الذكرى الرابعة والسبعون للنكبة: حلم استعادة الحقوق

24 مايو 2023
24 مايو 2023

مرت منذ عدة أسابيع الذكرى الرابعة والسبعون لنكبة فلسطين لعام 1948، وهي الذكرى الأليمة التي لحقت بالشعب الفلسطيني، الذي طُرد وهُجر من أرضه بالقوة العسكرية؛ بمئات الآلاف من أراضي 48 م، وهذا التهجير والطرد للفلسطينيين من أراضيهم إلى بعض دول الجوار، كسوريا والأردن ولبنان، والبعض الآخر هُجروا إلى الأراضي الفلسطينية الأخرى، كغزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، التي احتلت أيضا بعد حرب عام 1967 حيث تم احتلال البقية الباقية من الأراضي العربية الفلسطينية، ولا شك أن الدول الاستعمارية التي احتلت فلسطين وبعض الدول العربية ما بين القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، أسهمت في هذا الاحتلال البغيض لأهداف ومرام سياسية واستراتيجية، ودعمتهم بالقوة والمال والعتاد، إلى جانب الدعم السياسي والاقتصادي والمعنوي، لتمكين هذا المحتل من السيطرة على الأراضي العربية الفلسطينية، كما هو معروف، كما أن القوات العربية التي دخلت الحرب في فلسطين بعد الاحتلال عام 1948، فإن أغلبها كان آنذاك تحت الاحتلال أو قبلها بسنوات قليلة، أو تحت الانتداب، بالإضافة إلى بعض الدول التي دخلت الحرب وهي غير محتلة، لكنها كانت ضعيفة من حيث القوة العسكرية والاستراتيجية، ولم تستطع مواجهة العصابات الصهيونية التي تم تسليحها بقوة تفوق حتى قوات بعض البلدان العربية في ذلك الوقت، إلى جانب أن بعض الأسلحة التي كانت مع بعض الجيوش العربية فاسدة، وهي من مخلفات الاستعمار البريطاني، وقد كشف هذه الأسلحة الفاسدة الكاتب الصحفي المعروف إحسان عبدالقدوس في الصحافة المصرية، وهي التي عجّلت بثورة 1952.

وفي هذه القضية الأليمة للشعب العربي الفلسطيني، لا يمكن تجاهل وعد وزير خارجية المملكة المتحدة «آرثر بلفور» المشؤوم الذي وعد بإقامة وطن قومي لليهود في أرض فلسطين على حساب صاحب الحق الشرعي في هذه الأرض، وقد جاء في رسالة رسمية إلى «جيمس روتشيلد» الراعي للحركة الصهيونية التي تأسست في أوروبا، وتضمنت هذه الرسالة النص الآتي: «إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وسوف تبذل قصارى جهدها من أجل تسهيل تحقيق هذا الهدف». ولا شك أن الجانب السياسي المحرك لمتابعة هذا الوعد، (الوطن القومي لليهود)، كان يتزعمه «تيودور هرتزل»، إذ وضع هذا الهدف في كتابته (الدولة اليهودية)، وأعطى هذا الجانب الدافع الأكبر للحركة الصهيونية، لكي تتحرك في الغرب لفكرة الوطن القومي، لكن هذه المخططات الصهيونية، مع الحركة العلمانية اليهودية التي منها هرتزل، وبدعم من الدوائر الإمبريالية الاستعمارية الغربية سعت لتمكين الحركة الصهيونية، من أجل إقامة هذا الوطن لليهود على أرض شعب آخر، وهو الشعب العربي الفلسطيني. وهذا ما جعل الحراك الصهيوني في هذا المسعى فاعلا، في ضوء الظروف التي تعيشها البلاد العربية والإسلامية من التخلف العسكري والسياسي والاقتصادي، وأيضا الضعف الذي أصاب الدول العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، مع استعمار أغلب الدول العربية، وكل هذا أسهم بلا شك في الإسراع بهذا المخطط الخبيث.

ولا شك أن هذا الهدف لم يكن ليتحقق بهذه السرعة، لولا الدعم الذي قُدم من الدول الاستعمارية، لتعزيز القدرات العسكرية الصهيونية من المنظمات التي تم إنشاؤها، وهذا الدعم من بعض الدول الغربية الرأسمالية كما أشرنا أتاح للحركة الصهيونية التحرك، ومخاطبة الدول الاستعمارية، بأن تقف بجانبها في هذا المخطط، وأن إسرائيل بهذا القيام، ستكون سدا قويا مع الدول الغربية، تجاه النهوض العربي الإسلامي في المشرق، إلى جانب حل المشكلة اليهودية في دول أوروبا، خاصة بعد ما سمي بمحرقة اليهود في ألمانيا النازية، وإذا عدنا إلى المصادر الأصلية للعنصرية الصهيونية، نجد أن المشروع الصهيوني العنصري ولد في رحم الأفكار العرقية التي اجتاحت الساحة الأوروبية في القرن السابع عشر والثامن عشر، فظهرت بعد ذلك مقولات الإنسان الغربي المتفوق عرقيا وعقليا وفكريا وحضاريا على غيره من الشعوب الأخرى، وأيضا مع هذه العنصرية الغربية البغيضة في العالم الغربي، تحرك الصهاينة بمقولة (شعب الله المختار) الذي ميزته السماء في العصور القديمة، وكما أن الغرب يقول عن نفسه إن له رسالة حضارية تمدينية ـ وهذه شاعت بينهم في كل دولة يحتلونها ـ إذ يقولون إن الهدف هو أن نحضّر ونمدن الشعوب المتخلفة عن الغرب بمقاييس شاسعة؛ كذلك فإن الصهيونية قالت بالمقابل إنها ستقيم الوطن القومي الجديد لليهود في أرض فلسطين على أسس حضارية وديمقراطية الخ... وهو ما ظهر في كتاب «تيودور هرتزل» في كتابه الشهير الذي صدر في 1896 (الدولة اليهودية)، وهو المخطط الذي كانت له اليد الطولى في إعداد العصابات الصهيونية وتسليحها للاستيلاء على الأراضي العربية.

ولا شك أن التآمر لإقامة الوطن القومي للصهاينة، انكشف بعد فترة من الزمن من خلال التقارير التي يتم الكشف عنها عادة، وقد أشرت إلى هذا المخطط في أحد مقالاتي السابقة عن وعد بلفور، وما انبثق عنه في هذا الجانب وهو أن الهدف الأساسي، هو إضعاف الوطن العربي، ومنع قيام دولة عربية كبيرة موحدة بعد سقوط الدولة العثمانية، ولم يكن اختيار فلسطين عبثا، بل هو مخطط سياسي لتفتيت وتجزئة هذه المنطقة، وهذا ما بدأ بعدما تم خداع الشريف حسين من قبل الفرنسيين والبريطانيين، بإقامة دولة عربية من جبال طوروس إلى سواحل الجزيرة العربية، بعدما تم طرد الأتراك من بعض مناطق فلسطين، وهو ما مهد للانتداب وصدور وعد بلفور، وتقسيم مناطق الشام والعراق بين بريطانيا وفرنسا، وهذا «ما كشفته بعد ذلك روسيا في أحد التقارير بعد قيام الثورة البلشفية عام 1917». فالمخطط الدولي للأسف، جاء في غفلة عربية وإسلامية تامة، مما رتبت له هذه الدول من أفكار استعمارية واستراتيجية، وهذا ما أسهم في نجاح هذا المخطط، وما تم وضعه في خطة سايكس-بيكو، وهي التي مهدت لإقامة الوطن القومي للوكالة اليهودية.

ولا شك أن الفارق العسكري، والإعداد المنظم للعصابات الصهيونية، هو الذي سبب الفارق في الأداء بينها وبين القوات العربية التي دخلت حرب فلسطين، غير المعدة جيدا لهذه الحرب، وهذا ما قاله الباحث العسكري العربي هيثم الكيلاني في كتابه: (المذهب العسكري الإسرائيلي)، إن هذه القوات الصهيونية استعدت للمواجهة مع القوات العربية، إذ تم إعداد «هذه القوات المتفرقة أنظمتها وقياداتها وأسلحتها وخبراتها وقواعدها، وذلك قبل أن يعلن قيام «إسرائيل». وقد استطاعت هذه القوات العسكرية -بحماية قوى الانتداب البريطاني ودعمه- أن تحتل بعض المناطق والمراكز في فلسطين، وأن تجابه الثورات العربية المتتالية، وجيش الإنقاذ. وحينما أعلن مولد «إسرائيل» في مساء الرابع عشر من شهر (مايو) 1948، كان مجموع هذه القوات المتفرقة يقارب سبعين ألف جندي». وهذا ما أحدث الخلل في القوات العربية التي اشتركت في هذه الحرب، وهي سبع دول عربية، وأغلبها كانت قوات رمزية، ومع ذلك كان دورهم لا يمكن التقليل من شأنه، لكن الإشكالية في الآلة التي يمتلكونها في أرض المعركة، وهي التي صنعت الفارق بينهما.

ويذكر الباحث الفلسطيني المختص بالصراع العربي/ الإسرائيلي د. وليد الخالدي أن المخطط الصهيوني المعد: «كان يهدف إلى القضاء على آثار السكان العرب، وطرد الغالبية القصوى منهم. إن الحركة الصهيونية لم تنتهز فرصة انتهاء الانتداب البريطاني والمواجهات بين الطرفين لتنفيذ حلمها بإزالة المعالم العربية كلها في المنطقة، وإقامة دولة تقتصر فقط على اليهود، بل كان هناك مخطط مرسوم لتحقيق ذلك الغرض، وبغض النظر عن التفاصيل العسكرية.. وأن المجازر التي ارتكبت كانت ثمرة مباشرة للحقد والرغبة في الانتقام. وأن ممارسات القوات اليهودية تتوافق مع ما يسمى حاليًا بـ «التطهير العرقي». ستبقى ذكرى النكبة عالقة في ذهن وعقل ووجدان الشعب الفلسطيني خصوصا، والشعوب العربية والإسلامية عموما، لما تمثله هذه القضية من مظالم كبيرة لحقت بهذا الشعب، والحق مهما تأخر فلا بد من استرجاعه مهما طال الزمن، وهذا فعل التاريخ وحق الشعوب في إعادته.

عبدالله العليان كاتب وباحث في القضايا السياسية والفكرية مؤلف كتاب «حوار الحضارات في القرن الحادي والعشرين»