خطبة الجمعة تدعو إلى المحاورة الفكرية مع البنين والبنات وتوجيههم إلى القنوات المأمونة على أفكارهم
تناولت محاور التربية العلمية والتركيز على إيجابيات الأبـناء وما لديهم من مواهب وقدرات -
متابعة : سالم بن حمدان الحسيني -
دعا خطباء الجوامع في خطبة الجمعة الأسبوع الماضي الآباء والمربين إلى المحاورة الفكرية مع البنات والبنين، في زمن زحمة المعـلومات وتنوعها، مشيرين إلى أن ترك الحبـل على الغارب فيه عظيم الخطر، وجسيم العواقب والضرر، فلذلك يتحتم على الأمهات والآباء، توجيه أبنائهم وبناتهم، إلى القنوات المأمونة على أفكارهم، وإتاحة الفرصة لمعرفة ما لدى الآخرين، مع حزم في المتابعة الدقيقة، القائمة على المودة والعلاقة الوثيقة.. جاء ذلك في سياق الخطبة التي جاءت تحت عنوان: «التـربية العلمية» والتي تناولت موضوع العلم.
وقد استهل الخطباء الخطبة بالقول: إن طلب العلم خير ما أنفقت فيه الساعات، وعمرت به الأوقات، ولقد جاءت نصوص الكتاب والسنة منوهة بفضـل العلم وأهـله، وحاثة على تعلمه وكسبه، قال تعالى في أول ما أنزل من القرآن: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)، بل رفع الله تعالى شأن العلم وأهـله، وبين مكانتهم، فقال سبحانه: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)، مؤكدين أن الله تعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستزادة من شيء إلا من العلم، فقال له: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)، وما ذاك إلا لما للعلم من أثر في حياة البشر، فعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّـل الله له طريقا إلى الجنة»، فالغاية من العلم وطلبه الإيمان بالخالق سبحانه وتعالى، والتحلي بالأخلاق الفاضلة، والوصول إلى الحياة الهنيئة الكريمة، والسير سيرة حسنة قويمة.
وأشار الخطباء إلى أن تربية الأبـناء التربية العلمية ينبغي أن نسـلك فيها مسالك بناءة، وطرقًا سديدةً، تقربهم إلى القيم النبيلة، والأخلاق الفاضلة، والسـلوك الإيجابي، والتفكير الصحيح والابتكار وحب العلم، وتبعدهم عن الكسل والجهـل، وإضاعة الأوقات والتقليد الأعمى، وهذا إنما يكون بالعمل على محاور عدة منها تبني لغة الحوار مع الأبـناء والتواصل معهم، لمعرفة متطلباتهم، والاستماع إلى آرائهم، والفهم الدقيق لكل أفكارهم، وعدم التجاهل لمشكلاتهم، حتى لا نقع فيما حذّر منه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول»، فما أحوج الآباء والمربين، إلى المحاورة الفكرية مع البنات والبنين، في زمن زحمة المعـلومات وتنوعها، فإن ترك الحبـل على الغارب ففيه عظيم الخطر، وجسيم العواقب والضرر، وما الكتاب والحاسوب وسائر قنوات المعرفة إلا جلساء، يأتي منهم النفع والبلاء، وهنا يتحتم دور الأمهات والآباء، في توجيه أبنائهم وبناتهم، إلى القنوات المأمونة على أفكارهم، وإتاحة الفرصة لمعرفة ما لدى الآخرين، مع حزم في المتابعة الدقيقة، القائمة على المودة والعلاقة الوثيقة.
وأوضحت الخطبة أن من أهم محاور التربية العلمية التركيز على إيجابيات الأبـناء، وما لديهم من مواهب وقدرات، وما يستطيعون إنجازه من مهام وابتكارات ومخترعات، كما أن من محاورها العناية النفسية بالناشئة ورفع معـنوياتهم، ولا سيما عندما يقعون في أخطاء، أو يقع عليهم اعتداء، فإن تجاهل ذلك وإهماله سيورث جروحا عميقة في النفوس، وربما تتغلغل فيها حتى تورث الأحـقاد وسوء الطباع، موضحة أن مما يجدر التنـبيه عليه الحذر من الإفراط في الاسـتجابة لمتطلباتهم وتلبية جميع رغباتهم فإن نفوسهم تميـل إلى اللعب واللهو وحب ارتياد مواطن الألعاب، والخروج في الأزقة والطرقات على حساب أخلاقهم ودروسهم وواجباتهم.
وناشد الخطباء المربين الغيورين على فلذات أكبادهم كسب أولادهم العلم والأخلاق، وناشدت الآباء والأمهات الوقوف وقفة واحدة في متابعة تحصيل أبنائهم، بالجلوس إليهم، وإعانتهم في مذاكرة دروسهم، وتوفير البيئة المناسبة للمطالعة وأداء الواجبات، وتذلـيل ما قد يواجههم من صعوبات، أو يعترض طريق نجاحهم من عقبات.
وقالوا: ألا ترون كيف يرتاح الابن بوجود أحد أبويه بجانبه؟ يقلب معه كتبه الدراسية، ويتابع درجاته، مشجعا له للمزيد من التقدم، وحافزا له لبذل الجهود. فلا بد من تضافر الجهود واستحضار قول النبي صلى الله عليه وسلم دائما: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيـته»، مشيرين إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعلّم أصحابه أن يعلموا أولادهم وأن يحسنوا أدبهم، ويرشدهم إلى ما ينبغي أن يكون عليه الآباء من ملازمة الأبناء، ليكون تصرف الأبناء تحت نظر الآباء وإشرافهم فإذا تصرف أحدهم أي تصرف يحـتاج إلى توجيه، كان ذلك التصرف موضع العناية والنظر، وحثت الخطبة الآباء أن يتعرفوا على الذين يخالطوا أبناءهم ويجالسونهم؛ ليتأكدوا من سلامة سلوكهم واستقامة أخلاقهم، إذ ربما كان تأثير القرين أكثر من تأثير الوالدين.
وبيّن الخطباء أن ذلك لا يتحقق إلا بتضافر جهود هيـئات التدريس وجهود الأمهات والآباء وان المجتمعات المتقدمة لا تقوم إلا على أسس العلم والاستفادة من طاقات العلماء، ولقد يسر الله في هذا الزمان من طرق التواصل ووسائل الاتصال، التي قربت البعيد، وسهـل الله بها الصعب العسير، وذللت سبل التعارف، وأسهمت في دروب التعاون، وإن الأسرة الواعية يجدر بها اغتنام هذه الوسائل في رفع المستوى العلمي والعملي لأبنائها، بالتواصل مع المدرسة، فعن طريقها ينبأ المربي في بيته وفي مقر عمله، وأينما ذهب ورحل عن مسيرة ابنه التعليمية، ومستواه الدراسي. ولإكمال البناء التربوي والعلمي.. مشيرين إلى العلاقة بين المعلم والتـلميذ لابد من أن تكون قائمة على أساس من التكريم والتوقير، والمحبة والتقدير، إذ للمعلم فضـل على المتعلم لا ينسى، ولذا ذكر الله عز وجل التعـليم في معرض الامتنان بالفضـل الجليل، فقال سبحانه: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا). واختتم الخطباء بتوجيه الخطباء إلى الآباء والمربين بأن يكونوا قدوة حسنة لمن تحت أيديهم، وأن يربوا أجـيالهم وناشئتهم تربية صالحة، ليكونوا أعضاء صالحين في مجـتمعهم، نافعين لبلادهم وأمـتهم.
