الملف السياسي

فوائد عربية كبيرة وتحديات يمكن التغلب عليها

15 يوليو 2019
15 يوليو 2019

د. الطيب الصادق -

لا شك أن هناك فوائد عديدة ستعود علي الدول العربية من إنشاء منطقة التجارة الحرة الإفريقية التي تعتبر سوقا تجاريا مرفوعا عنه الجمارك والحدود والقيود والبيئة التشريعية بين الدول الإفريقية بعضها البعض، وهو ما ينعكس بالإيجاب على الدول العربية المتواجدة في القارة السمراء من ناحية وعلى الدول الخليجية والعربية الأخرى غير المتواجدة في القارة الإفريقية من ناحية أخري، كما أن الدول الإفريقية نفسها ستكون المستفيد الأول من هذه الاتفاقية بعد تنفيذها وإطلاق منطقة التجارة الحرة التي ستوحد 1.3 مليار نسمة وتخلق أكبر منطقة اقتصادية في العالم يصل حجمها 3.4 تريليون دولار ما يمثل 3% من الناتج الإجمالي العالمي، وتضم 54 دولة وتسهم في زيادة حجم التجارة البينية الإفريقية من 17 في المائة إلى 60% بحلول عام 2022.

من المعروف أن اتفاقية التجارة الحرة القارية ستعمل على إطلاق إمكانات إفريقيا الاقتصادية بعد تعثر طال أمده من خلال دعم التجارة البينية، وتخرج القارة السمراء من كونها مستودعا عالميا لتصدير المواد الخام، إلى منتج ومستغل للموارد حيث تهدف الاتفاقية بالأساس إلى تحقيق الكثير من المميزات والتي تتضمن إنشاء سوق موحدة للسلع والخدمات التي تعمل على تسهيل حركة المستثمرين وسهولة تنقل الأفراد ورؤوس الأموال بين الدول الإفريقية بما يمهد الطريق لإنشاء اتحاد جمركي موحد في القارة الإفريقية؛ كما أنها ستطور البنية الأساسية والتنمية الصناعية في دول القارة وتوسع التجارة البينية الإفريقية من خلال توحيد وتنسيق عمليات تحرير التجارة وأنظمة وأدوات التسهيلات التجارية وستعمل الاتفاقية على تسهيل حركة الأشخاص ونقل الخبرات الفنية والخدمات المتصلة بالتجارة وتشمل الاتفاقية أيضا خدمات الطاقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والخدمات المالية والتعليمية والصحة والخدمات المهنية ذات الأهمية الكبرى للنمو الاقتصادي المستدام، كما ستقوم الاتفاقية بإزالة القيود التي تواجه عملية التكامل التجاري على المستويين الإقليمي والقاري وتدفع نحو تحقيق معدلات أعلى للنمو الاقتصادي الإفريقي بالإضافة إلي ذلك تدعم الاتفاقية المنافسة في مجال الصناعة والأعمال واستغلال الفرص المتاحة بالدول الأعضاء لزيادة الإنتاج والوصول للأسواق القارية وإعادة تعبئة الموارد بالقارة الإفريقية وتوفير المزيد من فرص العمل وخاصة للشباب.

لكن هناك سؤال يطرح نفسه حول أوجه استفادة الدول العربية والخليجية من هذه الاتفاقية؟ وهو ما يجعلنا أن نشير إلى أنه يمكن إقامة تعاون وتكامل بين الدول الإفريقية والخليجية والدول العربية غير الإفريقية والاستفادة من علاقات الأخوة مع الدول العربية الإفريقية لتعزيز هذا التعاون، خصوصا أنه يمكن أن يكون هذا التعاون من خلال التكتلات الاقتصادية أو الهيئات في منطقة الخليج أو من خلال الدول منفردة والعلاقات الثنائية بين الدول وهو ما يفتح أسواقا جديدة لتصدير المنتجات الخليجية والمواد البترولية للقارة السمراء، كما أن القارة الإفريقية ستفتح أبوابها للمستثمرين من كافة دول العالم وبما أنها أرض خصبة لاستقبال الاستثمارات فيمكن للدول الخليجية والعربية أن تستغل الوقت الحالي الذي يعد أفضل فرصة سانحة لتوسيع الاستثمارات العربية في إفريقيا بعد أن شهدت دول القارة السمراء تحسنا ملحوظا، بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام، نتيجة لزيادة الطلب العالمي عليها، كما أن العديد من الدول الإفريقية عززت من إصلاحاتها الإدارية والقانونية لتوفير المناخ الاستثماري المناسب، وستعمل اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية علي تذليل كافة العقبات أمام المستثمرين مما يساهم في تحسن مناخ الاستثمار ويحتم علي سرعة التواجد العربي في إفريقيا ومنافسة تدافع كبار المستثمرين والتكتلات الاقتصادية في العالم، وخصوصا الصين والهند وتركيا، فضلا عن دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية واليابان ودول شرق آسيا وأمريكا اللاتينية الذين أدركوا مبكرا أهمية القارة الإفريقية.

ورغم كل هذه الفوائد لكن هناك تحديات تبدو أنها ضخمة لكن يمكن مواجهتها في حالة تضافر الجهود بين الدول الإفريقية بعضها البعض في ظل وجود الإرادة السياسية لزعماء القارة السمراء، ومن هذه التحديات عدم وجود بنى أساسية مع تهالك شبكات الطرق والسكك الحديدية التي لا تسمح بسهولة تنقل الأشخاص والبضائع جوا أو برا، مع نقص مشروعات البنية الأساسية بشكل واضح وعدم كفاءة أنظمة الاتصالات في عدد كبير من دول القارة الإفريقية ولذلك ستحتاج تلك الدول لتمويلات ضخمة لبناء بنية أساسية قوية ويمكن التغلب علي هذا التحدي من خلال مشاركة شركاء ماليين من خارج القارة السمراء لعقد شراكات مختلفة معهم، كذلك من التحديات أن هناك اضطرابات سياسية وحروبا بين بعض الدول الإفريقية في مناطق متعددة ويمكن من خلال الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة وقف هذه الحروب واللجوء إلي الحلول السلمية كما تمت المصالحة التاريخية بين إثيوبيا وإريتريا وهو ما يساهم في إيجاد مناخ استثماري في القارة الإفريقية، كما أن هناك عددا كبيرا من الدول الإفريقية يعاني من الفقر رغم امتلاكه للعديد من الموارد والمقومات الاقتصادية وهذا الفقر نتيجة لتواجد المستعمر الأجنبي في هذه الدول حتى الآن ونهب منظم لمواردهم وهو ما يستوجب تكاتف الدول الإفريقية في الاتحاد الإفريقي لوقف هذا الاستعمار والعمل على تحرير اقتصاد الدول الإفريقية من المستعمرين كما أن انتشار الفساد في عدد كبير من الدول الإفريقية يمثل عقبة كبرى تعرقل النمو الاقتصادي والتكامل بين دول القارة وهو ما يتطلب العمل على مكافحة الفساد بشكل سريع، كذلك يجب إعادة النظر في الأطر التشريعية والقانونية التي تخص المجال الاقتصادي في كل دول القارة ويجب توحيدها بقدر المستطاع وتقاربها لتتوافق مع بعضها البعض وتتناسق خصوصا في الضرائب أو الجمارك أو التسهيلات الأخرى لكي تسهل عمليات التبادل التجاري والتنمية الاقتصادية، كما أن معظم الدول الإفريقية تنافس بعضها البعض وتعمل بشكل غير متكامل وهو ما يعيق إقامة أية تكتلات اقتصادية نتيجة لضعف اقتصاديات هذه الدول التي تنافس بعضها البعض لذلك يجب وضع رؤية محددة واستراتيجية واضحة تنطلق من خلالها الدول الإفريقية للتكامل بدلا من التنافس، كما أن هناك تحديات تواجه الاستثمار العربي في القارة السمراء وهو ما يجب وضعه في الاعتبار ويتمثل أبرزها في أن هناك مخاوف أبرزتها الدول العربية من قبل بسبب المخاطر التي تواجه استثماراتها في القارة السمراء حيث اعتبرت أن هناك مخاطرة في توجيه الأموال نحو إفريقيا بسبب عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي وعدم وجود بنية تشريعية في هذه الدول لكن من المتوقع بعد دخول اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية حيز التنفيذ سيكون المناخ مهيئا للاستثمار في هذه المنطقة وفتح شهية المستثمرين لوجود ضمانات حقيقية من الدول الكبرى في القارة والتي ستكون ضامنة لتحقيق هذه الاتفاقية مع الأطراف الدولية التي ترى أن إفريقيا يمكن أن تصبح قوة اقتصادية عالمية تغير قواعد اللعبة على المستوى الاقتصادي.

وفي النهاية يمكن القول: إن اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية، سيكون لها فوائد كبيرة على دول القارة السمراء وعلى الدول العربية والخليجية التي يمكن أن تستفيد من الاستثمار في هذا السوق العالمي الواعد والجاذب للاستثمار من كل دول العالم والذي يحتوي على أهم الموارد العالمية ويعزز الموقع الجغرافي الذي يقارب بين الدول الإفريقية والعربية هذا التعاون فضلا عن العلاقات التاريخية الجيدة بينهم مما يثمر بفوائد اقتصادية كبيرة على جميع الأطراف.