الذوق الراقي
علي بن سعيد العلياني -
النظافة ذوق راق، فإننا عندما نلتقي بالآخرين وتكون رائحتنا زكية في ملبسنا وأجسامنا وفينا فإننا نكسب التقدير والود والاحترام، ولنتصور على سبيل المثال شخص يدخن ويسبب ضيقاً وحرجاً لجليسه غير المدخن، كم يساهم هذا المدخن في أذية صاحبه مع ما يصاحب هذا الأمر من خطورة التدخين السلبي على هذا الجليس. هنا يجب أن نرتقي بثقافتنا وذواتنا وأخلاقنا بحيث نكون بعيدين كل البعد عن التسبب في أذية من حولنا فليس من الإنصاف في شيء أننا إذا ابتلينا بآفة أن تمتد أذيتها ووباؤها ومضارها للآخرين، بل يجب أن نحترم ذوات الآخرين من خلال كف الأذى، فالمسلم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام من سلم المسلمون من لسانه ويده واقتصار ذكر المصطفى عليه الصلاة والسلام على اللسان واليد ليس معناه أننا عندما ننفث الدخان أو نؤذي غيرنا بالروائح غير المحببة ليس أذى بل هو الأذى بعينه واليوم نرى من يفعل هذه التصرفات دون مبالاة فيجب أن نرتقي بأسلوب تعاملنا في هذا الجانب.
النظافة ذوق راق، وبما أن النظافة من الإيمان فإننا نقف إجلالاً لهذا الدين الذي أحاط التعامل الراقي والذوق الراقي بكل ما من شأنه أن تظل في أعلى مراتبها وأحسن درجاتها من خلال مراعاة المشاعر والأحاسيس والأذواق حيث جعل من الضوابط والأحكام والأوامر ما يجعل الفرد بعيداً كل البعد عما ينفر أو ينغص أو يضايق الطرف الآخر.
النظافة ذوق راقٍ عندما تجد أنك بالتزامك بأبجديات مسألة النظافة والأناقة أصبحت شخصاً محبوباً تتسلل إلى القلوب ليكون لك فيها مكاناً، فهذا حافز معنوي كبير يساعدنا كثيراً في السير في هذا الطريق مهما كانت التضحية والجهد والعطاء.
النظافة ذوق راقٍ إذا أحسنا التعامل مع الواقع الذي يطلب منا وبإلحاح أنا نتراجع أمام هجوم الفوضوية والإهمال والتراخي مهما كانت قوته ومدى تأثيره فلا بد أن نأخذ بأيدي بعضنا لنصل إلى بر الأمان.
النظافة ذوق راق لأننا بالمحافظة على نظافة لباسنا وبيوتنا وطرقنا وأسواقنا ومدارسنا وحدائقنا نكون وصلنا إلى مستوى ثقافي وتعليمي ونكون قد ملكنا وعياً متقدماً يفتح لنا أبواب التقدم والرقي والعيش في جو صحي يحفظ لنا عطاءنا وإنتاجنا.
النظافة ذوق راق لأن الحق تبارك وتعالى خلق هذا الكون من أجل هذا الإنسان فقال سبحانه وتعالى: (وسخر لكم ما في السماوات والأرض وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه). إذا الحق تبارك وتعالى وضع الأرض والبحار والأنهار تحت تصرف أيدينا مسخرة فضلاً منه ومنة ونعمة، فيجب أن نتعامل مع كل هذه النعم المسخرة من منطلق المحافظة عليها وعدم التسبب بأي سبب يساعد على تغيير أي صفة من صفاتها لأن هذا التغيير غالباً يكون سلبياً وفيه ضرر على الإنسان وهذا الواقع وصفه الله سبحانه وتعالى بقوله: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس).
النظافة ذوق راق عندما نتعامل مع البيئة المحيطة بنا أينما نذهب أنها بيئتنا ونظافتها مسؤوليتنا وهذا يخلق لدينا الإحساس بالمسؤولية الملقاة على عاتقنا ويخلق أيضاً التعاون والتكاتف الذي يفضي إلى القضاء على كل أشكال الإهمال في جانب النظافة والإحساس بالمسؤولية هنا ليس معناه أن نسدي النصائح فقط بل يجب المبادرة وهذا ما نستشفه من قول المصطفى عليه الصلاة والسلام: «إماطة الأذى عن الطريق صدقة». فالطريق كما أنه للجميع أيضاً نظافته مسؤولية الجميع وفوق ذلك لك أيها المزيل لأذى الطريق صدقة أجراً وذخراً في الآخرة، فإزالة العوائق من حجارة ومسامير وزجاج مكسور أو أي أذى عن الطريق أي طريق في أي مكان هو مسؤولية الجميع وما أجمل مقالة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو الذي يعيش في مكة المكرمة: «لو أن بغلة عثرت في العراق لسئل عنها عمر لما لم تمهد لها الطريق؟» هنا قمة الإحساس بتحمل المسؤولية فهو يفكر حتى في البغلة التي في العراق حتى لا تعثر لأنه لم يمهد لها الطريق ويسويه ويزيل منه كل أذى أو عائق.
النظافة ذوق راق بإحساسنا أن مسألة النظافة تعنينا نحن في المقام الأول وكوننا نعيش في وسط أسر وتجمعات وظيفية أو مهنية وأيضاً، فنحن نعايش الناس في أسواقهم وأفراحهم وأتراحهم كل هذه المعطيات توسع من مسؤوليتنا وتزيد من العبء الملقى على عواتقنا. ولكن يجب أن لا يفت في عضدنا ولا يوهن من عزائمنا بل علينا أن نشمر عن ساعد الجد ونمضي إلى الأمام حتى تحقيق الغايات والآمال.
وهكذا نجد أن النظافة ذوق رفيع وإحساس مرهف وتقبل التحدي وتحمل المسؤولية والسير في خط مستقيم بعيداً عن كل التعرجات المهلكة.
