لماذا تتقاتل الهند والصين في الهيمالايا؟

05 يناير 2023
05 يناير 2023

من منظور نيودلهي، فإن الوجود العسكري الصيني على الحدود المتنازع عليها هو الثمن الذي تدفعه الهند لانضمامها إلى تحالف غربي. والهند تحتمل عنتا كبيرا لتأكيد صورتها المستقلة لدرجة أن ترفض عرضا أمريكيا بالمساعدة ضد الصين عندما وقعت توغلات 2020 في لاداخ. وقد حدت نيودلهي من التعاون الهندي الأمريكي ليقتصر على نطاق المخابرات وطالبت واشنطن سرا بتخفيف نبرة خطابها بشأن الصين. وليس من المحتمل أن يتغير هذا

ذات يوم قارس البرودة من ديسمبر، وعلى قمة نائية من قمم جبال الهيمالايا، تقاتل جنود صينيون وهنود بالعصي والحجارة والهراوات وقبضات الأيدي العارية، حتى دمي منهم العشرات وأثخنتهم الجراح، وقد وقعت الحادثة ـ بحسب ما أفادت به السلطات الهندية ـ في التاسع من ديسمبر، إذ حاول ثلاثمائة جندي من جيش التحرير الشعبي الصيني احتلال موقع يانجستي الحدودي الجبلي في سياق النزاع الحدودي بين الهند والصين في منطقة تاوانج في شمالي الهند.

ويشتبك جنود من الصين والهند ـ الجارتين المسلحتين نوويا ـ على الحدود المتنازع عليها بوتيرة مثيرة للقلق بسبب صعود الخطابين القوميين لكل من الرئيس الصيني شي جينبنج ورئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي. ويتزايد الاضطراب الأمني في نيودلهي وبكين بسبب تكثيف بناء البنية الأساسية الحدودية من كل البلدين. ويتعمق الشك المتبادل في الوقت الذي تفكر فيه الصين في زيادة التعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والهند بينما يحتدم التنافس والصراع بين واشنطن وبكين.

وتشترك الصين والهند في حدود بطول 2100 ميل لم يجر تثبيتها بخريطة أو وسمها بعلامات في المناطق الجبلية والجليدية الوعرة. وبصفة عامة، تجري الحدود بين منطقة التبت الصينية ذاتية الاستقلال وولايات هندية هي أروناتشال برادش في الشمال الشرقي وهيماتشال برادش وأوتاراخاند في الشمال. ولم يتسن لكل من السلطات البريطانية وقادة الهند المستقلة التوصل إلى ضبط تفصيلي للحدود مع الصين. بعد سنوات قليلة من قيام الصين بغزو التبت في خمسينيات القرن الماضي، أمر رئيس الوزراء الهندي جواهرلال نهرو بتحديث الخرائط الرسمية لحدود الهند وزعمت الهند ملكيتها لصحراء أكساي تشين القلوية -alkaline- التي تقع بين منطقة لاداخ الشمالية الهندية ومقاطعة شينجيانج الصينية. ونازعت الصين في زعم الهند بإظهار سيطرتها وحيازتها لأكساس تشين حيث أقامت فيها طريقا سريعا استراتيجيا يربط التبت بشينجيانج بحلول عام 1957.

دونما سبيل واضح لتسوية المزاعم الحدودية المتصارعة، تقاتلت الهند والصين في حرب سنة 1962 في لاداخ وأروناتشال برادش أدت إلى (خط السيطرة الفعلية) وهو الخط الحدودي الفعلي القائم بين البلدين. ويفسر كل من البلدين مساره بما يلائمه. وفي ظل نقص الوجود السكاني على الحدود الصينية الهندية، لا يوجد الكثير من سجلات الأراضي أو العوائد، وهي الطرق التقليدية لإثبات الملكية. وتؤكد قوات حرس الحدود الصينية والهندية مزاعمها في الأرض من خلال دوريات على الخط الحدودي المزعوم وفي بعض الأحيان تحدث مصادمات في أماكن عليها مزاعم متعارضة.

على مدار الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وبعد تعرض الجيش الهندي لصدمة من انتصار الصين الشامل والخوف من إشعال صراع آخر قام بنشر قوات وراء الحدود التي لم يعد يغطيها إلا بدوريات بعيدة النطاق. وفي مطلع ثمانينيات القرن الماضي، بات يسيطر على قيادة الجيش الهندي جيل جديد من القادة الأكثر جرأة وأعطت نيودلهي الضوء الأخضر للتقدم إلى مزيد من الاقتراب من خط السيطرة الفعلي.

أدى هذا إلى مواجهة بين القوات الهندية والصينية في منطقة توانج في أروناتشال براديش في عامي 1986 و1987 مما أرغم بكين ونيودلهي على التعامل. في 1988، سافر رئيس الوزراء الهندي راجيف غاندي إلى بكين لمقابلة القائد الصيني دينج شياوبنج وقاما بتشكيل مجموعة عمل مشتركة من أجل الحوار وإجراءات بناء الثقة حفظا للسلام.

بين 1989 و2005، أجرى الجانبان الهندي والصيني خمسة عشر اجتماعا ولم يرق الدم لثلاثين سنة. وبعد مقابلة غاندي ودينج وقع الجانبان اتفاقية 1993 لضبط النفس والعمل المشترك على النزاع الحدودي كلما اختلفت الدوريات الهندية والصينية على ضبط خط السيطرة الفعلي. وأعقب ذلك أربع معاهدات إضافية غايتها حفظ السلام على الحدود.

تسنى حل توغلات صينية طفيفة في لاداخ سنة 2008 و2013 و2014 من خلال الحوار. ثم كان تصعيد كبير في يونيو 2017 في هضبة دوكلام بالهيمالايا حيث تتلاقى الهند والصين وبوتان. كان الجيش الصيني يقيم طريقا إلى المنطقة التي يزعم ملكيتها كل من الصين وبوتان.

تقع الهضبة على مقربة من ممر «رقبة الدجاجة» الضيق في الأراضي الهندية الذي يربط بين الداخل الهندي والولايات الشمالية الشرقية، وهي منطقة تساوي مساحة ولاية أوريجون الأمريكية ويعيش فيها 45 مليونا. ورأت الهند في التوغل والإنشاءات الصينية خطوة خطيرة تجاه السيطرة على هضبة دوكلام، فتجددت مخاوف نيودلهي من قطع الصين لشمال شرق الهند حربيا بالاستيلاء على رقبة الدجاجة. أعاق الجنود الهنود الصينيين. وبعد مواجهة محتدمة طوال ثلاثة وسبعين يوما، انسحب الجانبان، لكن خلال السنوات الخمس الماضية رجع جيش التحرير الشعبي الصيني إلى المنطقة وواصل إقامة البنية الأساسية الحدودية. وبعد سنين قليلة، وقع أكثر المواجهات دموية في النزاع الحدودي في منطقة لاداخ الشمالية في يونيو 2020 إذ قتل جنود صينيون ما لا يقل عن عشرين جنديا هنديا بالعصي الخشبية والهراوات المزودة بالمسامير، واستولى الجيش الصيني على أكثر من أربعين ميلا من الأراضي الخاضعة لسيطرة الهند.

بعد مصادمات التاسع من ديسمبر، باتت الاتفاقيات الحدودية بين الهند والصين مهلهلة. والآن يواجه المخططون الاستراتيجيون الهنود ـ الذين درجوا على الانشغال بالتهديد الباكستاني ـ حسابات أمنية أشد تعقيدا. فبعد الصدامات الدامية في لاداخ سنة 2020، عززت الهند دفاعاتها هناك بخمسين ألفا من القوات الإضافية. ويتخوف المخططون العسكريون الهنود من أن التعزيز الكافي للحدود مع الصين قد يأتي على حساب قدرتهم على ردع باكستان.

يمثل التدخل الصيني الجديد ـ بالنسبة لنيودلهي ـ مأزقا واضحا: فهل ينبغي على الهند أن تستمر في بناء العلاقات الاستراتيجية والعسكرية مع الولايات المتحدة، وفي مشاركة أمريكا وأستراليا واليابان والهند المعروفة بالرباعية -الكواد- حتى بعد أن أوضحت الصين أنها تعتبر الرباعية تجمعا معاديا للصين؟ في حين تمثل الرباعية، ونسختها العسكرية الأكثر وضوحا أي تحالف الآوكوس (المؤلفة من أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة)، رادعا جيدا للصين في المسرح البحري الهنديهادي، فإن الهند هي الشريك الوحيد الذي يواجه الصين على الحدود البرية. من منظور نيودلهي، فإن التواجد العسكري الصيني على الحدود المتنازع عليها هو الثمن الذي تدفعه الهند لانضمامها إلى تحالف غربي. والهند تحتمل عنتا كبيرا لتأكيد صورتها المستقلة لدرجة أن ترفض عرضا أمريكيا بالمساعدة ضد الصين عندما وقعت توغلات 2020 في لاداخ. وقد حددت نيودلهي من التعاون الهندي الأمريكي ليقتصر على نطاق المخابرات وطالبت واشنطن سرا بتخفيف نبرة خطابها بشأن الصين. وليس من المحتمل أن يتغير هذا.

وفي داخل الهند، انبعجت صورة رئيس الوزراء مودي بوصفه رجلا قويا وذلك من جراء المواجهة مع الصين. وإصراره أن الهند لم تخسر أرضا أمام الصين يمثل ذخيرة لأنصاره، لكن أعداد مناصريه الأشداء تضاءل. ويتبين من العدوان العسكري الصيني الأحدث أن بكين مستمرة في تأجيج المواجهة، فتواجه العلاقات بين الهند والصين دوامة سلبية دونما نهاية متوقعة. ويبدو أن التكلفة السياسية التي سوف يتحملها رئيس الوزراء مودي سوف تتحدد في بكين بقدر ما ستتحدد في نيودلهي. أجاي شوكلا عقيد متقاعد من الجيش الهندي ومحرر مستشار لجريدة بيزنس ستاندرد في نيودلهي.

«خدمة نيويورك تايمز» ترجمة خاصة بجريدة عمان .