إشراقات

راشد البوصافي: سيرة النبي صلى الله عليه وسلم منهج حياة حاضر في كل تفاصيل المسلم اليومية

04 سبتمبر 2025
04 سبتمبر 2025

تحتفي الأمة الإسلامية في مختلف أرجاء العالم بذكرى المولد النبوي الشريف، هذه المناسبة المتجددة تحمل في طياتها معاني الإيمان والمحبة والسلام، وتستحضر السيرة العطرة لخير البشر -محمد صلى الله عليه وسلم- الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وتعد هذه الذكرى محطة إيمانية وروحية يستلهم منها المسلمون القيم النبوية الرفيعة في الرحمة والتسامح والعدل والإحسان، كما تشكل فرصة لتعميق الصلة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتجديد العهد على الاقتداء بهديه.

في أجواء هذه الذكرى الشريفة، أجرينا هذا الحوار مع راشد بن سالم بن راشد البوصافي، الباحث في الشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، للحديث عن مكانة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- في حياة المسلمين، وكيفية استلهام سيرته وهديه في واقعنا المعاصر، ومناقشة القيم التربوية المستفادة من سيرته، وسبل غرس محبته في قلوب الأجيال، إضافة إلى إبراز شمائله الخَلقية والخُلقية، وما تحمله من دروس خالدة قادرة على معالجة التحديات الفكرية والاجتماعية الراهنة.

•كيف يمكن أن نستحضر سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياتنا اليومية من خلال مناسبة المولد النبوي؟

لا شكَّ أن ارتباط المسلم بشخص النبي -صلى الله عليه وسلم- ارتباطًا وثيقًا وليس ارتباطًا اعتباطيًّا؛ لأنه ارتباطٌ نابعٌ من صميم العقيدة؛ إذ بالإقرار له بالرسالة يكون المسلم مسلمًا، لذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- حاضرٌ في حياتنا في كلِّ تفاصيلها، فنحن نعيش على سيرته وهديه وأوامره ونواهيه وأقواله وأفعاله، ففي أصغر جزئيات حياتنا نحن نتتبع أثره فنأكل كما أمرنا أن نأكل ونشرب كما علمنا كيف نشرب وننام كما علمنا طريق النوم إلى آخر تفاصيل حياتنا، فقد نظم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حياتنا كمسلمين من العلاقات الزوجية إلى المعاملات الدولية، فهو حاضرٌ في حياتنا حضورًا حقيقيًّا يتمثل في تطبيق سنته وسيرته في تفاصيل حياتنا كلِّها.

•ما أبرز القيم التي يجب أن نركز عليها عند الاحتفاء بهذه المناسبة؟

الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف محطة من المحطات التي تسلط من خلالها الضوء على الدروس والعبر التي نستجليها من سيرته -صلى الله عليه وسلم- العطرة وحياته الزاهرة، فكما قلنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حاضر في تفاصيل حياتنا بشكل يومي لا يغيب، إلا أن هذه المناسبة تستغلها في ربط هذه الأجيال بتلك السيرة العطرة للمصطفى -صلى الله عليه وسلم- ومن أهم القيم التي أراها ضرورية أن تغرس في الأجيال الناشئة الثبات على المبادئ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- في بداية دعوته في العهد المكي عاداه الناس جميعًا ومع ذلك لم يتزحزح ولم يتردَّد بل ثبت على مبادئه الإسلامية، وفرض حبَّه على الناس، فالثبات على المبادئ يحصن الشباب من الزعزعة في القيم والأخلاق والقناعات والثوابت.

•كيف يمكن أن نغرس محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- في قلوب الناشئة عبر المولد النبوي؟

من المعلوم أن الإنسان مجبول ومفطور على حبِّ من أحسن إليه، فهذه فطرة سليمة وعاطفة جياشة لدى الإنسان، وإذا أردنا أن موجه حبَّ الناشئة إلى شخص المصطفى -صلى الله عليه وسلم- علينا أن نذكرهم بما قدَّمه لهم من الأعمال والهدايات التي كانت سببًا في إنقاذهم من الظلمات إلى النور، ومن الجهالات إلى العلم، كما أن علينا من خلال مناسبة المولد النبوي أن نعرفهم على سيرته وشخصه وخلقه وخلقه، وقد يكون حبَّ الشخص لفضيلة أسداها ولفاضلة اكتساها، والمرء يعجب بمن يفوقه في أي جانب من الجوانب ويعجب ليد بيضاء أسداها إليه، فيعجب بعضهم بعنترة بن شداد العبسي لشجاعته، وبعدي بن حاتم لكرمه وسخائه، ويحب والديه ليدهما البيضاء لهما عليه، كيف برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جمع بين الفضائل والفواضل، فهو أفصح الناس نشأة، وأقواهم مذهبًا، وأبلغهم ذكاءً، وأصدقهم إلهامًا، وأوسعهم فكرًا، وأعلاهم قدرًا، وأعمقهم نظرًا، وأحصفهم رأيًا، وأكيسهم عقلًا، وأعظمهم سورة، وأجملهم صورة صلى الله عليه وسلم، فتسليط الضوء من خلال هذه المناسبة المباركة.

•ما أبرز الصفات الجسدية التي تميز بها النبي -صلى الله عليه وسلم- وجعلت أصحابه يصفونه بقولهم: "ما رأيت أجمل منه"؟

إن أول ما يلفتُ انتباه الناظر إلى شخصه -صلى الله عليه وسلم- جمال وجهه وطلعته، فقد كساه الله تعالى جمالًا خلقيًّا صبيحًا وطلعةً وضاءةً بهيةً تدهش الناظر إليه، فالله تعالى خلق محمدًا -صلى الله عليه وسلم- في أحسن صورة، وجعله أبهى الناس وأصبحهم وجهًا، فوجهه كالقمر حسنًا وجمالًا، فما تقع عينا بشر على وجه أجمل من وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأكثر من يصفه الواصفون من الجمال المحمدي الشريف هو وجهه المنير الوضاء المشرق، فما يلبث الواصفون أن يصفوه بأنه كالبدر في طلعته أو كالقمر في بهائه وإشراقه، بأبي هو وأمي.

•ما أعظم الصفات الخُلقية التي كان يتميز بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حياته اليومية؟

النبي -صلى الله عليه وسلم- كان على خلق عظيم وشمائل رفيعة لا يمكن أن يكتنهها عقل ولا أن يختزلها في كلمة واحدة، فالله تعالى وصفه بقوله: (وإنك لعلى خلق عظيم)، فعن أي الصفات والأخلاق نتحدث فهو كلُّ أخلاق فاضلة وصفات حميدة، أأتلكم عن لطفه ورحمته، أم عن كرمه وسخائه، أم عن عفوه ورأفته، أم عن قوة ثباته في الحق وتحمله، أم عن خشوعه وعبادته، أم عن بكائه وحلمه، أم عن جوعه وعطشه، أم عن صبره وتجلده، فهو الذي زكاه الله تعالى كلَّه، وأعظم صفة يمكن أن نجيب بها عن هذا السؤال هي صفة الرحمة واللطف، فلهذا وصفه الله تعالى بذلك بقوله: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، وقوله: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).

•ما أبرز المواقف التي تجسد حلم النبي -صلى الله عليه وسلم- وعفوه ورحمته؟

لا شكَّ أن أكثر ما يؤذي الإنسان في حياته هو الإيذاء البدني والمعنوي الذي يجده من أقرب الناس إليه وأمسَّهم به رحمًا، فوقع ذلك على النفس أشد من وقع الحسام، لأن جرح السيف يندمل بعد وقت قريب، فما كان من قريش في بداية العهد النبوي من إلحاق الأذى البدني والمعنوي بشخص النبي صلى الله عليه وسلم وهو من أفاضلهم حسبًا ونسبًا وكرمًا، وهو الصادق الأمين، إلا أنهم نصبوا له العداء وأجلبوا عليه بخيلهم ورجلهم من كل مكان وضيَّقوا عليه وهو الحريص على هدايته وسلامتهم في الدنيا والآخرة، فلمَّا أمكنه الله تعالى من رقابهم وناشدوه القربى والرحم، وقالوا: له ملكت فأسجح أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، لم يثأر لنفسه ولم يذكرهم بما كان منهم بل عفا عنهم وصفح.

• لماذا اهتم الصحابة والعلماء بتدوين الصفات الخَلقية والخُلقية للنبي صلى الله عليه وسلم بدقة متناهية؟ وما القيمة التربوية لذلك للأمة؟

ذكرنا في بداية هذا الحوار أن علاقة الإنسان المسلم بشخص النبي -صلى الله عليه وسلم- علاقة عقيدة وإيمان، أضف إلى ذلك ما حباه الله تعالى به من الخَلق الحسن والخُلق الرفيع، فما من أحدٍ إلا ويتمنى أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا ريب بعد ذلك أن يصفه أصحابه، لمن لم يره من التابعين وللناس أجمعين من بعدهم إلى يوم الدين، فاجتهدوا في وصفه وصفًا دقيقًا لترتسم صورته في ذهن السامع لأوصافه، ويستحضره في مخيِّلته هيئة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقراءة أوصاف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجعل المرء يعيش في سبوحات الجمال النبوي ويسبح في فضاءات النور المحمدي، والإكثار من قراءة أوصافه وتخيله مدعاة لرؤيته في المنام إن شاء الله.

أما القيمة التربوية التي تكتسبها الأمة أفرادًا وجماعات من خلال معرفة أوصاف النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- هو ارتباط شخصه الكريم في أدمغة أجيال هذه الأمة، فيكسبهم استحضارًا لشخصه صلى الله عليه وسلم في نفوسهم مع ارتباطهم الواقعي به من خلال سيرته وتطبيق سنته -صلى الله عليه وسلم- فيجتمع لديهم الاستحضار الذهني لصفاته وهيئته والتطبيق الفعلي لسيرته وسنته -صلى الله عليه وسلم-.

•هل يُمكن القول إن وصف أم معبد للنبي -صلى الله عليه وسلم- يمثّل رؤية الإنسان البسيط الذي لا يعرفه من قبل؟ وما أهمية هذا في بناء صورة موضوعية عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؟

لا شكَّ أن أم معبد وصفته وهي لا تعرفه من قبل ولم تره، فكان وصفها دقيقًا استحضرت من خلاله ما رأته من بهاء طلعته ومحياه صلى الله عليه وسلم، على أن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه لم يمكثوا عند أم معبد غير مدة زمنية قصيرة جدًّا إلا أنها من خلال مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم لها وحواره معها استطاعت بحسن سليقتها العربية وقوة فراستها الأعرابية أن تقف على شمائله وأوصافه التي تميَّز بها عن صاحبيه، فكان وصفها له وصفًا بعيدًا العاطفة الإيمانية التي قد تدفع المؤمن به والمحب لشخصه إلى الغلو أو المزايدة فوق ما يراه، مع أن كلَّ وصفٍ وُصِفَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بلا شكٍّ دون حقِّ جماله وجلاله وشمائله ومناقبه.

ومن هنا تظهر أهمية وصف أم معبد في إعطاء صورة تقريبية حقيقة موضوعية عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم وبناء تصوُّرٍ دقيق لصورة النبي صلى الله عليه وسلم.

•كيف تفسر العلاقة بين الكمال الخَلقي والكمال الخُلقي للنبي صلى الله عليه وسلم؟

الله تعالى خلق نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم في أحسن تقويم وأبدع قوام، كما أنه حباه فأفضل الأخلاق والشمائل وأبدع المناقب حتى يتمشى جمال خلقه مع روعة أخلاقه وسجاياه، فيحقق بذلك الكمال الإنساني، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- هو أكمل العالمين خَلقًا وأعظمهم خُلقًا، ولا أحد يدانيه في خلقٍ ولا كرم، فقد اصطفاه الله من صفوةِ خلقه ومن صفوة صفوته، فما كان أحدٌ يطعن النبي صلى الله عليه وسلم في شيء لا في نسب ولا خلقٍ ولا خلقٍ، فكان -باختصار- أكمل الناس كمالًا إنسانيًّا.

وهذا يعكس مكانة اعتناء الإسلام بحمال المظهر والمخبر، بالظاهر والباطن، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا كما جاء في الحديث، ومن تتبع ذلك في سير الأنبياء والمرسلين لاستطاع أن يستقر على أن تصوُّر الإسلام للجمال الخلقي والخلقي كان أصيلًا وظاهرًا، وإذا كان جمال الخِلقة اختيار من الله تعالى ولا دخل للإنسان فيها، إلا أن اختيار الله تعالى لشكل الإنسان وصورته اختيار من يعلم صلاح تلك النفس وما يصلحها، وأما حسن الأخلاق فهي سجية من الله تعالى وكسب من العبد نفسه، فيستطيع أن يتحصل بخصال الخير وشمائل الصلاح ومناقب الكرام.

•ما الدلالات الاجتماعية في اهتمام النبي -صلى الله عليه وسلم- بهيئته ونظافته (شعره، لحيته، طيبه)؟ وكيف يسهم هذا في تكوين صورة القدوة الشاملة؟

النبي -صلى الله عليه وسلم- بعثه الله تعالى إمامًا وقدوةً للعالمين، فكان مثالًا يحتذى به وأسوة يقتدى بها، فكان خير الأطفال في طفولته، وخير الصبيان في صباه، وخير الشباب في شبابه، وخير الرجال في رجولته، وخير الأزواج مع أهل بيته، وخير الآباء مع أبنائه، وخير الأجداد مع أحفاده، وخير الجيران مع جيرانه، وخير الرؤساء عندما كان رئيس دولة الإسلام، وهكذا في كل مرحلة من مراحل حياته -صلى الله عليه وسلم- كان خير الناس وأفضلهم وأكملهم، فكان دائمًا محطَّ الأنظار ومهوى الأفئدة والقلوب، فلا ريب أنه كان جميل الشعر حسن اللحية طيب الرائحة، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذا شعر جميل أسود خلقة، ولحية كثة مستديرة ربعة لا طويلة ولا قصيرة لا يأخذ منها شيء، وكان رائحته كالمسك ولو لم يمسَّ عطرًا، ومع ذلك كان يتعهد شعر رأسه بالتسريح والدهن، ولحيته بالتسريح، ويمسُّ من عطر أهل بيته وما حضر.

أضف إلى ذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يهتم بحسن هندامه ولباسه، فكان يحب الأبيض من الثياب، وكانت لديه أكثر من عمامة فيلبس العمامة البيضاء والسوداء والصفراء، وهكذا ارتسمت صورة القدوة الحسنة الشاملة في نفوس أصحابه، وقدورة شاملة في جميع نواحي الحياة.

•كيف تفسرون استمرار أثر شعر النبي -صلى الله عليه وسلم- وآثاره المادية عند الصحابة والتابعين؟ وهل هذا يدخل ضمن مفهوم “البركة” في الفقه الإسلامي؟

ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يوزِّع شعر رأسه بعد الحلاقة على أصحابه، وقد أعطى أبا طلحة الأنصاري نصف شعر رأسه لأنه هو الذي حلقه، فما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هذا الفعل ويوزِّع على أصحابه شعر رأسه لو أن في ذلك من البركة التي وضعها الله تعالى في بدنه الشريف -صلى الله عليه وسلم- وكذا كان يوزِّع أظفاره بعد تقليمها، وكان خالد بن الوليد يشكُّ شعرات النبي صلى الله عليه وسلم في قلنسوته من الداخل، وكانت أم سلمة أم المؤمنين تضع شعرات النبي -صلى الله عليه وسلم- في قنينة من فضة ترقي بها من يأتيها طالبًا الرقية، فما ذلك إلا لبركة بدنه الشريف وما انفصل عنه.

•كيف يمكن أن يسهم إبراز خَلق النبي -صلى الله عليه وسلم- وخُلقه في معالجة الصور المشوهة التي تروّجها بعض وسائل الإعلام الغربية عن الإسلام؟

لنعلم جميعًا أن ما يروِّج له المروجون في الوسائل الغربية من تشويه الصورة الشريف للحبيب مصطفى والنبي المجتبى صلى الله عليه وسلم ذلك قطعًا لن يضرَّه شيئًا وإنما يضرُّ من نشر ذلك ومن روَّج له.

وما يضرّ البحر أمسى زاخرًا... أن رمى فيه غلامٌ بحجر

لا بدَّ أن نعلم يقينًا أنه لن ينال أحدٌ من شخص النبي صلى الله عليه وسلم أبدًا فالله مانعه من الناس، فكلُّ من تكلَّم ردَّ الكلام عليه بالسلب، وأوقع نفسه في المهانة والذلة والصغار، وهيهات أن ينال أحدٌ من شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكن في المقابل هذا ابتلاء لنا نحن أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نذود عنه ونردُّ كيد الكائدين، ثم في ذلك سبيل إلى نشر مناقب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفاته الخلقية والخلقية ليسمع العالم بها، كما رأينا في الأيام الماضية كيف أثرت الردود المدافعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضدَّ من حاول تشويه صورته الشريف عبثًا في جماهير العالم ووقوفهم على صفاته ومناقبه وبحثهم عن سيرته حتى تبيَّن لهم أنه بخلاف ما ذكر عنه، والحمد لله رب العالمين حمى الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته.

وهذا الأمر يؤكد أهمية الاحتفال والاحتفاء بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم بصفة سنوية من أجل بعث رسائل للعالم جميعًا تتحدث عن حياة رجل غيَّر الله تعالى به حياة العالم بأسره، وإقامة مثل هذه الاحتفالات بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم من شأنها تذكير العالم بأسره بأن شخصه صلى الله عليه وسلم موجود حاضر بيننا في كلِّ تفاصيل حياتنا لأن وجوده عقيدة مسلم وإيمان موحد.

•هل ترى أن تدريس هذه الأوصاف في المناهج الإسلامية ينبغي أن يقتصر على الجانب الوصفي، أم يجب أن يقترن ببرامج عملية لتربية الشباب على الاقتداء؟

تفاصيل حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلُّها جوانب تربوية، في مظهره وصفاته الخلقية والخلقية، وفي أكله وشربه، في منامه ويقظته، في دخول البيت وخروجه منه، في حل وترحاله، في حضره وسفره، في صلاته وصيامه، كل تفاصيل حياته منهج حياة متكامل.

فإن كانت المناهج التربوية المعاصرة تحتاج إلى تربية الأجيال الناشئة فعليها بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم فهي صالحة لكل زمان ومكان، فتدرَّس الأجيال الناشئة صفاته الخلقية والخلقية حتى يستحضروه ماثلين بين يديه صلى الله عليه وسلم، وتدرَّس سيرته في حله وسفره، في بيته وخارجه، حتى تتشرَّب الأجيال القادمة كلِّ معاني حياته صلى الله عليه وسلم وتستفيد منها وتسترشد بها في حياتها المستقبلية، وفي مواجهة التحديات التي تواجهها في مسيرتها في هذه الحياة المتسارعة والمتغير، وكما قيل: (من لا ماضيَ له لا حاضرَ له، ومن لا حاضرَ له ولا مستقبل له)، كيف ونحن المسلمون نمتلك من صفحات الماضي المشرق ما يعتبر كتمانه جريمةً في حقِّ الإنسانية جمعاء، والله المستعان.

لهذا أشجع بقوة أن تكون مناهج التدريس في مدارسنا ومعاهدنا وكلياتنا وجامعاتنا تُعنى بتدريس حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حياة يحتاج إليها الإنسان في جميع أطوار حياته ومراحل عمره كما أسلفنا ذلك سابقًا، والله تعالى الموفق.