فـكـر حكـيـم يـرسـم المسـتقـبـل

18 نوفمبر 2022
18 نوفمبر 2022

يشكل يوم الثامن عشر من نوفمبر أهمية كبيرة لدى العمانيين.. وحين تحتفل عمان بالعيد الوطني من أقصاها إلى أقصاها ففرحتها ليست عابرة، بل استحضار لتاريخها العظيم المستند إلى إرث ضارب بجذوره في عمق الأزمان، وتقف على مرتفع من المنجزات، لتنطلق إلى رحلة أخرى يُستكمل فيها البناء وتتعاظم المكاسب.

ومنذ أن أشرقت شمس النهضة الحديثة بقيادة السلطان الراحل قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ مضت عمان بهمم أبنائها الأوفياء تحث الخطى في مختلف الميادين علما وعملا.. وأكملت مسيرتها الظافرة مع النهضة المتجددة بقيادة مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي يقف بشموخه مشاركا أبناء شعبه فرحة هذا اليوم الراسخ في ذاكرة عمان، وهي تسابق الزمن من أجل مستقبل أكثر إشراقا وازدهارا يليق بهذا الوطن العزيز.

ولأن مراد العظماء عظيم بقدرهم أراد مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق أن تتبوأ عمان مكانتها بين الأمم المتقدمة، وحتى يتحقق ذلك كان التركيز واضحا على إعادة هيكلة الاقتصاد، فالدول باقتصادها؛ متى كان قويا ومستداما ضمنت التقدم والرقي. وكان من الأهداف الأساسية فك الارتباط نهائيا مع النفط، ما يعكس بعد النظر لدى القيادة وقراءتها الدقيقة للمستقبل ومتطلباته، وإدراكها للإمكانيات والمقومات القادرة على بناء اقتصاد متنوع لا يهزه تذبذب أو نضوب مورد، وهي عوائق أدت بالفعل إلى تأثير واسع النطاق في المركز المالي للدولة خلال السنوات الأخيرة.

كانت التحديات كثيرة لكن بفضل إرادة القائد تتلاشى، وبوضوح الرؤية للمستقبل تأتي النتائج، والمتتبع للشأن الاقتصادي في عمان اليوم يدرك حجم ما تحقق من تحولات وتطورات على أرض الواقع، وهي تواصل الخطى بثقة وثبات نحو تنويع الاقتصاد المنشود وتعزيز نموه وتعظيم الإيرادات العامة للدولة، متكئة على ركائز واقعية لتحقيق حلم الانتقال إلى عصر ما بعد النفط عبر مركز مالي يتحسن باستمرار واقتصاد يتعافى ويحقق نموا بمعدلات جيدة.

لقد أدرك جلالته ـ أعزه الله ـ منذ البدء أهمية الأساس السليم والقوي للنمو والاستدامة المالية عبر اتباع التخطيط العلمي والكفاءة في الإدارة وتحسين أداء العمل الحكومي وتطوير التشريعات التي تتعلق بالاستثمار وبيئة الأعمال، ووضع مؤشرات قياس فعلية لمدى تقدم تنفيذ الخطط والمستهدفات في جميع المجالات، وكانت أولى الخطوات المهمة هي الحزمة الواسعة من الإجراءات والمراسيم السامية التي استهدفت أكبر عملية إصلاح للجهاز الإداري للدولة، وإعادة هيكلة الاستثمارات الحكومية لتكون في كِيان موحد يتيح إدارتها وتوجيهها بكفاءة تمكنها من رفد الدولة بإيرادات غير نفطية، ودعم النمو الاقتصادي بما في ذلك تحقيق الشراكة الفعالة مع القطاع الخاص ليقوم بدوره في التنمية وتوفير فرص العمل.

بدأت عمان هذا الطريق نحو الإصلاح الجذري وسط تحديات غير مسبوقة بعد أن تصاعد الدين العام إلى مستويات مقلقة، وتراجعت أسعار النفط مما قلل إيرادات الدولة قبل أن تضيف أزمة الوباء أعباءها الجسيمة على جميع المستويات الصحية والاجتماعية والاقتصادية، لكن الخطط الاستراتيجية والرؤية الواضحة، التي تبنتها عمان لشق طريقها نحو المستقبل والتوجيهات السامية التي تتابع من كثب وبكل الاهتمام والعناية جميعَ التطورات والمتطلبات الآنية والمستقبلية، وضعت آليات جادة لمواجهة هذه التحديات، ونجحت في التعامل مع التبعات الحادة التي سببها الوباء وتقليصها إلى أدنى حد ممكن، وانطلقت في الوقت نفسه نحو إدارة متوازنة للوضع المالي عبر خطة التوازن متوسطة المدى، كما وضعت الاقتصاد على مسار التعافي بتبني خطة التحفيز الاقتصادي التي ساعدت إلى حد كبير في تخطي ما سببته الجائحة من تأثيرات سلبية في الاقتصاد وقطاع الأعمال، وانتقال الاقتصاد من وضع التراجع إلى النمو بمعدل معقول في 2021 ثم بمعدل قريب من المستهدف هذا العام بنحو 3.9 بالمائة في النصف الأول، مع توقعات بأن يواصل طريق النمو بمعدل 4.4 بالمائة بنهاية العام.

وعلى كل الأصعدة كانت النتائج المبشرة تسدل ظلالها الوارفة، جاذبةً الاستثمارات للقطاعات المهمة للتنويع الاقتصادي بعد تحسين تنافسية بيئة الأعمال، حيث تشير الأرقام إلى نموها بنسبة 19 بالمائة بنهاية الربع الأول من هذا العام، وتجاوز إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر 17 مليار ريال، وكان التحسن الأكبر على مستوى الوضع المالي، فقد انخفض الدين العام ويواصل الانخفاض. وفي تقريره الأخير توقع صندوق النقد الدولي تراجع نسبة الدين العام للناتج المحلي إلى 43 بالمائة بنهاية العام الجاري، ويعزز ذلك خطط الضبط المالي والالتزام بالإطار المالي المحدد في الخطة الخمسية العاشرة، وتطوير إدارة محفظة الدين بخطوة استباقية أتاحت الاستبدال بجانب من الديون مرتفعة الكلفة أخرى أقل كلفة، وسداد بعض الديون قبل موعد استحقاقها وهذا من شأنه أن يقلل الأعباء المستقبلية للدين العام، وبينما قدمت أسعار النفط المرتفعة منذ بداية العام دعما كبيرا للوضع المالي، فقد التزمت سلطنة عمان بحسن استغلال العائدات الإضافية بتوجيهها نحو سداد الدين وتعزيز الإنفاق الإنمائي بمخصصات إضافية لدعم النمو ورفع مخصصات الدعم في إطار الاهتمام السامي بتخفيف تبعات المتغيرات العالمية على الوضع المعيشي للمواطن.

بحكمته الثاقبة يقود مولانا جلالة السلطان المعظم جهودا عظيمة نحو المزيد من الإنجاز، مؤكدا أن مضاعفة العمل والجهد هو الطريق الصحيح لتحصد عمان مزيدا من الثمار، وإن رفع كفاءة الأداء الحكومي والتنسيق والتكامل بين جميع الجهات المعنية هو أحد الأسس المهمة لاستمرار تقدم نلمسه من خلال النتائج التي تتحقق وتضع عمان على مسار التقدم بثقة نحو طموحاتها المستقبلية في ظل قيادة حكيمة تدرك وتستشرف متطلبات التطور والتقدم، عاقدة العزم أن تبقى عمان على هذا المسار الصحيح حيث الخطط والرؤى لا تظل أحلاما ونظريات بل هناك إرادة قوية وصادقة لتحويلها إلى نتائج ومؤشرات فعلية تؤكد الاستمرار في درب التقدم ونجاح التنفيذ.

وإذ تعيش عماننا الحبيبة أفراح العيد الوطني المجيد نرفع التهاني إلى المقام السامي لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم والشعب العماني الأبي بهذه المناسبة، ونسأل الله أن يعيدها على جلالته بالخير والهناء، ويديم على بلادنا الغالية نعمة الأمن والأمان، ويسمو بهذا الوطن العظيم إلى ما يصبو إليه من تقدم وسؤدد.