1257105
1257105
إشراقات

القرآن الكريم .. وأهمية تعليمه للناشئة

04 يوليو 2019
04 يوليو 2019

ومضات حول تعلم القرآن وتعليمه -

زهرة سليمان اوشن -

«وقد كان سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان وهم من جعلوا القرآن دستور حياتهم يحرصون أشد الحرص على تعليم أبنائهم قراءة القرآن، فكان أول ما يفعلونه أن يلحقوا أبناءهم بحلقات التحفيظ المنتشرة في بيوت الله تعالى، وهي سنة معهودة إلى أمد قريب في كثير من أصقاع العالم الإسلامي فيكون أول ما يتلقى الأطفال آيات القرآن التي تتنزل عليهم هدى ونورا، ثم بعد ذلك يتدرج التلميذ في أنواع العلوم الأخرى فيغترف منها ما يشاء حسب جهده وميوله».

القرآن الكريم كتاب الله المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو كتاب هداية وإرشاد وتهذيب وإصلاح، فيه الخير كل الخير لمن تمسك به وعمل بهداه.

وقد تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظه، قال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، ودعانا للاهتمام بهذا الكتاب وتدبره والعمل به: قال تعالى: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب).

وحديث القرآن عن القرآن يطول، ففي القرآن آيات كثيرة تعرفنا بالقرآن وأهميته، نجد فيها ذكرا لأسمائه وأوصافه وصفات التالين له العاملين به، منها قوله تعالى: (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا) ، (الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون) ، (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) ، (إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)، (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا) ،(يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) إلى آخر الآيات التي تتحدث عن عظمة القرآن وجليل فضائله.

ولا شك أن من أوجب واجبات الأمة أفرادا وجماعات رعاية هذا الكتاب والاهتمام به وإعطاؤه مساحة من أوقاتهم والعناية به حفظا وفهما، تدبرا وعملا، تطبيقا ونشرا.

وإذا ما رجعنا لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة صحبه الكرام نجدهم يحرصون أشد الحرص على الاهتمام بكتاب الله تعالى، فما أن تتنزل الآيات على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يتبادر الصحابة الكرام إلى تعلمها وحفظها ومن ثم تعليمها ونشرها، وقد كانوا يتنافسون في تلك الميادين الغناء ويجعلون تعلم القرآن وتعليمه - كل حسب استطاعته- أساسا في حياتهم يستنيرون به وينورون به حياة غيرهم حتى نشروه في الآفاق وبلغوا به العالمين.

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم شديد الاهتمام بتعليم أصحابه وأهله القرآن الكريم، فبمجرد أن تتنزل عليه الآيات كان يقوم بتلاوتها على أصحابه وتلقينها لهم وتوضيح وتفسير الغامض منها، وكان يدعو كتبة الوحي لكتابة الآيات حتى يتم توثيقها في السطور كما حفظت في الصدور.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مع تلقينه القرآن لصحبه الكرام يحب أن يسمعه من بعضهم بين فترة وأخرى، فعن ابن مسعود رضى الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ، قال: قلت يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل القرآن؟ قال: نعم . قال : فقرأت سورة النساء حتى إذا انتهيت إلى هذه الآية (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا)، قال: «حسبك الآن»، فألتفت إليه فإذا عيناه تذرفان.

وعلى هذا الحال كان تلقي النبي للقرآن من جبريل الذي كان يعارضه القرآن تلقينا وسماعا، مدارسة وتوضيحا.

وقد وردت عديد الآيات والأحاديث في فضائل تلاوة القرآن مما يحفز على حفظه وتعلمه، ولعلي أذكر بعضا منها في هذه الفسحة الطيبة:

قال تعالى: (إن الذين يتلون كتاب الله وأقـامـــوا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور) ، وقول تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون).

قال ابن مسعود رضي الله عنه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله بـــه حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف).

وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه).

وعن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرأها).

وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ القرآن وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران).

والأحاديث في هذا الباب كثيرة لكني اكتفيت بذكر بعضها لضيق المقام.

وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى فضل إتقان القرآن وتعلمه وتعليمه، جاء في الحديث: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).

وأشاد بأهل الإتقان للقرآن من صحابته ورفع من قدرهم، فها هو يقول في عبدالله بن مسعود: (من أراد أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه بقراءة ابن أم عبد) وفي الحديث عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة)، وامتدح - صلى الله عليه وسلم - حسن الصوت وروعة الأداء لكتاب الله تعالى، فها هو ذا يصف جمال صوت الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري في القرآن فيقول عنه: أنه أوتي مزمارا من مزامير آل داود.

أما تعامل الصحابة وارتباطهم بالقرآن واهتمامهم به فحدث ولا حرج، وقد ذكرت جانبا منه آنفا ولعلي أضيف وألخص تعاملهم مع القرآن بما حدثنا عنه سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن حال الصحابة مع القرآن حين قال: (كنا لا نتجاوز عشر آيات حتى نتعلمها ونعمل بها ونعلمها ونعلم حلالها وحرامها فأوتينا العلم والعمل).

وها هو عبد الله بن مسعود يحدثنا عن حاله هو مع كتاب الله تعالى فيقول: (والله الذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت ولو أعلم أحد اعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه).

فقد عاشوا بالقرآن ومع القرآن، فطابت حياتهم وبوركت أوقاتهم.

وقد كان سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان وهم من جعلوا القرآن دستور حياتهم يحرصون أشد الحرص على تعليم أبنائهم قراءة القرآن، فكان أول ما يفعلونه أن يلحقوا أبناءهم بحلقات التحفيظ المنتشرة في بيوت الله تعالى، وهي سنة معهودة إلى أمد قريب في كثير من أصقاع العالم الإسلامي فيكون أول ما يتلقى الأطفال آيات القرآن التي تتنزل عليهم هدى ونورا، ثم بعد ذلك يتدرج التلميذ في أنواع العلوم الأخرى فيغترف منها ما يشاء حسب جهده وميوله، لذلك تجد في أغلب إن لم نقل في كل ترجمات أعلام الأمة العظماء أنهم حفظوا القرآن مبكرا وأن نبوغهم كان جزءا كبيرا من دعائمه حفظهم المبكر لكتاب الله تعالى .

ولا شك أن تعلم القرآن في الصغر له فوائده الكبيرة على الأجيال لعلي أذكر منها:

- التعلق بكتاب الله وحبه وتعظيمه وتوقيره.

- تقويم اللسان وكسب المهارات اللغوية وفهم قواعد اللغة العربية وتدريب اللسان على الفصاحة والبيان.

- فهم مبادئ الدين وقيم الإسلام وأحكامه.

- قارئ القرآن يكتسب الأجور العظيمة ويتنعم بصحبة القرآن وما يسكبه ذلك من صحة نفسية وسكينة وراحة بال.

- تطوير ملكة الحفظ والتدبر وما فيه من تقوية للذاكرة ورفع مستوى المهارات العقلية والفكرية.

- حفظ القرآن مبكرا يساعد في الحث على طلب العلم والإخلاص فيه.

- ومع القرآن تنفتح معالم العقل للانفتاح على الكتاب المسطور وفهم سنن الله في الكون والتاريخ.

- وللقرآن دوره الكبير في تزكية النفس وترقيق القلب والسمو بالهمة.

واليوم ولله الحمد باتت أمور الحياة أكثر تيسيرا، إضافة إلى كثرة مدارس تحفيظ القرآن في بلداننا، لذا فإن على أولياء الأمور توجيه أبنائهم لحفظ كتاب الله تعالى وجعله من أولوياتهم التربوية، وعلى مدارسنا القرآنية أن تنوع أساليب التدريس وتجمع بين الطرق الحديثة والتقليدية في تسهيل حفظ وتقريب القرآن إلى أبنائنا وتشجع النابغين فيه.

 

خطوات تعليم الأطفال -

حمود بن عامر الصوافي -

« فالقرآن لا يرجى نفعه ويقصر على الآخرة فقط بل هو نجاة في الدنيا والآخرة، فيه جمع بين الروح والجسد، وفيه جمع بين الدنيا والآخرة وفيه جمع بين العمارة المادية والمعنوية وفيه جمع بين الجهاد في سبيل الله تعالى ودفع الظلم ومساعدة المستضعفين في الأرض لذا كان تعليم النشء من الضروريات التي بها نحفظ حياتنا وحياة الآخرين بعيدا عن الملهيات والشهوات والملذات التي لا يكون الاستمرار والتمادي فيها إلا مدعاة للوقوع في الرذائل والمصائب والموبقات».

القرآن ربيع المسلم وحصنه الذي يلوذ به ويلتجأ إليه وهو لا يستغني عنه طرفة عين، ولا يصبر عنه أبدا، زاده الذي لا ينضب، ومعينه الذي لا ينتهي، وورده الذي لا يشبع منه؛ فقد سمعت به الجن فلاذت به واتبعت سبيله وسلكت منهجه وآمنت برب الأرباب وخالق الكون والأرض والسماوات، قال تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا).

وقد وقف العارفون والصالحون والصحابة الكرام أمامه وقفة تدبر وصدق، ووقفة تأمل ونظر، ووقفة تذكر واستذكار فهذا عمر ابن الخطاب يقشعر قلبه ويخشع بدنه، وترتعد فرائصه وينتفض جسده لسماع القرآن، وقراءته إبان إسلامه، وهو يقرأ بضع آيات من سورة طه، قال تعالى:(طه، مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى، إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى، تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى، وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) .

آيات بينات قليلات غيرت عمر العنيد المتغطرس إلى عمر آخر لين هين سمح ودود عارف للحق والخير.

ولم يقتصر تأثير القرآن على الإنس والجن بل إن الجبال والسماوات والأرض والأحجار الصلداء القاسية تتصدع من خشيته، وتخشع له قال تعالى:( لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، ولو حق لكتاب أن يسيّر الكون ويقطّع الأرض ويخرج الناس من قبورهم لكان هذا القرآن العظيم الذي أودع الله فيه من الإعجاز ما لا يوجد في كتاب غيره، قال تعالى: ( وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)، وقوله أيضا:( وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ).

لذا كان هذا القرآن حقيقا أن يكون حصن المسلمين ونجاتهم من أي ضيق أو كرب، ومن أي هم أو غم فعلينا أن نسير وفق منهجه وعلى دربه لنستفيد في الدنيا والآخرة منه، ولا ريب أن تعليم الصغار فيه تعليم للمنشأ، وبعث لهذا الدين بالاستمساك بحبل الله المتين وطريقه القويم فقد صنع هذا القرآن من الناس الأميين علماء وفقهاء ومجاهدين ومدافعين ومنافحين وصناع قرار وأصحاب مجد وسؤدد ومبدأ جابوا الأرض وحرروا الإنسانية من الرق وعبودية البشر إلى عبودية خالق البشر والأكوان فأخرجوا الإنسان من عبادة العباد إلى عبادة الواحد الديان ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة لسان حالهم يقول:( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ).

فالقرآن لا يرجى نفعه ويقصر على الآخرة فقط بل هو نجاة في الدنيا والآخرة، فيه جمع بين الروح والجسد، وفيه جمع بين الدنيا والآخرة وفيه جمع بين العمارة المادية والمعنوية وفيه جمع بين الجهاد في سبيل الله تعالى ودفع الظلم ومساعدة المستضعفين في الأرض لذا كان تعليم النشء من الضروريات التي بها نحفظ حياتنا وحياة الآخرين بعيدا عن الملهيات والشهوات والملذات التي لا يكون الاستمرار والتمادي فيها إلا مدعاة للوقوع في الرذائل والمصائب والموبقات.

والخطوات لتعليم الأطفال يجب أن تبدأ منذ نعومة أظفارهم ولا ريب أن معرفة الولد بحروف الهجاء العربية وتعوده على النطق الصحيح مفتاح للوصول إلى التميز وحسن قراءة القرآن الكريم وتلاوته.

فالأساس هو معرفة الحروف وطريقة نطقها لأن القرآن لغته عربية وحروفه عربية ونزل بلسان عربي مبين، قال تعالى:( الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، وقال أيضا:( وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا)، وقال أيضا:( قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).

فلا طريقة لفهمه واستيعابه وحفظه وحسن تلاوته دون تعلم الحروف وإتقانها، ودون اتباع طريقة التلقين والتكرار وهذا ما كانت ولا زالت حلقات المساجد تفعله إلى يومنا هذا فيجب أن يكون المنطلق من المسجد وحلقات القرآن وأن يولي كل إنسان أهمية للقرآن ويبلّغ ولو أية ويعلّم ولو مقدار عشر دقائق كل يوم.

فعلينا جميعا أن نقتطع جزءا من أوقاتنا لتعليم أبنائنا الحروف الهجائية ثم التدرج بهم لقراءة الجمل القصيرة وهكذا شيئا فشيئا حتى يبدأ الطفل بالقراءة من المصحف انطلاقا من السور القصار ثم التي تليها وهكذا دواليك حتى ينهوا القرآن كاملا قراءة صحيحة.

ويجب أن يكون المنطلق صحيحا في التعليم فيُلقن الطفل القراءة الصحيحة نطقا وتجويدا لتكون لديه دربة في نطق كلمات القرآن وجمله وآياته فلا يشعر بعناء لفهم التجويد ولا يرتطم في قابل أيامه بلسان لم يتعوّد على التفخيم والترقيق أو الإدغام والإظهار أو الوقف والابتداء فإذا دُرّب الولد منذ نعومة أظفاره سهل تعلمه وسهلت انطلاقته وسهل استمراره وإنجازه لأن البداية كانت رصينة والقاعدة متينة.

ولو أخذ الطالب وردا من القرآن يُسمع له الشيخ أو القارئ ثم يدعه يكرره كثيرا ثم يُسمّع للشيخ ما حفظه وكرره لكان أولى وأفضل وأنجح للحفظ والقراءة لأن القراءة تساعد على تحسين جودة الحفظ والحفظ يساعد على تحسين القراءة فكل واحد منهما يعضد الآخر ويخدمه.

كما أن الحفظ لا تقتصر فائدته على الأجر العظيم لحافظ القرآن الكريم وتاليه بل فيه فوائد كثيرة جليلة كسلاسة الكلام وسرعته وحسن تنضيده وتنظيمه والتعود على مخارج الحروف وكيفية نطقها فلا يواجه الطفل في كبره تعتعة أو لثعة أو صعوبة في الانطلاق في الكلام بل القرآن يحسن السليقة ويساعد على فهم العلوم الأخرى ومعرفتها انطلاقا من قاعدة مفادها أن كل علم يخدم الآخر بطريقة مباشرة وغير مباشرة.

ولا ريب أن هناك فرقا كبيرا بين رجل حافظ لكثير من مفردات اللغة العربية من أفضل كتاب عرفته البشرية وآخر لم يحفظ منه إلا النزر القليل ولم يحرص على القراءة إلا القليل منه فهل يستوي هذا وذاك وهل يتساوى ذلك مع هذا؟ وينبغي كذلك أن يّعلم الطفل مع القرآن الآداب والأخلاق لأن صاحب القرآن يجب أن يكون قدوة لغيره ويطبق ما أملاه عليه القرآن من قيم ومبادئ وما أمره ونهاه من أحكام وأخلاق فلا يجوز أن يكون صاحب القرآن منفصما عنه، أو منفصلا.

فليهتم المحفظ للقرآن ببث الروح الأخلاقية والقيم والمبادئ الجليلة لينشأ الطفل عليها وترافقه في مسيرته القرآنية وهكذا لا يبخل المحفّظ في توجيه الطالب وحثه وتصويب طريقة مسيرته لنيل العلم والقرآن.

فصاحب القرآن يجب أن يكون أكثر احتراما وتوقيرا وعناية بالقرآن ومبادئه التي دعا إليها من تنظيف الثياب والبعد عن الرذائل والآثام وسوء الأخلاق قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ، وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ، وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ)، فقد جمع بين نظافة الثياب والبعد عن الرجز وأعمال الشيطان.

إذن كل ما يتعلق بالقرآن وما يأمر به أو ينهى يجب أن يكون حاضرا في محفظ القرآن وطالبه وقارئه ومردده ليتوافق هذا مع ذلك وذلك ما هذا فيكتمل العقد ويحدث التوافق وينطلق المرء من قاعدة متينة وأصل أصيل، قال تعالى:(

وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، وقال:( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).