1184941
1184941
المنوعات

توصية بإثراء المكتبة العربية بالمؤلفات الفنية.. وإنشاء مؤسسات تعنى بالشأن البصري

08 أبريل 2019
08 أبريل 2019

ضمن فعاليات ندوة الفنون العربية المعاصرة -

تغطية - شذى البلوشية -

نظمت الجمعية العمانية للفنون التشكيلية صباح أمس ندوة «الفنون العربية المعاصرة وأبعادها الحضارية والفكرية»، تحت رعاية الدكتور محمد بن علي الوهيبي مستشار الشؤون التعليمية بمركز السلطان قابوس للثقافة والعلوم، وحضور مجموعة من الفنانين والمهتمين بالحركة الثقافية.

شارك في الندوة مجموعة من الباحثين الذين قدموا أوراق العمل المشاركة في الندوة التي تلخصت في مجملها حول الحركة الفنية المعاصرة لمختلف الفنون، حيث شارك في جلستي العمل كل من: حسين عبيد، والدكتور هلال الحجري من السلطنة، وفاروق يوسف من الجمهورية العراقية، والدكتور خليل قويعة من الجمهورية التونسية، والدكتورة رويدا الرافعي من الجمهورية اللبنانية، وأشرف الحساني من المملكة المغربية.

دعم الفن وتشجيع الفنان

وقد خرجت الندوة في ختام جلسات العمل بمجموعة من التوصيات أولاها إيجاد جدل تفاعلي بين المبدع والجمهور، وإشراك الجمهور في بلورة القراءات والتأويل، وإخراجه من الهامش، وهذا من شأنه أن يخدم ثقافة التلقي الجمالي والترويج، بالإضافة إلى السعي نحو الارتقاء بالتراث الثقافي، وتعميق وتأسيس مؤسسات تُعنى بالشأن البصري، وتكثيف المؤتمرات والندوات بين كافة الأقطار العربية مع التركيز على الهوية العربية.

ومن التوصيات التي ركزت عليها الندوة أيضا: الاهتمام بنشر الكتب الفنية مؤلفة ومترجمة، والسعي لإقامة معارض عربية مشتركة، بالإضافة إلى الاهتمام بالفنانين الشباب وتشجيعهم على إقامة المعارض الفنية الفردية، كما يأمل الباحثون أن تشكل لجنة أو فريق من الفنانين العمانيين والمختصين في التاريخ الثقافي لزيارة المتاحف والأرشيفات الأجنبية العالمية بهدف توثيق وجمع اللوحات الفنية والرسومات التي انتجها الغرب حول السلطنة، بالإضافة إلى أهمية العناية بالتربية الجمالية التشكيلية في المدارس والنوادي، وإنشاء مؤسسات أكاديمية وثقافية لتعليم الفنون ونشر الثقافة الفنية.

بدأت الندوة بالجلسة الأولى التي أدارها الدكتور هلال الحجري، قدم في بدايتها الدكتور خليل قويعة من الجمهورية التونسية، ورقة عمل تناول فيها مناقشاته الفنية حول مجموعة من الأفكار، ركز في مجملها على دور المتلقي في إنشائية العمل الفني وحياة الأشكال، حيث أوضح أهمية سؤال الجمهور الأسئلة المتصلة بأزمة الفن في العالم العربي، وهو ما ركز عليه الفن على عكس الدراسات الأخرى، وقال قويعة في ورقته: «ما يعيشه الفنانون من تطورات وقفزات وطفرات صاعقة، لم يقابله تطور من جهة (الجمهور) الذي لم يواكب تاريخ الفكر الجمالي الحديث، ولم يتمثل الأجهزة المفاهيمية الملائمة، وبقي في حاجة إلى ثقافة فنية تاريخية تساعده على تحريد منظومة العلامات التي يتعامل معها في مقاربة الأعمال الفنية، والإسهام في مواصلة مسار الإنشاء عبر القراءة والتأويل»، وأضاف أن أزمة سوق الفن تتناسل من أزمة التلقي نفسها في ظل سيطرة سلطة النموذج الذوقي السائد. وسؤال كيف أقتني العمل الفني راجع إلى سؤال كيف أنظر وأقرأ وأفهم.. إذ الاقتناء ليس مسألة مالية واقتصادية، بل هو مسألة فكر وبنية ذوقية ومفاهيمية، تخص مفهوم الفن نفسه الذي يفترض أن يكون مفهوما متحركا.

الفنون الصخرية

وقدم حسين عبيد ورقة عمل تحدث فيها عن «التراث الثقافي العماني بين الهوية الحضارية والخطاب الفني»، بدأها في مقدمة حديثه بالامتداد التاريخي للتراث العماني الثقافي، متتبعا بدقة أثر الإنسان العماني من خلال الزيارة الميدانية التي أثبتت وجود الفنون الصخرية، وعرض حسين عبيد مجموعة من النماذج والصور لهذه الرسومات على الصخور الموجودة في بقاع مختلفة في السلطنة، وقال: «الإنسان العماني دوَّن أثره في مختلف الأماكن، استنادا إلى الدراسات الموثوقة والموجودة في وزارة التراث والثقافة، وعلينا نحن أن نبحث في التفاصيل الدقيقة المختلفة».

وأكد حسين عبيد من خلال ورقته على أهمية الفنون الصخرية التي تعد جزءا من التراث الثقافي، وأوضح أن الفنون لابد أن ترتبط بالهوية والبعد الاجتماعي، فالحضارة العمانية ثرية بالعديد من الموروثات الثقافية، وانتقل بعدها إلى تناول فاعلية التراث في التشكيل العُماني المعاصر مع تسليط الأضواء على بعض التجارب الفنية المختارة، وعرج عبيد في ورقته إلى موضوع الاستنساخ وإشكاليته. واختتم حديثه بأهمية المحافظة على الفنون الصخرية الموجودة في شتى الأماكن في السلطنة وضرورة حمايتها من التلف، فالكثير من المعالم والنماذج تتعرض للتخريب والإهمال، وهذه الفنون ما هي إلا كنز من كنوز الحضارة العمانية الثمينة.

أزمات الفنون البصرية

وانتقلت الجلسة الأولى في الندوة إلى ورقة ألقتها الدكتورة رويدا الرافعي، حملت ورقتها عنوان «الفنون البصرية في الوطن العربي جدل الواقع والتحديات» حيث ركزت في ورقتها إلى أهم الأزمات والعراقيل التي تواجه الفنون التشكيلية لا سيما الفنون البصرية، حيث ركزت على أزمة الأوضاع السياسية كونها أهم أزمات الثقافة في الوطن العربي، وأوضحت أن هذه الأزمات من شأنها أن تكون معوقا أساسيا تعاني منه الفنون البصرية، وقالت: «هذه الأزمات تقف عائقا أمام اكتمال الحداثة الفكرية والتفكير الإبداعي في المنجز التشكيلي العربي الراهن، خصوصا وأن الأحداث العربية في العقود الأخيرة أخذت تصوب على النظام السياسي وتستثني النظام الثقافي الذي أنتجته»، وأكدت على ما تثيره القضايا السياسية من جدل واسع نتيجة ارتباط الفن بها، ووجهت الرافعي سؤالا للجمهور: هل يتفاعل الفنان العربي مع ما يحدث في واقعه؟

وتناولت الورقة بعد ذلك الحديث عن جملة من التحديات الثقافية التي تواجه الفنون البصرية في الوقت الحالي، ولعل أبرزها العولمة التي تهدد الهوية العربية، كما تحدثت عن إشكالية الهجرة والغربة، نتيجة تأثر الفنانين الشباب بالغرب، وقالت إن الاغتراب لقي رواجا كبيرا في الآونة الأخيرة، كما أن الغربة تجلت لدى الفنانين والشعراء والأدباء، وظهر ذلك في أعمالهم المختلفة.

الخيال عنصر الجمال

وانتقلت الندوة إلى الجلسة الثانية بإدارة د. خليل قويعة، عرض فيها الدكتور فاروق يوسف نتاج بحثه في ورقة تحدث فيها عن : «الرسم في العالم العربي بين التأثر الإيجابي والتقليد إما أن تكسر القالب أو تكون صانع لوحات»، أشار فيها إلى أن الفن يرتكز على الموهبة والخبرة والخيال، مؤكدا على أن الخيال هو ما أعطى الجمالية الفنية للعمل الفني، وهو أساس الكثير من الأشياء في حياتنا اليومية، كما أن تكاملية تلك العناصر هي التي تضفي الجمال ونقصان أي عنصر يفقد الصورة كمال مكوناتها الجمالية.

وقال: «في تاريخ الفن هناك الكثير من صناع الصورة وهناك قلة نادرة من الفنانين الفاتحين. وهو ما يفسر غياب الكثير من التجارب التي تبقى في الظل فيما تظل الألسن تردد أسماء بعينها».

تأثير الثيم الاستشراقي

وتناول د. هلال الحجري في ورقته موضوع «عُمان المُتَخَيَّلة: الاستشراق في الفن التشكيلي»، وأشار إلى أن كتاب «الاستشراق» لإدوارد سعيد الذي يعد من أهمِّ الأطروحاتِ في دراساتِ ما بعد الكولونيالية. منذ أن نُشِرَ في سنة 1978، وقال: «ضمن هذا السياق الذي طرحه إدوارد سعيد، يمكن القول إن الفن التشكيلي، خاصة منذ الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798، أسهم بشكل واضح ومباشر في الدعاية الكولونيالية وترسيخ أيدلوجية الاستعمار؛ فقد رافق الحملات العسكرية البريطانية، والفرنسية، والأمريكية، كوكبةٌ من الرسامين الذين كان من بين وظائفهم تصوير الشعوب العربية».

كما تحدث عن نتاج وتأثير كتاب ألف ليلة وليلة الذي ترجمه المستشرق الفرنسي أنطوان جالان في مطلع القرن الثامن عشر، فكان له تأثير السحر على معظم الفنانين والأدباء الغربيين. وتناول الحجري في ورقته مضمون الثيم الاستشراقي، وهو ما وجد في العديد من الأعمال واللوحات التشكيلية في عمان منذ الاستعمار البرتقالي إلى القرن التاسع عشر.

الخطاب الجمالي العربي

وفي ختام الجلسة قدم أشرف الحساني ورقته التي حملت عنوان «في ضرورة تجديد الخطاب الجمالي العربي»، وهو ما تحدث فيه حول مسألة النقد الفني، باعتباره أحد أهم المفاهيم الفكرية المشكلة والمؤسسة للخطاب التشكيلي العربي، فهو جزء لا يتجزأ من العملية الفنية، نظرا لمساهمته بشكل حثيث في صناعة المعنى وفي تفكيك العمل الفني وسبر أغواره بغية صناعة معناه وتعدد وثراء مكوناته الفنية، وما ينضح به من أبعاد جمالية.

وأوضح الحساني من خلال ورقته أن هناك ضرورة ملحة لتكريس النقد ليس كوسيط بين العمل الفني والجمهور، بل كضرورة فكرية تقوم على نقد المزاعم المتداولة لدى المؤسسات الفنية، التي أصبحت مجرد عملية إدارية صرفة، بعيدا عن مفهوم المؤسسة، بحيث يسند الأمر لناقد حصيف أو فنان تشكيلي نبيه، لان هؤلاء يملكون حسا فنيا وجماليا يؤهلهم الخوض في طبيعة المنجز الفني المراد تقييمه وفق شروط علمية دقيقة مسبوقة في تاريخ الفن.