ديمقراطيات العالم بحاجة إلى الوقوف معا

25 يناير 2023
25 يناير 2023

ترجمة - قاسم مكي -

في عام 2022، خَرَجَ شيء جيِّد من شيء سَيّء. وحرب روسيا لأوكرانيا كشفت على نحوٍ لافت وحدةَ وعزيمة العالم الديمقراطي.

لقد فرضت الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان وكوريا الجنوبية وكندا وأستراليا عقوباتٍ اقتصادية غير مسبوقة على روسيا. وحصلت أوكرانيا على دعم عسكري واقتصادي ببلايين الدولارات.

وفي أوروبا وعدت ألمانيا بتحوُّلاتٍ تاريخية في سياسات الدفاع والطاقة. وطلبت فنلندا والسويد الانضمام إلى حلف الناتو.

إلى ذلك أطلقت مشاعر الصين وإعلانها عن شراكة «بلا حدود» مع روسيا ردود فعل في المنطقة الهندو- باسيفيكية. فاليابان أعلنت عن زيادة كبرى في إنفاقها الدفاعي. وعززت الفلبين روابطها مع أمريكا. كما عقدت بلدان الرباعية الهند واليابان وأستراليا والولايات المتحدة مؤتمر قمَّة. أيضا بدأت الديمقراطيات في أوروبا وآسيا العمل معا على نحو أوثق. فلأول مرة حضرت اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا قمة للناتو.

هذا العام سيكون الحفاظ على وحدة الديمقراطيات المتقدمة أكثر مشقة وبقدر كبير. لقد ظلت القيادة الأمريكية النشطة والملتزمة حاسمة في أهميتها بالنسبة لِرَدِّ العالم الديمقراطي على الشراكة الروسية الصينية. لكن ثمة توترات خطيرة بدأت تظهر بين واشنطن وحليفاتها.

في أوروبا القضايا المفتاحية استراتيجية واقتصادية أيضا. فالتحالف الغربي منقسم علنا حول مستقبل العون العسكري لأوكرانيا. هذه الانقسامات تكشفت بتمامها في اجتماع الحلفاء في «رامشتاين» يوم الجمعة الماضي عندما قاومت ألمانيا ضغوطاتٍ مكثفة للسماح بتحويل دبابات ليوبارد إلى أوكرانيا.

وفي حين ركزت عناوين الأخبار بعد اجتماع رامشتاين على عزلة ألمانيا، إلا أن الانقسامات داخل التحالف الغربي أكثر تعقيدا من ذلك. هنالك جناح متشدد يشمل بولندا والبلدان الإسكندنافية ودول البلطيق وبريطانيا. وهو يضغط للإسراع بتسليم أوكرانيا أسلحة أكثر تقدما بما في ذلك الدبابات.

الولايات المتحدة في مكان ما في الوسط بين الصقور (المتشددين) والألمان الفائقي الحذر. يشعر الصقور بالقلق من أن إدارة بايدن سمحت لنفسها بالخشية من تهديد الحرب النووية وبالتالي بالغت في الخوف من تسليم الأسلحة المتقدمة كالصواريخ الأبعد مدى. لكن هذه الانتقادات خافتة؛ لأن الولايات المتحدة وإلى حد بعيد أكبر مانحي العون المالي والعسكري لأوكرانيا. هذه الانقسامات يمكن التحكم فيها في الوقت الحالي. لكن إذا تحول مسار الحرب ضد أوكرانيا في هذا الربيع قد يشتد تبادل الاتهامات.

التوترات بين الولايات المتحدة وأوروبا لها أيضا بُعدٌ اقتصادي مع اتهام عديدين في الاتحاد الأوروبي واشنطن بالحمائية من خلال تقديمها دعومات مالية كبيرة للصناعات الخضراء والسيارات الكهربائية داخل الولايات المتحدة.

الرد الأمريكي المعهود قد لا يكون واقعيا وهو أن على أوروبا ببساطة تقديم دعمها المالي الخاص بها لتقنياتها الخضراء. فترك الدول تدعم صناعاتها قد يقضي على السوق الأوروبية الموحدة. إلى ذلك تبنِّي نظامٍ أوروبي موحَّد للدعم المالي سيشعل على الفور جدلا حول كيفية جمع أموال الدعم ومجالات إنفاقها.

خلف كل هذا يكمن خوف متزايد من تجاوز الولايات المتحدة أوروبا اقتصاديا وتعجيل حرب أوكرانيا بهذه العملية. وفي هذا الصدد يشير الصناعيون الأوروبيون إلى ميزات رئيسية تتمتع بها الولايات المتحدة من بينها الطاقة الرخيصة ووفرة الأراضي والقيادة التكنولوجية وعملة الاحتياط العالمية.

ثم هنالك الصين. اللغة والمواقف الصدامية تجاه بيجينج أصبحت الآن عاديَّة في دوائر السياسة الأمريكية. لكن الحكومات الأوروبية والآسيوية في معظمها لا تزال تتحوَّط.

الموقف من الصين يشكل الآن أكبر صدعٍ محتمل في العلاقة بين أمريكا وحلفائها الآسيويين. اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية والفلبين بلدانٌ حليفة للولايات المتحدة بموجب معاهدات وتوافق على الحاجة إلى تعزيز الردع العسكري للصين. لكنها كلها تتوجس من المدى الذي يمكن أن تذهب إليه واشنطن في فك الارتباط الاقتصادي معها.

لاحظتُ بنفسي انقسامَ الآراء عندما كنت أدير جلسة عن اليابان في منتدى الاقتصادي العالمي الأسبوع الماضي. فقد حاجج مشارك أمريكي هو ستيفن باليوكا الرئيس المشارك والمغادر لشركة «بين كابيتال» بأن «ديمقراطيات» العالم ستزيد التبادل التجاري فيما بينها. وأشار إلى حرب أوكرانيا كإنذار بما يمكن أن يحدث عند الإفراط في الاعتماد الاقتصادي على بلد «أوتوقراطي». تاكيشي نينامي الرئيس التنفيذي لمجموعة المشروبات «سنتوري» القابضة والتي تتخذ مقرها في طوكيو كان متحفظا تجاه تلك الحجة. ورحَّب بحقيقة أن تجارة اليابان مع الصين في تزايد.

كما لا يُخفي السنغافوريون، وهم شركاء رئيسيون للولايات المتحدة في كل من التجارة والأمن، انزعاجَهم من اتساع نطاق قيود أمريكا على الصادرات التقنية للصين. إنهم قلقون من احتمال أن تقود إلى تصاعد آخر وخطر في التوترات الأمريكية الصينية.

هنالك أيضا مخاوف من أن مساعي الولايات المتحدة لنقل سلاسل التوريد إلى البلدان الصديقة قد تجعل الصناعة أقل كفاءة وتفاقم التضخم.

كل هذه التوترات يمكن أن تعني المتاعب لجهود الحفاظ على تعاون الأنظمة الديمقراطية في أوروبا وآسيا والأمريكيتين خلال هذا العام.

رغم اتضاح الانقسامات داخل «عالم الغرب» إلا أنه من الممكن تقليصها بتحولات ذكية في السياسات. فواضعو السياسات في الولايات المتحدة يتزايد إدراكهم للقلق الأوروبي من قانون خفض التضخم الأمريكي وقد يحاولون تشذيبه. أيضا من شأن التعريف الدقيق للسياسة الأمريكية حول الصادرات التقنية للصين طمأنة الحلفاء.

فوق كل ذلك، يحتاج حلفاء الناتو إلى الاتفاق على موقف مشترك بشأن إمدادات الأسلحة لأوكرانيا والإسراع في ذلك قبل احتدام القتال خلال هذا الربيع.

الوحدة التي تحققت بين الحلفاء الديمقراطيين في عام 2022 شيء ثمين. ويجب عدم إهدارها في عام 2023.

جيديون راكمان كبير معلقي الشؤون الخارجية بصحيفة الفاينانشال تايمز.

ترجمة - خاصة لـ $