواقيت الأهلة والبر في آية واحدة، يقول الله تعالى: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»؟
العلاقة بين ذكر الأهلة وما يتعلق بها من مواقيت للناس ومن مواقيت الحج وبين ما ذكره الله تبارك وتعالى من إتيان البيوت من أبوابها، هو أن الجاهلية كانوا إذا أحرموا امتنعوا من الدخول إلى البيوت والدور من الأبواب، منهم من كان يتسور الجدر ومنهم من كان ينقب فيها ليدخل ويخرج ومنعوا أنفسهم من الدخول من أبواب البيوت، يفعلون ذلك إذا أحرموا بالحج أو قفلوا راجعين من الحج، لذلك ارتبطت شعائر الحج عندهم في جاهليتهم بمثل هذا الصنيع، فجاءت هذه الآية الكريمة لتجتث مثل هذا التحريف والتبديل في مناسك الحج، ومعلوم أن سورة البقرة من أعظم مراشدها تفصيل شرائع الدين، بتبيان هذه الشرائع، وتفصيل الأحكام، ونفي ما كان من تحريف أهل الكتاب أو من تبديل أهل الجاهلية، حصل ذلك في أحكام الصيام، وفي أحكام القتال وفي أحكام الدماء والقصاص، وحصل بتفصيل فيما يتعلق بأحكام الحج، وكان مما علق بأدائهم في الحج، وإحرامهم للحج والعمرة، ما توهموه من عدم جواز أن يدخلوا الدور والبيوت من أبوابها فكانت المناسبة لنفي هذا الأمر ظاهرة جلية في هذا السياق القرآني.
وقد ذكر المفسرون من بعد أن هذا الجزء من الآية الكريمة «وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا» لا يقف الأمر فيه عند حد ما كان عند أهل الجاهلية أي ما يدل عليه اللفظ وما كان مناسبة للنزول بل يتعداه ليشمل كل الأمور ومنها أحكام العبادات فإنها لا تؤخذ من العادات أو الأهواء والأعراف، ولا من تبديل المبدلين أو تحريف المبطلين، وإنما تؤخذ من مصادرها، ومصادر العبادة وحي الله تبارك وتعالى وكذا الحال في سائر أمور حياتهم. أيضا مما نص عليه المفسرون أن الأمر لا يقتصر بما يتعلق بأمور الدين، بل حتى في أحكام أمور دنياهم لا بد أن يكون إتيان الأمور من أبوابها لا من ظهورها، وهذه المعاني مستحسنة قريبة لكنها لا تفسر العلاقة بين الأهلة والحج في صدر الآية، وإنما الذي يفسر العلاقة ما تقدم ذكره، والله تعالى أعلم.
هنالك تطور علمي متسارع في الغرب، وشاهدنا عمليات تغيير حقيقي في جسم الإنسان، والآن يتطلع الطب إلى استبدال الكلى لدى الإنسان بكلى الخنزير، وشاهدنا أيضا عمليات من هذا النوع، وكذلك زراعة قلب خنزير في جسم الإنسان، فما حكم ذلك في الإسلام؟
من المناسب أن يتهيأ المسلم تفقهًا في الدين، وتعرفًا على الأحكام الشرعية لما يستجد من قضايا، لا سيما فيما يمس حياة هذا الإنسان وحفظ صحته، لكن ينبغي لنا أيضا أن نتثبت، فهل مثل هذه التجارب التي تجرى بلغت الحد الذي يمكن أن تنتج فيه علاجا جديدا نافعا ينقذ حياة الأنفس المبتلاة بتلك الأمراض أو أنها ما زالت في طور التجارب وهي بحاجة إلى الكثير من التجارب والمراحل التي تبلغ فيها إلى أن تكون دواء موصوفا وبديلا جراحيا مناسبا للعلل والآفات التي يشتكي منها الإنسان، فأحيانا قد نستغني عن الحكم الشرعي لأن تلك التجارب لا تخرج أن تكون مجرد محاولات ولا تبلغ أن تكون مزكاة مقبولة معترفا بها معتمدا عليها فنكون قد أغنينا إشكال البحث.
وسبب هذه المقدمة أن الكثير من الناس وفيهم فقهاء دخلوا في جدال عقيم في مثل هذه القضية وهي ما زالت في طور البحث، وفي مراحلها الأولى وهذا المريض الذي زُرع فيه قلب خنزير مات بعد أيام، ولذلك المسألة ما زالت محل بحث، لكن مع ذلك مثل هذه القضايا يستوعبها الفقه الإسلامي، والأصل الشرعي هو منع التداوي بالمحرم والنجس، ومعلوم أن الخنزير محرم الذات لأنه نجس، فإن لم يكن المرض من الأمراض التي يمكن الصبر عليها أو تخفيف آلامها وإنما كان مرضا عضالا يمكن أن يفضي إلى الهلكة ففي هذه الحالة يبحث عن البديل فإن وجد بديل مباح حلال فلا يصار إلى المحرم، لكن إن لم يوجد بديل، فهنا ندخل في قاعدة الضرورات، وأن الضرورات تبيح المحظورات، فتقدر الضرورة بقدرها، فاحتياج هذا المريض وتوقف حالته على ذلك الدواء أو العضو الذي يمكن أن يؤخذ من حيوان محرم أو من ميتة ينبغي أن يكون آخر الخيارات بعد ثبوت توقف حياة ذلك المريض على زراعة ذلك العضو، وهذا لن يغير من حقيقة الخنزير ومن حرمة عينه ونجاسة ذاته، وسمعت من جاوز الحدود وقال لعل الحكمة في منع أكل الخنزير هو أن يستبقى لأجل أن تؤخذ أعضاؤه، وهذه مجاوزة، فهو لم يخرج عن وصفه الشرعي وإنما الذي دعا إلى الترخيص هو قاعدة الضرورات، فإن إنقاذ حياة النفس البشرية أولى وأهم، فإن لم يوجد بديل آخر فحينئذ كما تقدم يعتمد على قاعدة الضرورة، وهي لا تخرج الأمور عن أصلها، وإنما هي تقدر بقدر تلك الضرورة ارتكابا لأخف الأضرار لدفع أعظمها وهو فوات الحياة، فهذا فيما يتعلق بهذه القضية.
توفي رجل وترك أموالا عينية، أراضي ومحلات تجارية وغيرها، وكان قد كتب في وصيته أن الأرض الفلانية أو المحلات الفلانية وقف لا بيع فيها ولا قسمة، ومدخولها يوزع بين الورثة كلا حسب نصيبه الشرعي، هل يعد هذا جائزا وتُنفذ الوصية على حسب ما ذكر؟
إن كانت هذه الوصية أضافها إلى ما بعد وفاته فهذه وصية لوارث، والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث، والوقف المضاف إلى ما بعد الموت أي هو ليس بوقف منجز حالة حياته، هو وقف تصرف مضاف إلى ما بعد وفاة الموصي فهذه وصية، فهي داخلة في هذا الحديث الشريف، وبناء على ذلك فإن هذه الأصول العقارية من أراضٍ أو محلات تكون تركة تقسم قسمة الميراث على الوراث، والله تعالى أعلم.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ. قيلَ: ومَن يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: الذي لا يَأْمَنُ جارُهُ بَوائقَهُ»، ما الأعمال التي ينطبق عليها هذا الوعيد الشديد؟ وهل في الحياة المعاصرة ما يحتاج أن يتنبه له الناس نظرا لشدة وقع هذا الحديث؟
هذا الحديث ورد بعدة روايات وهذه الرواية من أشهرها، وهنالك رواية مختصرة في الصحيحين، وهي: «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه» وفي رواية، وهي من مراسيل الإمام الربيع بن حبيب في الزيادات وليست في أصل المسند، من طريق جابر بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يؤمن إلا من أمن جاره بوائقه»، والبوائق هي الشرور والأذى من ظلم أو جور أو إيذاء، وهذا الحديث النبوي الشريف أصل في إقامة أود العلاقة بين الجيران على أسس متينة من التآلف والمحبة والإخاء ومنع الظلم والجور وحب الخير للجيران ولذلك نفهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» فهذا الحديث الأخير يدل على عظيم حق الجار وعلى عظيم منزلته حتى ظن أنه سيكون أحد الورثة، والحديث المسؤول عنه يحذر من كل أنواع الشرور والأذى والظلم والجور الذي يمكن أن يلحقه الجار بجاره، وضرب الفقهاء وشراح الحديث أمثلة لذلك تبدأ من إلقاء النفايات أمام بيت الجار، ومن التطاول عليه في البنيان لمنع ضوء الشمس عنه والهواء تعمدا في وقت لم يكن فيه العمران خاضعا لأنظمة وقوانين كانت هذه من ضوابط تخطيط المدن والقرى في الإسلام، فإذا كان الحال يصل إلى حد المنع هذا، فلنتصوّر نحن أنواع الأذى التي نراها اليوم من النفايات التي ترمى، ومن الضجيج الصوتي بالمنكرات التي يمكن أن يؤذي بها جار جاره، ومن الأفعال المنكرة التي يمكن أيضا أن تكون سببا لإيذاء الجيران ومن أنواع الظلم والتعدي التي يمكن أن تحصل أيضا بين الجيران، وكم رأينا من فتن يصل الحال فيها إلى حد القتل والسبب هو هذا التغالب والتجالب والتكالب وعدم مراعاة حق الجار، فالحديث يسير مع ما تدعو إليه أحكام هذه الشريعة وآدابها وأخلاقها من أن المسلمين عليهم أن يكونوا ذوي تعاطف وتراحم وأن يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه، وفي منع الأذى عن الغير قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» فليس المقصود بمنع البوائق من الجار لجاره الاقتصار على الجانب المادي بل حتى بما يتعلق بأذى اللسان، وأذى النظر بالاحتقار والازدراء، أو منع النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن الجار، فإن أخذ المسلمون بهذا المبدأ العظيم تحقق فيهم ما قاله أيضا عليه الصلاة والسلام «ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» ويقول: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» والله تعالى يقول: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ».
