No Image
إشراقات

الأبواب في القرآن الكريم

25 أغسطس 2022
تأملات قرآنية
25 أغسطس 2022

المتأمل في الكتاب الحكيم يجده يستخدم ألفاظا ليدل بها على معان ظاهرة، ودلالات عميقة تبرز من خلال إطالة النظر وربط تلك الأسماء والمصطلحات بالسياق الوارد فيها، والإضافات والتي أحدثتها في النص، والإسقاطات التي قامت بتأديتها، ومن ذلك مثلا، لفظة «الباب» ومشتقاتها، فنجد القرآن الكريم استخدمها في مواضع كثيرة، ولو تأملنا معنى لفظة الباب بما نعرفه من استخدام لهذا الباب، فهو ما يسد به المدخل، ويمكن من خلاله النفوذ إلى المكان المسدود.

ولو أتينا إلى المواضع التي ذكر الله تعالى فيها الباب لوجدنا في قصة بني إسرائيل ذكرا للباب في أكثر من آية، فنجد قوله تعالى في سورة البقرة «وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ» فقد طلب الله تعالى منهم لكي يمحوا خطاياهم وذنوبها أن يدخلوا باب بيت المقدس وهم منحنون خاضعون وأن يقولوا حطة، أي حطَّ عنا خطايانا، ولكن لأن بني إسرائيل أهل ضلال، وقوم فسدت فطرهم، بدلوا هذه الكلمة بكلمة أخرى قريبة من حيث اللفظ استهزاء منهم، وإمعانا في الغي والضلال، فكانوا يقولون حنطة، فأنزل الله عليهم العذاب بما كانوا يفسقون، وبما استهزؤوا به لغفران ذنوبهم.

وقد بين الله هذه الحادثة في أكثر من موضع منها ما ورد إجمالا، ومنها ما ورد تفصيلا، ذاكرا الباب الذي أمروا بالدخول منه سجدا فقال تعالى في سورة النساء «وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً» فنجد في هذه الآية بعض المعجزات وبعض الأوامر والنواهي التي وجهها رب العزة إلى بني إسرائيل ومنها أنه اقتلع الجبل ورفعه فوق رؤوسهم ومنها أمرهم بدخول الباب سجدا، ونهيهم عن الصيد يوم السبت. وأكد الله على هذه الحادثة في موضع آخر من الكتاب الكريم، فقال تعالى في سورة الأعراف: «وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ».

كما ورد ذكر الباب في قصة بني إسرائيل في موضع آخر وهي عندما طلب موسى من قومه بني إسرائيل أن يحاربوا القوم الجبارين، وهم العمالقة وأن يدخلوا عليهم باب مدينتهم ولكنهم رفضوا ذلك، خوفا ووهنا فقالوا لن ندخلها ما داموا فيها، ولكن رجلان من الذين أنعم الله عليهما بالإيمان الصادق قالا في سورة المائدة «قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ» وقد اختلف المفسرون في المقصود بهذه المدينة التي لها هذه الباب، فقال بعضهم أرض الطور وما حولها، وقال آخرون هي أرض بيت المقدس وما حولها، وقد كانت المدن لها أسوار وهي من الطرق الدفاعية التي يستخدمها سكان تلك المدن أمام أعدائهم في الحروب والمعارك.

ونجد في موضع آخر من كتاب الله ذكرا آخر للباب وذلك في قصة يوسف عليه السلام فقد راودته التي في بيتها وغلقت الأبواب، وقد استبقا الباب وقدت قميصه من دبر، وكذلك ألفيا سيدها لدى الباب، فقال تعالى في سورة يوسف عليه السلام: «وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ».

كما أننا نجد ذكرا للباب في السورة نفسها ولكن في موضع آخر وهو عندما أمر يعقوب عليه السلام بأن يدخلوا على عزيز مصر من أبواب متفرقة وليس من باب واحد وقد اختلف المفسرون في تفسير هذا الفعل الذي أمر به يعقوب عليه السلام بنيه فقال تعالى في سورة يوسف: «وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ».

وقد جاء ذكر الأبواب في القرآن الكريم في الحديث عن نار جهنم وأبوبها فلها سبعة أبواب كما قال الله تعالى في سورة الحجر: «وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ (44)» وقال تعالى في سورة النحل: «فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ» وقال ربنا في سورة الزمر: «قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ» وجاء في سورة غافر قوله تعالى: «ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ».

وكما أن لجهنم أبوابا فللجنة أبواب أيضا، وقد ذكرها الله في عدة مواضع منها ما ذكره الله في سورة الزمر فقد قارن بين حال الزمر التي تفتح لها أبواب جهنم، والزمر التي تساق إلى الجنة فقال تعالى: «وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ* وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ».

فأبواب الجنان تستقبل المؤمنين وهي مفتوحة لهم فقال تعالى: «جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ» وقال تعالى في سورة الرعد:«جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ» وقال تعالى في سورة الزخرف: «وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ».

وهنالك ذكر مجازي للأبواب في قوله تعالى في قصة طوفان نوح عليه السلام فقد انهمرت السماء بالماء، وتفجرت عيون الأرض، وقد عبر المولى عز وجل عن الماء المنهمر الذي أنزله من السماء وكأنه ماء متجمع كثير فتح له الباب فانهمر ليلتقي مع الماء المتفجر من الأرض ليتشكل الطوفان فقال تعالى في سورة القمر: «فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ».

وبين الله حال المنافقين يوم القيامة وخطابهم للمؤمنين والباب الذي يفصل بينهم فقال تعالى في سورة الحديد: «يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ» وقد أورد الطبري في تفسيره قول ابن عباس: «بينما الناس في ظلمة، إذ بعث الله نورا، فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه، وكان النور دليلا من الله إلى الجنة؛ فلما رأى المنافقون المؤمنين قد انطلقوا، تبعوهم، فأظلم الله على المنافقين، فقالوا حينئذ: انظرونا نقتبس من نوركم، فإنا كنا معكم في الدنيا؛ قال المؤمنون: ارجعوا من حيث جئتم من الظلمة، فالتمسوا هنالك النور، فضرب الله بين المؤمنين والمنافقين بسُور، وهو حاجز بين أهل الجنة وأهل النار.»

وفي وصف أهوال يوم القيامة من تسيير الجبال التي تستحيل إلى سراب ومن تفتح السماء التي تستحيل إلى أبواب قال تعالى في سورة النبأ: «وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَاباً».

ومن جهة أخرى نجد أن الله تعالى يتحدث عن تكذيب المشركين وعنادهم فحتى لو فتح الله لهم أبواب السماء وأخذوا إليها يطيرون، كمعجزة تجعلهم يؤمنون بالله، لكذبوا بها وقالوا أنهم أصبحوا مسحورين، فقال تعالى في سورة الحجر: «وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ».