النحاس والانتقال إلى الموارد المتجددة

17 يوليو 2022
17 يوليو 2022

ترجمة : قاسم مكي

فيما تحاول البلدانُ معرفةَ كيفية الوفاء بأهدافها في تحقيق انبعاثات "صافي صفر كربون" تحولت المعادن إلى هدف كبير للقلق. فقد عبرت عدة حكومات ومنظمات عالمية عن خشيتها من عدم توافر إمداد كاف منها لمقابلة احتياجات الانتقال من "نظام طاقة يستخدم الوقود بكثافة إلى آخر يستخدم المعادن بكثافة" حسب تعبير الوكالة الدولية للطاقة.

كثُر الحديث حول معدني الليثيوم والكوبالت المطلوبين لبطاريات السيارات الكهربائية. لكن النحاس حصل على قدر أقل من الاهتمام على الرغم من أنه يشكل الأساس الذي يرتكز عليه الانتقال إلى الطاقة المتجددة. فهو حقا "معدن الكهربة." ويركز تقرير جديد على هذا الدور المفتاحي.

النحاس أقدم معدن استخدمه البشر. يعود ذلك إلى 8 آلاف عام قبل الميلاد. وحصل على استخدامه الحديث في القرن التاسع عشر كموصل فائق الجودة للكهرباء. كما حصل أيضا على لقب "الدكتور كوبر". فبسبب استخداماته الواسعة وحساسيته تجاه دورات النشاط الاقتصادي صارت لدى سعره قدرة خارقة على تزويد الاقتصاديين (خبراء ودكاترة) بتحذير مبكر حول ما ينتظر الاقتصاد. ويُنظَر إلى الهبوط الحالي في سعر النحاس كنذير بتباطؤ اقتصادي أو حتى انكماش.

لكن دكتور كوبر هذا يتخذ الآن دورًا جديدًا كمعدن بالغ الأهمية لتحقيق انبعاثات صافي صفر كربون. هذا الطلب الجديد لأغراض الانتقال إلى الموارد المتجددة يضيف إلى الطلب التقليدي للنحاس في قطاع التشييد وأواني الطهي والحواسيب والأجزاء الداخلية لهاتفك الذكي.

تتعهد العديد من شركات صناعة السيارات بأن سياراتها الجديدة ستدار بواسطة محركات كهربائية بحلول أعوام الثلاثينيات. وتستهدف إدارة جو بايدن في الولايات المتحدة توليدا للكهرباء لا يطلق انبعاثات كربونية في الهواء بحلول عام 2035. كما تتعهد استراتيجية الاتحاد الأوروبي بتسريع التحول إلى كهرباء الموارد المتجددة. (الإستراتيجية التي يشير إليها الكاتب هي خطة الاتحاد بإنهاء اعتماد أوروبا على النفط والغاز الروسيين قبل عام 2030- المترجم).

النقطة الجوهرية هي أن التقنيات التي تلعب دورًا مركزيًا في الانتقال إلى موارد الطاقة المتجددة كالسيارات الكهربائية والبنية الأساسية لتزويدها بالكهرباء والخلايا الكهروضوئية وتوربينات الرياح والبطاريات تحتاج كلها إلى كميات أكبر من تلك التي تتطلبها نظيراتها التقليدية التي ترتكز على المواد الهيدروكربونية.

مثلا تحتاج السيارة الكهربائية التي تدار بالبطارية إلى كمية من النحاس تزيد بحوالي مرتين ونصف على الأقل عن تلك التي تحتاجها السيارة التقليدية والشاحنة متوسطة الحجم إلى أربعة أضعاف.

من أين سيأتي النحاس الإضافي؟ سيأتي جزء صغير نسبيًا فقط من مناجم جديدة يجري تطويرها حاليًا. وتطوير مناجم جديدة كليا يستغرق وقتًا طويلًا جدًا. تقدر الوكالة الدولية للطاقة مرور 16 عامًا من اكتشاف النحاس إلى ظهور أول إنتاج له. ويمكن أن يكون الوقت أطول من ذلك بسبب تأخير الترخيص والموافقة الحكومية.

يوجد مصدران أساسيان لنمو إمدادات النحاس: أحدهما تحسين معدل استخراج المعدن من المناجم الموجودة مع التدهور الذي يلحق بنوعية الخام. المصدر الآخر استخلاص النحاس من المعدات التي لم تعد مستخدمة وإعادة تدويره بتحويله إلى نحاس نقي يمكن طرحه مرة أخرى في السوق.

لننظر في افتراضين. السيناريو الأول أن يقود استمرار الاتجاهات الحالية إلى نقص هائل في الإمدادات بنسبة 20% في عام 2035. والسيناريو الثاني تسارع استخلاص النحاس من المعدات القديمة وإعادة تدويره إلى مستوى لم يحدث من قبل. لكن رغم ذلك يظل هنالك نقص أكبر بكثير مما في السابق.

إضافة إلى ذلك تواجه إمدادات النحاس في المستقبل عددا كبيرا جدا من التحديات التشغيلية. فتعدين النحاس في الواقع أكثر تركزا (جغرافيا) من النفط. يوجد بلَدَان اثنان فقط هما شيلي والبيرو ينتجان 38% من النحاس المستخرج من المناجم. وتقترح شيلي دستورًا جديدًا يشمل بندًا يجعل عملية الموافقة على التعدين أكثر صعوبة.

كما يصعب باطراد الحصول على تصاديق للمناجم في الولايات المتحدة. وهذا أحد أسباب هبوط إنتاج النحاس الأمريكي بحوالي النصف تقريبا خلال ربع القرن الماضي.

في الأثناء تحتل الصين دورًا مركزيًا في سلسلة قيمة النحاس بأكملها مع خطر ارتباط التجارة الدولية بتنافس القوى العظمى بين واشنطن وبيجين.

لن تستمر الفجوات بين العرض والطلب. وسيكون هنالك بالتأكيد دافع لتسريع إعادة تدوير النحاس. وستوجد بدائل له كما هي الحال الآن مع الألمونيوم الذي على الرغم من أنه أقل توصيلا للكهرباء من الممكن استخدامه في خطوط نقلها للمسافات البعيدة. فالابتكار سيكون بالغ الأهمية.

لكن كل هذا سيحتاج إلى وقت فيما تلح الحاجة لتدبير مطلوبات الانتقال إلى موارد الطاقة المتجددة. إذن ماهي الرسالة التي يمكن أن يبعث بها دكتور كوبر (معدن النحاس) إلى القائمين على هذا الانتقال؟ الرسالة هي أنه ما لم توجد حلول بسرعة، وهذا سيشكل تحديا، تخاطر الإمدادات غير الكافية للمعادن بإفشال السعي لتحقيق صافي صفر كربون بحلول عام 2050.

دانييل يرجين نائب رئيس شركة ستاندارد أند بورز جلوبال ومؤلف عدة كتب عن الطاقة. أشرف الإشراف على الدراسة المذكورة في هذا المقال تحت عنوان "مستقبل النحاس: هل ستُفشِل فجوةُ الإمدادات الوشيكة الانتقالَ إلى الموارد المتجددة؟"

ترجمة خاصة لـ عمان عن "الفاينانشال تايمز"