التعامل بجدية مع مسألة الدفاع الأوروبي

05 يونيو 2022
05 يونيو 2022

أجبرت الحرب التي تشنها روسيا في أوكرانيا الاتحاد الأوروبي على التعاطي مع تحديات استراتيجية طال أمدها، ويمثل إنهاء الاعتماد الأوروبي على واردات الطاقة الروسية القضية الأشد إلحاحا، وهي العملية التي يجري تنفيذها الآن، في ظل حظر تدريجي على النفط سيصل 90% بنهاية العام.

على نطاق أوسع، يتحتم على أوروبا أيضا صياغة سياسة أمنية دفاعية فعالة، فضلًا عن تطوير الإمكانيات اللازمة لتنفيذها. وإذا كان هذا المطمح في حد ذاته ليس بجديد، فقد صارت هناك دفعة جديدة تحفزه، حيث أظهرت حرب روسيا مدى حاجتنا إلى تغيير كبير بالاتجاه نحو تجميع أكبر لاستثمارات الدفاع. وتلك كانت النتيجة الرئيسية التي انتهى إليها نقاش المجلس الأوروبي بشأن الدفاع هذا الأسبوع.

لا توجد مشكلتان سياسيتان متطابقتان، فأحيانا يبدو التحدي جديدًا للغاية وغير مسبوق لدرجة توحي بعدم إمكانية معالجته حتى يتم التوصل لتقييم مناسب لمشهد متغير، وأحيانا تكون الحلول معروفة لكن الموارد اللازمة لتنفيذها ناقصة أو غير متاحة. أما معضلة الأمن والدفاع الأوروبيين فتندرج تحت فئة ثالثة وهي: وضوح التشخيص والوصفات العلاجية مع نقص الإرادة السياسية. كنا على علم لسنوات -بل لعقود من الزمن- بضآلة إنفاق الحكومات الأوروبية على الدفاع وتفتته الشديد.

وكانت النتيجة أن افتقدنا القدرات العسكرية التي تضمن أمننا أو تجعل منا شريكا كفؤا في حلف شمال الأطلسي (الناتو). لذا ينبغي لنا إنفاق المزيد وتعظيم الاستفادة من ذلك الإنفاق على نحو جماعي. على مدار سنوات، أصدر عدد كبير من الساسة والمؤسسات ووزارات الدفاع ومراكز الفكر وكيانات أخرى في أوروبا تقارير ومقترحات تطالب بزيادة الإنفاق على الدفاع وتحسينه. وعكست تلك النصائح والمناشدات إجماعًا واضحًا وراسخًا بين الخبراء على القضية، فضلًا عن ذلك، أنشأ الاتحاد الأوروبي عام 2004 وكالة الدفاع الأوروبية (EDA) لدعم الدول الأعضاء بمشروعات البحث والتطوير والشراء المشتركة، غير أن دولا كثيرة خفضت إنفاقها على الدفاع عقب الأزمة المالية التي اندلعت سنة 2008، بتقليص النسب المخصصة لاستثمارات الأمن التعاوني في ميزانياتها. ومنذ ذلك الحين، اكتفت الحكومات في أغلب الأحايين بالتأييد الشفوي للإنفاق المشترك، مع مواصلة منح الأولوية لتدبير الاحتياجات الدفاعية محليا (وذلك غالبا لأسباب سياسية كدعم الصناعات والتوظيف في الداخل).

المحصلة النهائية صادمة. فقد بلغ إجمالي النقص في الإنفاق الدفاعي الناشئ عن استقطاعات الدول الأعضاء بين عامي 2009 و2018 حوالي 160 مليار يورو (171 مليار دولار). الأسوأ من ذلك أن دولا أخرى كثيرة كانت تتسابق قدما في الوقت ذاته. فخلال العشرين عامًا الأخيرة، لم تتجاوز نسبة الزيادة في إنفاق دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة على الدفاع 20%، مقارنة بنحو 66% للولايات المتحدة، و300% تقريبًا لروسيا، و600% للصين. بل إن مما يثير الانزعاج بصورة أكبر هبوط أوروبا إلى مستوى منخفض جديد في عام 2021، حينما لم يتجاوز نصيب الاستثمارات التعاونية من الإنفاق على المعدات 8% فقط - وهو ما يقل كثيرا عن النسبة التي حددتها الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي ذاتها كهدف وهي 35%.

يكلف هذا النقص في الإنفاق، إضافة إلى نقص التعاون، دول الاتحاد الأوروبي (وبالتالي دافعي الضرائب) عشرات المليارات من اليوروهات سنويا في الوقت الحالي، بسبب الإنفاق غير العقلاني وأوجه القصور الأخرى. لكن لا يجب أن يظل الوضع على هذا النحو، فبوسعنا تغيير المسار، خاصة وأننا نعرف الطريق. من خلال مشروع البوصلة الاستراتيجية، رسمت مؤسسات الاتحاد الأوروبي وكل دوله الأعضاء السبعة والعشرين خريطة طريق بالفعل. كما أننا نمتلك أدوات وأطر عمل قائمة - وفي مقدمتها آلية التعاون الهيكلي الدائم وصندوق الدفاع الأوروبي - لمساعدة الدول الأعضاء على مواصلة البحث والتطوير والاستثمارات بطريقة أكثر تنسيقا. لكن لا تزال الحاجة قائمة لوضع الأجزاء الأخرى في محلها، إذ يجب علينا تقديم الحوافز المالية لتشجيع عمليات الشراء المشتركة والتحرك قدما نحو برمجة أكثر تركيزا على النواحي الاستراتيجية. كذلك ينبغي أن نقوي القاعدة الصناعية والتكنولوجية لدفاع الاتحاد الأوروبي بدعم البحث والتطوير وتسخير إمكانات التكنولوجيات الإحلالية الجديدة. وكما أخبرت القادة الأوروبيين هذا الأسبوع عند إقرارهم هذا النهج، يمكن لكل من المفوضية الأوروبية ووكالة الدفاع الأوروبية المساعدة في الجانب التنسيقي.

نعم، أعلم أن القول بأنه لا ينقصنا سوى الإرادة السياسية لاستخدام الأدوات المتاحة لنا عبارة مكررة ومبتذلة في السياسة الأوروبية. لكن مثل تلك العبارات صحيحة عموما. فلقد دأبنا -نحن الأوروبيين- على اتخاذ القرارات الصعبة فقط عندما نكون قد جربنا كل الأشياء الأخرى المتاحة وصرنا في مواجهة أزمة حادة. وقد توافرت تلك الظروف بصورة واضحة. فها نحن نشاهد روسيا تشن حربا ضد أوكرانيا - وهي حرب أبرزت نقاط الضعف الأوروبية، فكشفت عن أوجه قصور في الإمكانيات موجودة منذ أمد بعيد، فضلا عن احتياجات جديدة ناشئة (كالحاجة إلى إعادة تعبئة مخزوناتنا الناضبة). علاوة على ذلك، تأتي هذه الأزمة على رأس تهديدات كثيرة، سواء في محيطنا القريب أو المناطق الأبعد، إذ أصبحت التحديات تحيط بالمصالح الأوروبية في كل المناحي الاستراتيجية، بما في ذلك المجال السيبراني والبحري والفضائي.

إننا بحاجة لتطوير الوسائل اللازمة لحماية أنفسنا في عالم خطير. ولن يتطلب ذلك مجرد زيادة الإنفاق على الدفاع فحسب، بل لا بد أيضا من تحسينه. وحتى نضمن أمننا الجماعي، يجب أن تزيد استثماراتنا الجماعية.

____________

جوزيب بوريل الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، ونائب رئيس المفوضية الأوروبية لأوروبا أقوى في العالم.

خدمة بروجيكت سنديكيت