حرب الإنترنت تغير استراتيجية إسرائيل

13 يوليو 2022
13 يوليو 2022

دأب الجيش الإسرائيلي على أن يكون له وضعان نظاميان أساسيان: أحدهما هو خوض الحرب والثاني هو الاستعداد للحرب. وظلت هاتان الديناميتان قائمتين على مدار عقود عديدة، لكن الوضع بدأ يتغير بعد حرب لبنان الثانية (في عام 2006). فبعد سنوات قلائل من تلك الحرب، ظهر بعد ثالث في استراتيجية الجيش الإسرائيلي صاغه رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي السابق جادي إيزنكوت بأنه «حملة ما بين الحروب» CBW. ومن جملة أهداف (حملة ما بين الحروب) تأجيل وقوع الحرب، وتعطيل مبادرات الخصم، وإعطاء إسرائيل بعد المبادرة، وتخطيط المجال الاستراتيجي.

في (حملة ما بين الحروب) يوظف الجيش الإسرائيلي جميع الأدوات والمناهج، سواء ما يكون منها علنيا أم ما يكون سريا، بما في ذلك البعد السيبراني. فاعتبارا من عام 2009، بدأ الجيش الإسرائيلي يعتبر الإنترنت مجال قتال عملياتيا واستراتيجيا، وبدأ في إجراء تغييرات تنظيمية أساسية بناء على ذلك. إذ عالج القائد السابق لوحدة 8200 ـ وهي وحدة الاستخبارات السيبرانية في الجيش الإسرائيلي ـ تأسيس التفوق السيبراني والحاجة إلى الاحتكاك المستمر من أجل تحويل النظرية إلى قدرات تطبيقية. كما اقترح تأسيس قدرات هجومية سيبرانية ضمن مفهوم إسرائيل القتالي.

في الآونة الأخيرة، ظهر جدال حول السبب في عدم تفعيل النشاط السيبراني الروسي الهجومي الفعال في حرب أوكرانيا. وظهرت تفسيرات كثيرة لهذا، منها أن روسيا لم تكن مهتمة بذلك لأسباب عديدة، أو بدلا من ذلك أن أوكرانيا ـ بمساعدة الغرب ـ أحبطت الخطط الروسية لتعطيل بنيتها الأساسية. وعلى أي حال، يبدو أنه حينما تدوي البنادق يصبح من الصعب أن تحدث الأسلحة السيبرانية أثرا.

في السنوات الأخيرة تبادلت إسرائيل وإيران بعض الضربات السيبرانية. بدأ الصراع منذ ما يزيد على عقد من الزمن مع اكتشاف فيروس ستاكسنت Stuxnet الذي تم تصميمه لتعطيل نظام مفاعلات الطرد المركزية الإيراني ونسب ذلك الفيروس إلى الغرب وإسرائيل. وحدث بعد ذلك أن نُسب إلى إسرائيل تعطيل عمليات شركة الشحن الإيرانية إيريسل. وشهدت السنتان الأخيرتان تصعيدًا في عدد الهجمات المنسوبة إلى إسرائيل من قبيل تعطيل عمليات ميناء مركزي في إيران، والاستيلاء على كاميرات سجن إيراني، وتعطيل مرور القطارات، وإغلاق مواقع حكومية، وأخيرًا تعطيل العمل في مصنع للصلب. وليس من الممكن دائمًا العثور على تفسير واضح للغرض من هذا النوع من الهجمات التي نسبت إلى إسرائيل، لكن قد يكون الغرض من تلك الهجمات هو تشديد الضغط على النظام الحاكم والسماح لإسرائيل بالرد على الخطوات الإيرانية.

خلافا لـ(حملة ما بين الحروب) في سوريا، حيث لا ترد إيران على هجمات القوات الجوية الإسرائيلية، يمثل البعد السيبراني وضعا مختلفا، إذ غالبا ما تتحرك إيران ضد إسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر. ومن ذلك على سبيل المثال محاولة تعطيل منشآت المياه في إسرائيل، وتعطيل مواقع حكومية، ومهاجمة شركات تأمين وشركات مدنية أخرى، بهدف تعطيل روتين الحياة وتبديد إحساس الأمن من خلال غزو الخصوصية العامة. وما الهجمات السابق ذكرها إلا محض جزء من صورة كاملة، وتهوين بطبيعة الحال من الجهود الدفاعية الإسرائيلية لإحباط مساعي إيران إلى إيذائها.

إن المواجهة بين إسرائيل وإيران في البعد السيبراني تتفاقم وباتت في الآونة الأخيرة موضع نقاش بين القادة حينما أشار رئيس وزراء إسرائيل نفتالي بينيت إلى الهجمة على مصنع الصلب في إيران باعتباره ردًا على استيلاء إيران على جزء من نظام صافرات الإنذار في إسرائيل.

من كل ما تقدم، يمكن استخلاص خمس رؤى مهمة:

أولًا، وجد الإنترنت بوصفه ساحة جديدة للقتال مكانا في المنافسة بين إسرائيل وإيران، وخاصة في (حملة ما بين الحروب) حيث تقل العمليات غير القاتلة وحيث يمكن أن تؤدي الخطوات غير الصاخبة إلى إحداث أثر.

ثانيًا، العمل السيبراني ليس مستقلا بذاته، فلا بد أن يكون جزءًا متكاملًا في إطار من حملات تأثير معرفي على شبكات التواصل الاجتماعي وفي الإعلام بغرض تقوية الأعمال السيبرانية وضمان أن تتردد أصداء رسائلها في الجانب الآخر.

ثالثًا، في الإنترنت، يتعلم الجانبان باستمرار كل من الآخر مع استمرارهما في التنافس. بل إن هذا يصدق على اللاعبين من مختلف المستويات في القوة التكنولوجية والمخابراتية.

رابعًا، لم تتم بعد صياغة قواعد اللعبة ولم توضع في حيز التنفيذ. وبناء عليه، فكل جانب يحاول أن يستفيد من ميزة ضعف خصمه ولا ينبغي افتراض أن جانبا واحدا سوف يقوم بعمل فلا يلقى ردًا عليه.

خامسًا، تحدث الحروب السيبرانية كلما بدا الظرف مناسبًا لأحد الأطراف. وعليه فقد يجد المدنيون أنفسهم مستهدَفين وعرضة للهجوم، وبخاصة حينما تكون المنشآت العسكرية والبنية الأساسية الحساسة تحت حماية نظم سيبرانية مرنة.

المقدم «احتياط» ديفيد سيمانتوف كبير الباحثين الزملاء بمعهد دراسات الأمن الوطني، ونائب رئيس معهد بحوث مناهج المعلومات في مجمع الاستخبارات الإسرائيلي التذكاري ومركز التراث.

الترجمة عن ناشونال إنتريست