إشراقات

المراكز الصيفية لها طرق مختلفة لجذب الطلبة وتشجيعهم على التلاوة والحفظ

02 يونيو 2022
عبدالله الهشامي: عند تذكري أن القرآن كاملا محفور في صدري أشعر بسعادة عظيمة
02 يونيو 2022

حفظت المصحف كاملا في ثلاث سنوات -

من أكثر الصعوبات مراجعة الحفظ السابق وتثبيت الحفظ الجديد -

ساعدني أبي الحبيب كثيرا في رحلة الحفظ والمراجعة بتشجيعه وكلمته الطيبة -

حفظة القرآن هم أهل الله وخاصته، اختارهم الله من بين الخلق لكي تكون صدورهم أوعية لكلامه العزيز، بفضله وتوفيقه، فتلك بركة أسبغها الله على حيواتهم، نالوها ثمرة لجهدهم في تدارس القرآن وحفظه، فبذلوا أوقاتهم رغبة منهم في الحصول على هذا الوسام الرباني، فنالوا ما كانوا يرجون، فكيف بدأت رحلتهم في الطريق المبين؟ ومَن أعانهم على سلوكه؟ وما العقبات التي ذلّلها الله لهم لاجتياز هذا الدرب؟ وما قصص الشغف التي رافقتهم في هذا الطريق القويم؟ وما آمالهم وطموحاتهم المستقبلية؟ كل ذلك وغيره نستعرضه في هذا الحوار مع الحافظ لكتاب الله «عبدالله الهشامي» من ولاية سمائل.

متى بدأت رحلتك مع حفظ كتاب الله؟ وهل شجعتك العائلة على ذلك أم كانت رغبة شخصية لديك؟ حدثنا عن قصة حفظك بالتفصيل؟

كنت بعيدا كلّ البعد عن كتاب الله تلاوة وحفظا، ولكن بدأت رحلة الحفظ لديّ في الخامسة والعشرين من عمري عندما أخبرني صديقي وجاري العزيز يوسف بن سعيد الرواحي أنّ هناك مجموعة من أصحابه يحفظون سورة واحدة كل أسبوع ابتداءً من سورة الذاريات وانتهاء بسورة الناس فبدأت معهم وواصلت معظم الأجزاء الأخيرة منفردا.

بعدها بسنة تقريبا سمعت عن رابطة القرآن الكريم بسمائل التي يقود زمامها الدكتور سالم بن مبارك الرواحي (رحمه الله) الذي لا تكفي السطور ولا الصفحات ولا الكتب الثناء عليه، فكان نعم الموجه ونعم الصاحب ونعم المؤازر في الرحلة المباركة فكنا نلتقي به فجرا كل جمعة في مسجد الرباط لسرد الربع المقرر لنا، وكانت لديهم خطة واضحة في الحفظ والمراجعة.

وتم تقسيم المصحف لستة مستويات وكل مستوى يشمل خمسة أجزاء، واجتزت المستويات كلها ولله الحمد في ثلاث سنوات تقريبا.

عشت من خلالها تجربة لا تُنسى، فالحفظ الجديد وما يتطلبه من جهد وتركيز وتكرار وسرد واختيار الوقت المناسب لذلك، ومراجعة الحفظ القديم وربطه بالجديد

والصبر على ذلك كله يجعل من رحلة الحفظ رحلة خالدة لا يعلم طعمها إلا من ذاق حلاوتها.

وقد ساعدني أبي الحبيب كثيرا في رحلة الحفظ والمراجعة بتشجيعه وكلماته الطيبة ومتابعتي في سرد الأجزاء، فجزاه الله خيرا كثيرا.

كيف كنت تنظم وقتك في حفظ القرآن الكريم أثناء التحصيل الدراسي أو مزاولة أعمالك واتزاماتك؟

إن أشغال الناس وأعمالهم لا تنتهي، فكل منّا له عمله الخاص وله أهل وأولاد يشغلانه كثيرا في حياته، وحفظ القرآن ومراجعته لا يعارض ذلك إطلاقا، فنسمع كثيرا من الأشخاص يتعلل بمثل هذه الأعمال المختلفة، فلا يجد وقتا كافيا ليرشف فيه من رحيق القرآن ويقتبس من نوره فيعيش في ظلمات بعضها فوق بعض

لذلك من كانت لديه العزيمة الصادقة والنية الخالصة لحفظ كتاب الله سيجد أوقاتا كثيرة وسيبارك الله في حياته ويتجدد نشاطه عند الشروع فيه.

أمّا عن الوقت الذي كنت أحفظ وأراجع فيه وما زلت مستمرا إلى الآن ولله الحمد

فهو قُبيل الفجر وبعد صلاة الفجر، وفي الطريق للعمل، وكذلك في الحصص الدراسية التي لا أدرس فيها الطلاب، وعند الانتظار في المستشفيات حتى يؤذن لنا بالدخول عند الطبيب، وعند مراقبة الطلاب في اختبارات الدبلوم العام مدة ثلاث ساعات، فالأوقات كثيرة، ولكن المهم تنظيمها وعدم التنازل عن مقدار الحفظ والمراجعة يوميا حتى يرسخ في الذهن رسوخ الجبال الشامخات ولا يأتي ذلك في يوم وليلة.

ما هي الصعوبات والتحديات التي واجهتك في مسيرة حفظك للكتاب العزيز؟

يقول الله تعالى: ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر) حفظ القرآن الكريم ميسر للجميع من كانت لديه النية الصادقة والعمل المستمر للوصول للهدف المنشود

فالحافظ عليه أن يغير الكثير من الأشياء قبل البدء في الحفظ، كتغيير موعد النوم والاستيقاظ وتغيير الصحبة أيضا ليصاحب من يعينه على الحفظ والمراجعة

أما أهم الصعوبات التي واجهتني فهي ربط الحفظ الجديد بالقديم واسترجاع الحفظ السابق، ولكن مع المراجعة المستمرة تغلبت عليها ولله الحمد.

وأيضا واجهتني صعوبة في البداية في ضبط التجويد ولكن المشاركة في الدورات والمسابقات سهل لي تعلمه ولله الحمد.

من خلال تجربتك الذاتية، كيف تجسدت البركة التي يتركها القرآن في حياة من يحفظه؟

منذ حفظي القرآن الكريم أجد بركته في كل شيء، بركة في الوقت، وبركة في الصحة ونشاطا في العمل، والاستفادة من أي وقت فراغ، وعدم الإحساس بالملل إطلاقا، فكلما كان هناك وقت فراغ أشغلته بالمراجعة، فتمر الساعات كأنها لحظات وتمر الصعاب كأنها نسمات باردة.

ونعمة القرآن رأيتها جليّا عند انتشار وباء كورونا وكثرت ساعات الحظر، لأنه زادت ساعات ارتباطي بالقرآن ومدارسة الأولاد في المنزل أيضا.

فكثير من الناس شعروا بالضيق والملل أما حافظ القرآن فبدل النقمة إلى نعمة

والضيق إلى سعة والابتلاء إلى رخاء.

وبركات القرآن لا تُعد ولا تُحصى، فعند تذكري أن القرآن كاملا محفور في صدري أشعر بسعادة عظيمة لا تُوصف.

وبركة القرآن تتجلى أيضا في الراحة النفسية والرؤى التي أراها أحيانا في المنام

فتردد آياته بين مسامعي في اليقظة والمنام، فما أعظمه من شعور وما أحلاها من بركة.

هل تغيير القناعات حول قدرات الراغبين في حفظ كتاب الله من الممكن أن تجعل عملية الحفظ أسرع؟

إن إيمان الشخص بقدراته مهم جدا في عملية الحفظ، فالذي يشرع في الحفظ عليه أن يجعل نصب عينيه الأهداف التي يريد تحقيقها والمقدار الذي حدده للحفظ والمراجعة

ويجب على الحافظ أن يكون هدفه عاليا جدا ولا يهدأ له بال حتى يختم المصحف إن شاء الله.

فبعض الأشخاص يحدد جزءا واحدا للحفظ فقط ويكتفي به، والبعض أكثر بقليل ولا يزيد على ذلك أبدا، ومع مرور الوقت وقلة المراجعة يذهب ذلك الحفظ تدريجيا.

وعلى الحافظ أن يحدد مقدارا وأهدافا مختلفة، فهناك خطة يومية ينجزها وخطة أسبوعية وشهرية أيضا.

ولا مانع من مراجعة الإنجازات بعد مرور وقت من الزمن لتفادي الصعوبات والتقصير في تحقيق تلك الأهداف.

وما أجمل أن يكون هذا العمل جماعيا ليشجع كل حافظ زميله، وما أروع أن تكون هذه الأهداف محددة بزمن معين لإنجازها حتى يكون العمل منظما ويسير وفق خطة واضحة للحافظ.

يعاني البعض من سرعة نسيانه لما حفظه من القرآن الكريم، ما هي الطرق الحديثة التي طبقتموها والتي تعين على رسوخ الحفظ وعدم النسيان؟

من أكثر الصعوبات والعقبات التي تواجه حافظ القرآن مراجعة الحفظ السابق وتثبيت الحفظ الجديد، فكلما رجع للصفحات التي حفظها سابقا يجد صعوبة في استرجاعها فيصاب بإحباط شديد وتضعف لديه العزيمة فيؤثر سلبا عليه، وهذا شيء طبيعي، فقدرات الناس تختلف في الحفظ وقوة الذاكرة.

فمن وجد هذه المشكلة عليه بعدة خطوات منها:- عدم اليأس والاستمرار في المراجعة وعدم التوقف أبدا. وأن يطبق الجدول الذي رسمه للحفظ والمراجعة حسب الوقت المحدد حتى يكون حفظه قويا متينا يصعب نسيانه. وألا يترك الحفظ السابق مدة زمنية طويلة، فكلما زادت المدة صعب استرجاع المحفوظ. الصحبة الصالحة التي تجعل من الحفظ والمراجعة بشكل جماعي أسهل للحافظ.

ما أجمل قصة حصلت لك أثناء مسيرتك مع حفظ كتاب الله؟ احكيها لنا؟

الحياة مع القرآن الكريم قصة جميلة منذ بداية الحفظ إلى نهايته، فكل الذكريات تبقى عالقة في الذهن وكل الأماكن التي حفظت فيها والأشخاص الذين ساعدوني في الحفظ والتجويد لم أنسهم أبدا.

والمسابقات القرآنية التي شاركت فيها وحققت أهدافي في معظمها والسعادة الغامرة التي تسللت إلى كل جوارحي عند الحصول على مركز متقدم، وما زادني ذلك إلا شغفا وحبا للمزيد من التقدم وأصبحت أهدافي أعلى وأعلى.

أما أجمل ذكرى فهي اليوم الذي ختمت فيه المصحف كاملا، ما أجمله من يوم وما أعظمه من شعور، شعور لا يمكن وصفه أبدا إلا من مرّ به وذاق حلاوته.

ما الآية التي تتردد في ذهنك دائما؟ تجد نفسك تتلفظ بها دون أن تشعر؟

لا توجد آية محددة تتردد في ذهني، ولكن حسب الموقف الذي يمر علي، فموقف الشكر أتذكر ( ولئن شكرتم لأزيدنكم) والموقف إذا احتاج لصبر أتذكر آيات الصبر، وعند التأمل في ضعف الإنسان حال المرض أتذكر الآيات الدالة على ذلك وهكذا..

أمام هذا الكم الهائل من الملهيات ووسائل الترفيه واللعب.. ما هي الطرق والأساليب الحديثة التي تتبعونها في ربط الناشئة بالقرآن الكريم؟

الملهيات والمغريات التي تقف أمام تعليم الأولاد القرآن الكريم كثيرة جدا، وأولها وسائل الترفيه والأجهزة الذكية وأصدقاء السوء.

والمساعد الأول على التغلب على هذه العقبات هو الأهل في المنزل، فضبط الأولاد في استخدامها والتقليل منها ومراقبتهم يساعد كثيرا في تهيئتهم لتعلم القرآن الكريم وحفظه.

خاصة وقت الإجازات الصيفية، فالمراكز الصيفية لها طرق مختلفة لجذب الطلاب وتشجيعهم في التلاوة والحفظ من خلال البرامج والأنشطة والمسابقات والرحلات وغيرها لا سيما تلك التي يوجد بها دراسة مستمرة للطلاب وسكن داخلي لهم، فيقضي الطالب معظم وقته مع القرآن الكريم ويستطيع حفظ المصحف في زمن أسرع.

ومشروع حفظ الأولاد القرآن الكريم لا يقف عند مؤسسة واحدة، فهي عملية مشتركة بين الآباء والمعلمين.

ما المسابقات القرآنية التي شاركت فيها؟ وهل تجد أن هذه المسابقات حافز للحفظ ولتجويد الحفظ؟

شاركت في مسابقات عديدة منها: مسابقة السلطان قابوس في معظم المستويات تقريبا وتأهلت للتصفيات النهائية مرتين متتاليتين.

ومسابقة خريف صلالة مرتين وتم تكريمي في آخر نسخة بالمركز الخامس. ومسابقة أولاد آدم أربع مرات وفزت بالمركز الثاني آخر مشاركة ولله الحمد. ومسابقات محلية للأندية الرياضية والثقافية وحصلت على المراكز الأولى في معظمها، ومسابقة المعلمين لمحافظة الداخلية، وفزت بالمركز الأول ثلاث مرات في مستويات مختلفة. وقد ساعدتني كل هذه المشاركات على تثبيت الحفظ وكسب الثقة ومواجهة الجمهور وكسر حاجز الخجل والتردد، وساعدتني أيضا في تحسين التلاوة والتجويد وتعرفت على الكثير من المشايخ والمشاركين واستفدت من تجاربهم كثيرا.

كيف يستعد الحفاظ للمشاركة في المسابقات الدولية لحفظ القرآن الكريم؟

المسابقات الدولية يتم الاستعداد لها قبل فترة زمنية كافية من كل النواحي النفسية والذهنية والمراجعة الدقيقة وضبط التجويد وحسن الصوت والترتيل، وعلى المتسابق أن يستعين بأحد المشايخ المتمكنين ليعينه على ذلك ويستطيع المنافسة بشكل قوي

كما أن المسابقات الداخلية تهيئ المشارك للدخول في جو المسابقات الدولية.

ولم أشارك من قبل في مسابقات دولية لأنها محددة بعمر معين ويُختار مشارك واحد فقط من كل دولة في معظم المسابقات.

ما القراءات القرآنية التي تجيدها؟ وكيف تعلمتها؟

تعلمت رواية حفص عن عاصم فقط، وأطمح إلى ضبطها أكثر وأكثر وأتعلم باقي القراءات مستقبلا إن شاء الله.

أما رواية حفص فتعلمتها عن طريق السماع وبعض المشايخ في ولاية سمائل جزاهم الله خيرا وفي محافظة مسقط مع الشيخ العزيز محمود إبراهيم عبدالغني.

ما هي المشروعات المستقبلية التي تطمحون إلى تحقيقها والتي تخص كتاب الله؟

نطمح أن يزداد حفظة القرآن الكريم في ولاية سمائل وباقي الولايات شيئا فشيئا، ولا يأتي ذلك إلا بتكاتف الجميع، رجالا ونساءً، ومساندة مدارس القرآن الكريم من كل النواحي ماديا ومعنويا.

ونسعى لإنشاء جيل قرآني يتلو كتاب الله تلاوة صحيحة بعيدة عن اللحن، ويساعد الناس في إمامة الصلاة، ويعلم بعد ذلك الأجيال القادمة.