السلطنة في عهد السلطان قابوس أضحت مرآة للتاريخ العربي والإسلامي
التزام الأمة برسالتها الحقيقية يؤهلها لقيادة العالم إلى الخير والرشد والسلام -
شيّد الجوامع والمساجد ونشّـأ الأجيال على تلاوة وحفظ القرآن الكريم -
التقاهما : ســـــالم الحسيني -
«أشعر وكأني أعيش في أحضان التاريخ الإسلامي العربي.. ولا أبالغ إن قلت: أرى في السلطنة الاستمرارية للعروبة والإسلام والتاريخ.. ذلك ما أباح به د. محمد الغزالي القاضي بالمحكمة العليا بباكستان، مشيرا إلى أن الجهد الذي قامت به السلطنة على مدى نصف قرن من قيادة عاهلها الراحل جلالة السلطان قابوس بن سعيد ــ طيب الله ثراه ــ وما صنعه لبلده من نهضة عظيمة ومن استقرار تنعم به البلاد ليس بخاف على العيان.. وأكد الغزالي أثناء لقائنا معه لحضور ندوة تطور العلوم الفقهية التي أقيمت بمسقط مؤخرا على ضرورة تجاوز الحواجز التي تفرق وحدة الأمة وتضعف قوتها، وأن ما يحدث اليوم من أعمال إرهابية باسم الدين دوافعها سياسية وإجرامية بحتة ولا تمت إلى الإسلام بشيء. أما د. صالح بن خلفان البراشدي من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية فتحدث عن مآثر فقيد الوطن السلطان قابوس - طيب الله ثراه - وفضائله الحميدة وأخلاقه النبيلة، التي كانت مفتاحا لمحبة الجميع في شتى بقاع العالم، الذي بنى نهضة عمان الغالية، متوكلا على الله تعالى، فأدرك الجميع الراحة والأمان والاطمئنان، فعليه من الله تعالى الرحمات والمغفرة والرضوان.. تفاصيل أكثر في اللقاء التالي:
أوضح الدكتور محمد الغزالي القاضي بالمحكمة العليا بباكستان في مستهل هذا اللقاء قائلا: القادم إلى هذه البلاد يشاهد التاريخ الموغل في القدم ويستطيع أن ينتقل نفسيا وقلبيا إلى عهد عبد وجيفر ابني الجلندى وهما أول ملكين لعمان اللذان خاطبهما النبي عليه الصلاة والسلام، فأنا خلال هذه الزيارة وهي الأولى لي إلى بلادكم أشعر وكأني أعيش في أحضان التاريخ الإسلامي العربي.. ولا أبالغ إن قلت: أرى في السلطنة الاستمرارية للعروبة والإسلام والتاريخ.
وقال الغزالي: أنا أول شخص في بلدي كتبت مقالا للتعريف بسلطنة عمان وبتاريخها العريق وكان ذلك عام 1973م بمناسبة افتتاح سفارة السلطنة في باكستان تحت رعاية صاحب السمو السيد شبيب بن تيمور الذي كان أول سفير للسلطنة لبلادنا، حيث طلب مني أن اكتب عن السلطنة للتعريف بها في المحيط الباكستاني فكتبت مقالا باللغة الأوروبية من جزأين نشرا في جريدة اسمها «نداء الوقت» وهي جريدة يومية لها انتشار واسع في البلاد وكما اذكر كان ذلك يوم 18 نوفمبر عام 1973 الذي يصادف العيد الوطني للسلطنة، ومنذ ذلك الوقت كنت أتمنى أن أزور هذا البلد العريق ولكن لم يتيسر لي ذلك، إلى أن جاء هذا الوقت الذي زرت فيه السلطنة بحمد الله.
وأضاف: إننا نقدّر الجهد الذي تقوم به السلطنة على مدى نصف قرن من قيادة عاهلها الراحل جلالة السلطان قابوس بن سعيد ــ طيب الله ثراه ــ فما صنعه لبلده من نهضة عظيمة ليست بخافية على العيان ومن الاستقرار الذي تنعم به هذه البلاد العزيزة علينا جميعا، ولا أبالغ إن قلت: إن عمان أصبحت مرآة للتاريخ الإسلامي العربي. وأنا سعيد جدا بهذه الزيارة للسلطنة وهي الأولى لي لها، والتي من خلالها أشعر كأني أعيش في أحضان التاريخ الإسلامي العربي، وقد جئت لأشارك في هذه الندوة المباركة من دعوة كريمة من القائمين عليها.
ما هو سبب تقهقر الأمة الإسلامية الآن.. وما الذي ينبغي على علماء الإسلام حيال ذلك؟
العلماء وغير العلماء والحكام والمحكومون كلهم مسؤولون عن ذلك، أما العلماء فواجبهم أكبر؛ لأن الله سبحانه وتعالى يكلف كل إنسان بحسب وسعه، وبما أن العلماء أمدهم الله سبحانه وتعالى بالعلم والمعرفة والفهم فمسؤوليتهم أكبر، ويجب عليهم أن يتجاوزوا الحواجز الجغرافية والطائفية والعرقية التي تفرق وتمزق وحدتنا وتضعف قوتنا، فالواجب أن يكون الانتماء إلى الأمة الإسلامية قاطبة فوق كل الانتماءات، فلا ضير أن نكون من جنسيات مختلفة ولكن يجب علينا أن نلتقي على مستوى المصلحة العليا للأمة بعقولنا وأفئدتنا، كما نلتقي على مستوى الإنسانية لأن الإسلام هو دين الإنسانية، ولا يمكن للمسلم أن ينحصر علمه أو سلوكه أو فكره في دائرة ضيقة.
وأضاف: أرى أن ضعف الأمة يكمن في الآتي: جاء في الكتاب العزيز أننا خير أمة أخرجت للناس.. (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، فحينما نقرأ ذلك علينا أن نتدبر هل هذه الخيرية التي أرادها الله سبحانه وتعالى لنا واصطفانا لأجلها هل هي من اجل أشكالنا وألواننا؟ أم يكمن السر في ذلك بما أوردته الآية نفسها: (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) ومعنى هذا أننا ما دمنا على هذا النهج القرآني من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحمل هذه الرسالة المحمدية ونبلغها إلى الناس كافة كما امرنا ديننا الإسلامي الحنيف، وكما أوصانا به سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع، وكما قال لنا: «كلم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» وقوله صلى الله عليه وسلم: «بلغوا عني ولو آية» فإذا تمسكت الأمة بهذا أمسكت بزمام القيادة، وكما كانت ماسكة بزمام القيادة في الماضي فإن ذلك بسبب التزامها برسالتها الحقيقية، وما إن تركنا هذه الرسالة وانقسمنا بين طوائف ومذاهب سقطت قيمتنا في أنظار العالم، فأنا على يقين بأن الإنسان قيمته في الرسالة التي يحملها، فإن كانت الرسالة رفيعة عالية ترتفع قيمته، فالحق سبحانه وتعالى يقول: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) فإن شاء الله إن عدنا إلى طريق الحق إلى الصراط المستقيم سيجعل الرحمن لنا ودا.
أما عن الموانع التي تجعل الأمة الإسلامية متحدة رغم ما يجمعها من عناصر الوحدة قال: البحث عن ولاءات خارج النطاق الإسلامي الذي حذرنا منه الحق سبحانه وتعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، وقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فلما كان ذلك ضعفت قوتنا واستهانت بنا شعوب الأرض، فعلينا أن نعود إلى ديننا وان نتعاون فيما بيننا فذلك خير لنا.. مبينا: أن ما يحدث اليوم باسم الدين وباسم الشريعة وباسم الجهاد هو استغلال من قبل بعض الجماعات الإرهابية من اجل تشويه الدين الإسلامي الحنيف وإثارة النعرات، مؤكدًا أن ذلك ليس من عمل المسلمين، بل هو من تدبير العملاء المأجورين من قبل منظمات بعينها، مشيرًا إلى أن بلاده أدركت ذلك وقضت على كثير من الإرهابيين وتم القبض على البعض منهم وتدوين اعترافاتهم بأنهم من مأجورين من قبل مخابرات بعض الدول التي تكن عداء لبلاد المسلمين وتدربوا على الإمامة وقراءة القرآن والأذان ووجدوا مكانا لأنفسهم في المجتمع الباكستاني للتجسس وعمل الدعاية الكاذبة للجهاد والى غير ذلك من الأمور فهم دوافعهم سياسية وإجرامية ولا تمت دعايتهم إلى الإسلام في شيء، متمنيا في ختام هذا اللقاء للسلطنة قيادة وشعبا كل خير ويسر وازدهار.
أما د. صالح بن خلفان البراشدي من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية فقد توقف في هذا اللقاء عن مآثر فقيد الوطن جلالة السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه- وما قدمه من فضل لا يعد ولا يحصى لهذا الوطن العزيز وهذا الشعب الكريم حيث قال:
من أين أبدأ في الحديث وإنني
أتذكر اللحظات والسنوات
سنوات خير قاد فيها أرضنا سلطاننا قابوس ذو البركات
ماذا أسطر من مناقبه فذا
عرف الجميع الخير والحسنات
رباه فاغفر ذنبه وارحمه يا
رباه أسكن روحه الجنات
واليوم ترفل ذي عمان بهيثم
سلطاننا صنو التقى الخيرات
إنا نجدد عهدنا يا سيدي
فامضِ بنا نرقى إلى الدرجات
وأضاف: إن الحديث عن صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- يستغرق الكتب والمجلدات، فكم له من الفضائل، وكم له من القيم والأخلاق النبيلة، التي كانت مفتاحا لمحبة الجميع له في جميع بقاع العالم، حاكم أغرق الجميع بفضله وقيمه وأخلاقه، واندهش الجميع من صبره وحكمته في معالجة القضايا الداخلية والخارجية، وتوقف الباحثون والدارسون مع خططه وأفكاره بالدراسة والتحليل، بنى نهضة عمان الغالية، متوكلا على الله تعالى، فأدرك الجميع الراحة والأمان والاطمئنان، فاستغرق حبه أفئدة الجميع، فعليه من الله تعالى الرحمات والمغفرة والرضوان. ولا تخفى على الجميع الجهود المباركة التي قام بها صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- في جميع المجالات، وحيث إن من أساسيات بناء المجتمع المدني البناء الفكري والديني والثقافي والاجتماعي للإنسان، فلو أشرنا إلى أبرز اهتمامات صاحب الجلالة -طيب الله ثراه- في بناء الإنسانية نجد أن أبرز اهتماماته أولا: بناء الجوامع والمساجد، فلناظر في اهتمامات السلطان قابوس -طيب الله ثراه- يدرك أنه كان مهتما بالجوانب المتعلقة ببناء الفكر والعقيدة الإسلامية، وذلك من خلال سعيه إلى الاهتمام بالجوامع والمساجد بناء وصيانة ورعاية. والمتأمل في النظرة السلطانية في الجوامع والمساجد يجد الاهتمام الكبير من لدن السلطان قابوس في بناء الجوامع في مختلف محافظات وولايات السلطنة مراعاة للجوانب الدينية والثقافية والفكرية والاجتماعية، فنجد بحمد الله تعالى جوامع السلطان قابوس تنتشر في ربوع عمان الغالية، حيث بلغ عددها أكثر من أربعين جامعًا تشتمل على قاعات الصلاة للرجال والنساء، ومكتبة علمية، ومرافقها المهمة التي تعين الجميع على أداء الصلاة وكسب العلم والمعرفة، مع وجود القائمين على هذه الجوامع إشرافا ومتابعة. والمحور الثاني المرتبط باهتماماته -طيب الله ثراه- يتعلق بأعمال صيانة الجوامع والمساجد، فكان اهتمامه بإعمار بيوت الله تعالى والعناية بها يمتد ويتواصل منذ أن تولى جلالته مقاليد الحكم وما ذلك إلا لإيمانه بأهمية المسجد ورسالته كرافد من روافد الخطاب الإسلامي وسبيل من سبل نشر الوعي الديني. ولذلك نجد أن السلطنة عامرة ولله الحمد - بالمساجد والجوامع في كافة ربوعها مع تعيين الأئمة والخطباء القادرين على حمل رسالة المسجد والاضطلاع بالدور البارز في إرسال الخطاب الإسلامي.
وتأكيدا على اهتمام جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- لتنشئة الأجيال على تلاوة وحفظ القرآن الكريم وتفسيره فقد جاءت الأوامر السامية بإقامة مسابقة سنوية للقرآن الكريم، ألا وهي مسابقة السلطان قابوس للقرآن الكريم التي انطلقت دورتها الأولى في رمضان سنة 1413هـ الموافق 1992م والتي ابتدأت بثلاثة مستويات فقط، وهي: حفظ خمسة أجزاء مع تفسير جزء واحد وحفظ خمسة أجزاء مع التجويد فقط وحفظ ثلاثة أجزاء مع التجويد، بعد ذلك تمت إضافة ثلاثة مستويات أخرى تدريجيا، إلى أن وصل عدد المستويات إلى سبعة مستويات. وقد تنوعت المستويات ابتداء بحفظ القرآن الكريم كاملاً وانتهاء بحفظ جزء عمّ.. أسأل الله تعالى أن يتغمد صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، ويغفر لنا ولجميع المسلمين، وأسأله سبحانه أن يحفظ صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ويوفقه لمواصلة بناء النهضة العمانية، والله يحفظ الجميع.
