نهاية العالم تبدأ في الشرق الأوسط
ترجمة: أحمد شافعي
يؤمن الأصوليون المسيحيون أن ظهور فرسان نهاية العالم الأربعة، وفقا لنبوءة سفر الرؤيا في الإنجيل، سيكون نذيرا بمجيء يوم القيامة، أو يوم الحساب الذي تشترك الأديان الإبراهيمية جميعا في الإيمان به بما فيها الإسلام.
طبعا سوف ينجو المؤمنون عند قيام الساعة، أما إذا قامت قيامة العالم الوشيكة بسبب الاحترار العالمي الذي يهدد اليوم جميع أشكال الحياة على وجه الأرض، وقامت على النحو الذي تقول به النبوءات، فلن تكتب النجاة لأحد.
فرسان الكارثة الوشيكة -أي ارتفاع درجات الحرارة، واضطرام حرائق الغابات، والفيضانات، وخراب المحاصيل، والجوع- وإن تكن سيئة بما فيه الكفاية في ذاتها، تظل أقل رعبا الآن من ظهور الفرسان الأربعة ممتطين خيولهم الأبيض والأحمر والأسود والأخضر.
ومع ذلك فإننا نكون قد تحرّينا الحكمة حين نرى الزوابع الترابية التي كثيرا ما تكسو مناطق شاسعة من الشرق الأوسط بوصفها نذير كارثة وشيكة تماما كما يشير الغبار المتصاعد من وراء التل في أفلام الغرب الأمريكي إلى قرب وصول قطاع الطرق عازمين على القتل ونشر الفوضى. منذ مطلع أبريل، تعرّضت أجزاء كبيرة في العراق وفي مناطق أخرى بالشرق الأوسط لسلسلة زوابع أحالت سماواتها إلى لون برتقالي مشؤوم، وأدّت إلى إغلاق مدارس ومطارات وتسبّبت للآلاف في صعوبات بالتنفس أدّت بهم إلى الذهاب إلى المستشفيات طلبا للأوكسجين. بالطبع، ليس الغبار والعواصف بالشيء الجديد على المنطقة. لكن المثير للقلق هو مجيئها مبكرة في هذا العام -فهي تاريخيا معروفة بهبوبها في أواخر الربيع والصيف- وأنها أكثر تواترا وانتشارا مما درجت عليه في الماضي.
في السادس عشر من مايو، أفاد مرصد الأرض التابع للإدارة الأمريكية الوطنية للملاحة الجوية والفضاء أن العراق ومناطق أخرى في الشرق الأوسط تعرّضت منذ أبريل لثماني عواصف ترابية قوية في فترة ستة أسابيع فقط.
استحالت السماء فوق بغداد والنجف والسليمانية ومدن أخرى إلى اللون البرتقالي وقلت الرؤية إلى حدود مئات قليلة من الأمتار. وأغلقت المطارات والمدارس والجهات الحكومية في سبع من محافظات العراق الثماني عشرة، وأعلن العديد من المحافظين حالة الطوارئ.
ومثلما يسهل للغاية الإعراض عن تجليات أخرى للتغيّر المناخي ووصمها بالطفرات والاستثناءات النادرة، يمكن القول أيضا عن الوصول المبكر لهذه العواصف الترابية إنها «الاستثناءات التي تؤكد القاعدة». لكن هذه «الاستثناءات» -شأن الفيضانات في غير مواسمها، وحرائق الغابات، وغيرها من الظواهر المرتبطة بالمناخ المؤثرة على أجزاء كثيرة من العالم- ينبغي النظر إليها بوصفها أحداثا مترابطة تتعاضد جميعها لتكون طريقة الطبيعة في تحذيرنا من أن الكوكب يدنو بسرعة من نقطة الانهيار. يتمثل سبب الغبار أو العواصف الرملية التي هبت على العراق -وعلى المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى هذا العام- في رياح مثل «الشمال» التي تهب من الشمال الغربي حاملة الغبار والحطام وما تلتقطه في مرورها بحوض نهري دجلة والفرات وحتى الأردن وسوريا.
وتنشأ هذه الرياح عن مجموعة محيّرة من الظروف المناخية، فتولد في البحر المتوسط، وجبال زاجروس الإيرانية، وأنظمة الضغط منخفض الموسمية الصيفية التي تتكوّن في الهند وباكستان وأفغانستان، وفي درجات الحرارة السطحية الأكثر حرارة أو برودة من المعتاد في المحيط الهادي وتعرف بـ«إل نينو» أو «لا نينا». ويسهم النشاط الإنساني في كل مستوى، بدءًا بالجفاف في العراق، إلى الزراعة الجائرة التي تتسبب في مزيد من الغبار، فضلا عن أدلة مثيرة للقلق على أن «لا نينا» -وهو نظام مناخي واسع التأثير في المناطق الاستوائية بالمحيط الهادئ- يوشك أن يستمر للعام الثالث في حدث نادر وغير مشهود منذ سنة 1950. من الحقائق القاسية التي نصادفها في التقرير الأخير للجنة الحكومية الدولية للتغيّر المناخي IPCC أنه على الرغم من كل الكلام المتداول في جميع مؤتمرات الأمم المتحدة الستة والعشرين للمناخ منذ كوبي 1 سنة 1995، فإن انبعاثات الغاز الإنسانية المتسببة في الاحتباس الحراري ترتفع باطراد وعلى نحو دراماتيكي.
في عام 1990، ضخ العالم 38 جيجا طن من انبعاثات مكافئ ثاني أكسيد الكربون. في عام 2019 بلغ الرقم 59 جيجا طن، وقد كانت 27% منها ناتجة في المنطقة الأكثر تلوثا، وهي شرق آسيا. في الوقت نفسه، مع انخفاض أسعار مصادر الطاقة المتجددة بحدة منذ عام 2000 فإن الاستعمال العالمي لطاقتي الشمس والرياح لم يواكب هذا الانخفاض في الأسعار. إذ في 2020، شكلت الخلايا الكهروضوئية 3% فقط من توليد الكهرباء عالميا، والرياح البرية 6%، والرياح البحرية أقل من 1%. أما بالنسبة للثورة التي كثر الترويج لها في مجال السيارات الكهربائية، فتبقى منتجا نوعيا، لم يمثل في 2020 إلا أقل من 1% من أسطول المركبات العالمي.
وحتى لو أوفت جميع بلاد العالم بتعهدات تخفيض الانبعاثات في ما قبل مؤتمر كوبي 26 في العام الماضي -وينبئنا التاريخ أن فرصة تحقق ذلك صغيرة ضئيلة للغاية- فإن تنبؤات اللجنة الحكومية الدولية للتغيُّر المناخي في ما يتعلق بالانبعاثات هو أنها سوف تستمر في التزايد، وسنظل عاجزين عن منع أسوأ احترار عالمي. من السهل أن نطمئن أنفسنا إلى أننا نفعل الواجب علينا، على المستويين الفردي والجماعي. فنحن نطفئ المصابيح كلما أمكن، ونعيد تدوير القمامة، ونحافظ على المياه المنزلية، ونفكر في شراء سيارة كهربائية. وعلى المستوى العالمي، تجتمع دول العالم مرة في العام في مؤتمر المناخ السنوي، وتومئ وفودها موافقة على نداءات العمل «الآن وإلا فلا» وتتعهد بالحد من الانبعاثات المسببة للاحترار العالمي.
لكن يجدر بنا ألا نطمئن. فأحدث تقارير اللجنة الحكومية الدولية للتغيُّر المناخي تعلنها واضحة إلى حد الألم: نحن لا نفعل إلا أقل القليل، وبعد فوات الأوان. ففرسان يوم القيامة المناخي وصلوا إلى أقصى التل، ويقتربون، وبسرعة.
جوناثان جورنال صحفي بريطاني سبق له العمل مع التايمز والحياة في الشرق الأوسط
ترجمة خاصة لـ $ عن «آسيا تايمز»
