humdah
humdah
أعمدة

وماتت دانة

19 مايو 2019
19 مايو 2019

حمدة بنت سعيد الشامسية -

[email protected] -

كنت أتصفح المواقع بهدف التحضير لموضوع حديثي في الأمسية الرمضانية التي اخترت لها عنوان «أبناء الآيباد»، عندما وقعت على خبر وفاة الطفلة «دانة» إحدى بطلات «السوشيال ميديا» كما بات يعرف مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، وهي طفلة لم تبلغ العاشرة من العمر بعد، وقد أعلن أن سبب الوفاة كان بالسكتة القلبية، مما جعلني أبحث عن أسباب السكتة القلبية لدى الأطفال، وأتتبع أيضا حساب الصغيرة الذي يبدو أنه بإشراف والدها، قادني هذا البحث إلى حسابات أخرى لأطفال في أعمار متفاوتة، يضعهم والديهم تحت ضغط نفسي، ويستثيرون مشاعرهم بشكل مؤلم جدا من أجل انتزاع ردة فعل طفولية بريئة تكسبهم عددا أكبر من المتابعين، وعددا من ضربات الإعجاب، طفلة خليجية صغيرة كان والدها يسألها إن كانت تحب الشهرة التي وصلت إليها، فكانت إجابتها التي لم تدهشني: «لم أعد أحبها لأنها لا تعطيني مجالا للعب والاستمتاع بوقتي، فالجميع يريدون التصوير معي، لكنني أريد أن ألعب».

بحثي قادني إلى حساب طفل عماني يخضعه والده لشتى أنواع المقالب، والسخرية المؤلمة، من أجل إضحاك الناس عليه، في انتهاك وجدته مؤلما لبراءة الطفولة، واعتداء صارخ على حريته وخصوصيته، ترى كيف سيكون شعور طفل كهذا عندما يكبر ويكتشف بأن حياته بأدق تفاصيلها، ومواقفه المحرجة كان أحب الناس إليه، ومن ائتمنه رب العباد عليه، استغلها لكسب المال، وجعل منه سخرية للآخرين.

ما زلنا نتذكر بعض المقالب التي وضعنا فيها عندما كنا صغارا، مجرد تذكرها يثير فينا ألما وإحراجا، رغم كل هذه السنين، ورغم يقيننا بأن لا أحد ربما يتذكر تلك المواقف سوانا، لكنها ما زالت تؤلمنا، فما بالك بمن سجلت له هذه المواقف ونشرت على الملأ وستظل محفوظة إلى أن يشاء الله تتداول وتستغل للتسلية في جلسات السمر.

السكتات القلبية لدى الأطفال أسبابها متعددة، لكن من الأسباب التي ربطتها شخصيا بوسائل التواصل هي المشاعر القوية التي يتعرض لها الطفل فرحا كانت أم حزنا أم غضبا، ومفاجأة الأطفال وتخويفهم، وهذا طبعا سائد جدا لدى أبطال شبكات التواصل الصغار الذين يعرضون إلى كل هذا من أجل انتزاع ردة فعل تجلب متابعا جديدا، أو «لايك» إضافيا على الموقع.

هل تستحق الشهرة والمال المتاجرة ببراءة الطفولة إلى هذا الحد البشع؟! وبما أن الوالدين هما من يرتكب هذه الجرائم في حق الطفولة، فمن المسؤول عن حماية براءتهم، وإنسانيتهم وحريتهم وحقهم في العيش الطبيعي الذي يحترم كرامتهم كأطفال وبشر؟ مجرد تساؤلات.