العالم يحتاج إلى مُحرِّك اقتصادي جديد- هل هو الهند؟

22 مايو 2022
22 مايو 2022

وجَّهت الحربُ في أوكرانيا ضربة قوية لفُرَص النمو الإقتصادي العالمي. كما أضعفت إغلاقاتُ الجائحة وتباطوء القطاع العقاري حيويةَ الصين التي شكلت محرك النمو السابق. وبالنظر إلى حجم الهند وإمكانياتها يبدو من المعقول التساؤل حول احتمال أن تكون المحرك الإقتصادي التالي للعالم.

حسب تقديرات صندوق النقد الدولي في أبريل ربما ينمو الناتج المحلي الإجمالي الهندي بأكثر من 8% هذا العام. ستشكل هذه النسبة أسرع وتيرة للنمو في البلدان الكبيرة. من الممكن أن يكون لهذا التوسع السريع إذا تمت المحافظة عليه أثر هائل على العالم. لكن لعدة عوامل أهمها البنية المتغيرة للإقتصاد العالمي لن يكون انتقال الراية من الصين إلى الهند بمثل هذه البساطة.

في العشرية الأولى من هذا القرن شكل نمو اقتصاد الصين ما يقرب من ثلث النمو العالمي. أي أكثر من معدل نمو اقتصادي الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي معا. وأضاف نمو الصين لإقتصاد العالم خلال هذه الفترة طاقة إنتاجية جديدة في كل عام تعادل انتاج النمسا في الوقت الحاضر.

بحلول العشرية الثانية تضاعف تقريبا إسهام الصين بحيث كان التوسع السنوي لطاقتها الإنتاجية يكافىء حجم انتاج سويسرا. ومن بداية الألفية إلى ما قبل حلول الجائحة تحولت الصين إلى أكبر مستهلك لمعظم السلع الرئيسية في العالم وارتفعت حصتها من صادرات السلع العالمية من 4% إلى 13%.

هل يمكن للهند تكرار مثل هذه المنجزات؟ هي الآن سادس أكبر اقتصاد في العالم مثلما كانت الصين في عام 2000. وانتاجها الآن بشكل عام في نفس مستوى انتاج الصين قبل عشرين عاما.

مضت الصين قُدُما وحققت متوسط معدل نمو سنوي يصل إلى حوالى 9%. هذا فيما شهدت الهند نموا سنويا يقل عن 7% خلال نفس الفترة. وكان من اليسير أن يكون أداؤها أفضل لولا الأخطاء في السياسات (مثل قرار رئيس الوزراء الصادم مارندرا مودي بسحب بعض أوراق البنكنوت في عام 2016). هذا إلى جانب نقاط الضعف في اقتصادها الكلي بما في ذلك التوسع المفرط في القطاع المالي. ربما تعلمت الحكومة من الخطأ الأول. كما سعى واضعو السياسات إلى جانب البنوك لمعالجة الخلل الثاني.

قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا قدَّر صندوق النقد الدولي أن يشهد اقتصاد الهند نموا بنسبة 9% هذا العام. ويرى بعض المتفائلين أن الهند يمكنها في ظل أوضاع مواتية تحقيق مثل هذه المعدلات بصفة مستديمة.

لكن النظرة الفاحصة توحي بأن الهند ليست بديلا للصين. أحد أسباب ذلك أن اقتصاد العالم أكبر مما كان في السابق بحيث أن أي ارتفاع في معدل الناتج المحلي الإجمالي للهند يرفع معدل نمو الإقتصاد العالمي بنسبة أقل.

تحقيق نمو سنوي مستدام بنسبة 9% سيحسِّن المستوى المعيشي للهنود كثيرا ويرجح كفة ميزان القوة الإقتصادية والسياسية العالمية بقدرٍ له معنى. لكنه لن يعني أن اقتصاد العالم سيدور حول الهند كما دار حول الصين خلال العقدين الماضيين.

ستظل مساهمة الهند في نمو اقتصاد العالم أقل من إسهام أمريكا وأوروبا مجتمِعَتَين على سبيل المثال. وربما ما هو أهم أن الأوضاع الإقتصادية العالمية قد تكون غير مواتية مقارنة بتلك التي أتاحت صعود الصين.

في الفترة من 1995 إلى 2008، ارتفعت قيمة تجارة العالم من 17% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 25%. وإرتفعت حصة صادرات السلع المشاركة في سلاسل القيمة العالمية من حوالى 44% من صادرات العالم إلى 52%. وكانت الصين في مقدمة الركب على كلا الصعيدين والبلد التجاري الأكثر هيمنة منذ حقبة بريطانيا الإمبراطورية، بحسب ورقة تحليلية تحت عنوان "العولمة الفائقة" نشرت عام 2013 ومن إعداد آرفيند سوبرامانيان الأستاذ جامعة براون ومارتن كيسلر المحلل بمركز أبحاث البلدان الغنية "منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية".

الهند بالمقارنة ليست بلدا تجاريا مهما. عشية الجائحة كانت تساهم بأقل من 2% من صادرات السلع العالمية. وهي تأمل في زيادة نصيبها بالإستثمار في البنية التحتية وتقديم الدعم الحكومي لأصحاب الصناعات والتفاوض لعقد صفقات تجارية بحماس غير معهود .

لكن لم يعد الزمان هو الزمان. لقد تراجعت حصة تجارة العالم في الناتج المحلي الإجمالي العالمي منذ أوائل العشرية الأولى. ومن الممكن أن تحوُل نزعة القومية الإقتصادية دون التعافي. رغما عن ذلك تأمل الهند في زيادة صادراتها بانتزاع حصة سوقية من بلدان أخرى بما في ذلك الصين. لكن الشركات والحكومات التي كانت في وقت ما على استعداد للإعتماد على الصين على أساس "الكفاءة" اصبحت أكثر حذرا. وقد يحِدُّ ترددها في الإعتماد المفرط على مصدر توريد وحيد من طموحات الهند.

قد لاتكون الهيمنة على سلاسل التوريد العالمية السبيل الوحيد للحصول النفوذ الإقتصادي. اتجهت الهند مبكرا إلى تصدير الخدمات الفنية والتجارية. فعلى الرغم من أن ناتجها المحلي الإجمالي لايزيد عن سُدس الناتج الصيني إلا أن صادراتها الخدمية تأتي في المرتبة التالية للصادرات الخدمية الصينية.

في بحث مشترك نشرعام 2020 يرى أستاذ الإقتصاد الدولي ريتشارد بالدوين بمعهد جنيف للدراسات العليا وريكارد فورسيلد استاذ الإقتصاد بجامعة ستوكهولم أن التحول التكنولوجي يوسع نطاق الخدمات القابلة للتصدير ويقدم المزيد من الفرص لعاملي القطاع في البلدان الفقيرة لمنافسة نظرائهم في العالم الغني.

لكن رغم احتمال استمرار ازدهار الخدمات التجارية في الهند إلا أن توسعها قد يحدَّه النظام التعليمي غير الكفء. فهو جيد الأداء بمقاييس أعداد الطلاب الدارسين لكنه ليس كذلك بنتائج التعلم. كما يمكن أن تحد منه الطبيعة الحمائية لقطاعات الخدمات في العالم الغني والتي قد تتمتع بحماية أفضل من المنافسة الأجنبية مقارنة بتلك التي سبق أن حصل عليها العاملون في القطاعات الصناعية ضد الواردات الصينية.

حتى إذا تمكنت الهند من تحقيق معدل نموٍّ أقرب إلى 6% من 9% لن يكون ذلك انجازا يسيرا. فمثل هذا المعدل سيجعل اقتصاد الهند ثالث أكبر اقتصاد في العالم في منتصف العشرية الثالثة (الحالية). عند هذا المستوى ستفوق مساهمتها السنوية في الناتج المحلي الإجمالي العالمي ما تساهم به بريطانيا وألمانيا واليابان مجتمعة.

حينها سيحرِّك الطلب الهندي على الموارد أسعارَ السلع. وستُغري أسواقها الرأسمالية المستثمرين الأجانب. وربما سيمكِّن العدد الكبير من سكانها الناطقين باللغة اللغة الإنجليزية إلى جانب نظامها السياسي الديموقراطي (إذا حافظت عليه) صادراتِها الفنية والثقافية من اكتساب نفوذ عالمي أكبر من ذلك الذي حصلت عليه صادرات الصين المماثلة عند مستويات دخل شبيهة.

لكن حينما يأتي ذلك الوقت سيكون العالم قد أدرك (هذا إذا لم يدرك سلفا) أن صعود الصين كان حدثا فريدا.

سيُغيَّر نموُّ الهند العالمَ. لكن يجب ألا نأمل أو نخشى تكرارا للتجربة الصينية.

• مترجم عن مجلة الإيكونومست