قادة الناتو بحاجة إلى تأكيد سياسات ترامب الآن

02 أبريل 2024
ترجمة: أحمد بن عبدالله الكلباني
02 أبريل 2024

إذا ما تم انتخاب دونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية فستحدث صدمة كبيرة أخرى للسياسات الدولية، فالعالم الآن مليء بالأزمات، ومن ذلك الأزمة الأوكرانية والأزمة في غزة، فدونالد ترامب يلقي بظلاله المزعزعة لمحاولة الاستقرار في كل تلك القضايا.

فكيف لنا التعامل مع كل تلك الأزمات عندما لا تتوفر لدينا أية معلومات عمن سيكون رئيس الولايات المتحدة القادم، تلك الدولة المؤثرة على مجريات كل تلك الأزمات الحالية، وربما يمكن التنبؤ بافتعال أزمات أخرى، وفعلا الكثير من الزعماء اغلقوا الكثير من ملفات المشاركة في الأزمات انتظارًا لما سيحدث في الخامس من نوفمبر.

ولكن، لا يعني ذلك اتخاذ موقف الصمت، فهذه الخطوة خاطئة في التعامل مع ترامب، بل ويتعين على قادة الدول أن يكونوا سباقين في التحرك من الآن لتعزيز مقاومتهم الخارجية لسياسات ترامب، ومن هؤلاء القادةِ قادةُ دول الناتو.

فدونالد ترامب شخص لا يمكن التنبؤ به، مع أن ذلك هو الأمر الطبيعي الذي يجب أن يكون عليه الرئيس، ولكنه ليس فوضويا فقط، بل هو يؤمن أن السياسات المفاجئة ترجح كفته وتمنحه الأفضلية.

كذلك هو شخص يفتقر للخبرة الدولية وخاصة فيما يتعلق بالشؤون والعلاقات الديبلوماسية بين الدول، ويحاول تغليب مصالحه ومنافعه الشخصية، بعيدًا عما قد يسببه من عواقب سياسية، وفي اعتقاده أن كل تلك الملاحظات تجعله اللاعب الأقوى.

إن عدم قدرة الدول على التنبؤ بما سيقوم به دونالد ترامب إذا فاز أمر سيئ للغاية بالنسبة للنظام الدولي، خاصة الدول التي تعتمد على الولايات المتحدة في تحديد سياساتها الخارجية، لذلك لا يجب علينا الاستغراب من حالة الجمود التي يعيشها حكام الدول الغربية حاليا، فهم ليسوا متأكدين مما سيحدث في المستقبل القريب، ولكن اتخاذ موقف الجمود بحدث ذاته يعتبر سياسة خطيرة، إذ يُقيِّد قوة الدول، وهذا ما يصب في صالح استراتيجية ترامب، فالسماح له بالتحكم بصمت الدول وتحركاتها من الآن يقوي موقفه ويجعله شخصًا مؤثرًا، ويجعل الجميع يعمل وفق خططه.

وبدلا من الجمود على قادة الدول أن يكثفوا من جهودهم من أجل حماية سياساتهم الخارجية، وعليهم كذلك توضيح موقفهم وما يريدون بشكل كامل، ويحاولوا الحصول على مبتغاهم، أو الحصول على أكبر قدر ممكن منه، بعيدًا عن تأثيرات ترامب.

ما أتحدث عنه تُعنى بها بشكل كبير دول الناتو، فعلى جميع قادة دولها -الذين يستعدون في الرابع من أبريل للاحتفال بتأسيس الناتو- أن تكون لهم استجابة لما يحدث في العالم، وأن يستعدوا ليس فقط للتهديدات التي يشكلها ترامب في حال فوزه، بل مع التعامل مع شخص لا يحترمهم من ناحية المعايير العالمية والإدارة الدولية.

إن دول الناتو تساهم بـ 2 % من إجمالي الناتج المحلي لتعزيز شؤون الدفاع، ولكن هذا المستوى من الاستثمار في قطاع الدفاع ضعيف ولا يمكنه بناء منظمة قوية بشكل كافٍ لمواجهة «ففلاديمير بوتين»، فموقف دول الناتو في مواجهة «بوتين» لم يكن ليحصل لولا دعم الولايات المتحدة الأمريكية.

وهذا في اعتراف من تلك الدول، لذلك اقترحت بولندا أن تساهم كل دولة بنسبة 3% إذ ترى أن هذه النسبة واقعية أكثر، ولكن هذا الأمر لم يكن تطبيقه سهلا، إذ يتلقى معارضة شعبية إلى جانب الانكماش الاقتصادي، ولكن هذه المساهمة المقترحة تمنح دول الناتو حماية أكبر لها ضد حماقات ترامب، كما أن ذلك يسهم في تحسين قوات الناتو، فأوروبا تعاني من فجوات كبيرة في القدرات، فهي تعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة في تعزيز قواتها العسكرية، ومثال ذلك في مجال الدفاع الصاروخي، وقد قال رئيس لاتيفا «إدجارس رينكيفيكس» في تصريح لصحيفة فاينانشيال تايمز: «إن الدول الأوروبية تحتاج إلى الرجوع إلى مستويات الأنفاق في عصر الحرب الباردة، ويجب عليها أن تفكر في عودة الخدمة العسكرية الإلزامية».

إن بناء قوة أمنية تعاونية بعيدًا عن دعم الولايات المتحدة الأمريكية هو السبيل نحو التقدم إلى الامام، وخير مثال على ذلك «درع السماء الأوروبية»، صحيح أن هذه المبادرة تشوبها بعض المشكلات، ولكنها مثال قوي على قيام أوروبا على قدميها.

لذلك يجب على الناتو وأوروبا تطوير سياسات عسكرية جديدة، كـ«درع السماء الأوروبية»، وذلك بمثابة البناء العضلي في الجسد استعدادا لمواجهة القوى المفاجئة التي لم يخبرك أحد عنها، وكما صرحت رئيسة مجموعة تجديد أوروبا في البرلمان الأوروبي «فاليري هاير»، التي قالت: «لقد آن الأوان لتعمل أوروبا على تحسين قدرات الدرع لديها، وتولي أمنها بين يديها».

وفعلا أعضاء حلف الشمال الأطلسي هم أيضا بحاجة إلى توحيد وتعزيز تحالفاتهم التنظيمية في سبيل الحد من الاعتماد على الولايات المتحدة، لذلك زيادة الأعضاء في الحلف إلى ما هو أبعد من السويد الجديدة هو خيار محتمل، وإن بدى صعبًا، حيث قد يثير غضب بوتين مجددًا.

العديد من القضايا التي تحيط بحلف الشمال الأطلسي تلعب دورًا في الكثير من الأزمات الدولية، ومثال ذلك الأزمة الأوكرانية، والتي أثر ترامب في قرارات الحلف، وهو لا يزال بعيدًا عن الحكم، فقد أوقف ترامب مجموعة المساعدات العسكرية والتي تقدر قيمتها بـ 60 مليون دولار لأوكرانيا، وحدث ذلك من خلال الاعتماد على الجمهوريين للتصويت بما يخالف مشاريع القوانين وتأييد منهج عدم التدخل.

وهذا دليل على أن الحلف بحاجة إلى الاعتماد على ذاته من غير الاعتماد على ترامب، إذا كان الدعم الدولي لأوكرانيا سوف يستمر.

لذلك طالب زعماء الاتحاد الأوروبي برفع إمدادات الأسلحة لأوكرانيا، وهذا يعني أن تحمل مسؤوليات الاتحاد لن يؤدي إلى تحقيق الأهداف السياسية الخارجية فحسب، بل كذلك من شأنه أن يُفعِّل موضوع التخلي عن الاعتماد على الولايات المتحدة.

وهذا التغير مرجو في اعتماد الاتحاد الأوروبي على نفسه، لا بد وأن يصحبه وضع اعتبارات مع العلاقات مع الصين، وقد وضعت الولايات المتحدة ضوابط كثيرة في الماضي فيما يتعلق بالصين، وقد أشار ترامب إلى استبعاد أن تقف الولايات المتحدة مع تايوان، وهذا بدوره سيشجع الصين في المنطقة، وعليه فإن اعتماد الناتو على تعزيز قوته العسكرية سيؤدي كذلك إلى مواجهة التحديات التي تفرضها الصين.

وكذلك لا يتوقف الأمر عند المخاوف من الولايات المتحدة ولا الصين، بل أيضا مع ما يحدث في غزة، إن القادة الوطنيين سيحتاجون إلى المشاركة بشكل أكثر فاعلية مع المنظمات، بما فيها منظمات من الولايات المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، لوضع موازين مستقبلية ضد ترامب.

بلا شك فإن الولايات المتحدة لا تتمتع بالسمعة الأفضل في تعاملها مع الصراعات الدولية، ولكن ذلك لا يعني عدم الاستفادة من المنظمات الموجودة فيها، بل على الدول التعامل مع تلك المنظمات بشكل فعال.

إن التفاؤل المتبادل للإصلاح في الأمم المتحدة قد تجاوز حدوده المناسبة، حيث لا تزال هناك فرص غير مستغلة، مثل استخدام المنظمة كمنبر لتعبير الزعماء عن آرائهم بشكل أكثر وضوحًا.

يمكن أن يؤدي التراجع المؤقت في قضايا مثل أوكرانيا وغزة إلى استمرار تفاقم هذه الأزمات. كل يوم يُعتبر حاسمًا في مثل هذه الأزمات الخطيرة، وإذا استمر العالم في الجلوس على الهامش لفترة قدرها ستة أشهر، فلن يكون الوقت والفرصة هما الشيء الوحيد الذين سيتم فقدهما، بل سيجعل من الصعب على ترامب، في حال فوزه بالانتخابات، تحقيق التقدم اللازم.

إذا استمروا الزعماء الوطنيون في مواكبة سياسات ترامب حاليًا، فقد يصبح من الصعب عليهم تغيير مواقفهم في وقت لاحق.

ميشيل بنتلي باحثة في العلاقات الدولية من جامعة رويال هولواي في لندن

عن آسيا تايمز