أفكار وآراء

الإنترنت والخلل الفكري.. وتحديات في مواجهة الإرهاب

23 مارس 2019
23 مارس 2019

مروى محمد إبراهيم -

إرهاب يميني .. إرهاب «ديني» .. اختلفت المسميات ولكن الخطر والتهديد والضحايا واحد، فعلى مدار العقدين الماضيين، وتحديدا في أعقاب اعتداءات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة، تضاعفت الاعتداءات الإرهابية وانتشرت في مختلف أنحاء العالم. ربما كان السبب الرئيسي وراءها هي الحرب التي أعلنها الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش ضد الإرهاب والمنبع الرئيسي في الشرق الأوسط، على حد زعمه. وكانت البداية لسلسلة من الحروب والصراعات التي تسببت في انتشار الوباء كانتشار النار في الهشيم في شرق العالم وغربه. ولكن الحروب التي خلقت العديد والعديد من الجماعات المتطرفة الإرهابية لم تكن وحدها السبب في الرعب الذي يعيشه العالم الآن خوفا من الضربة الإرهابية القادمة. فما هي التحديات المعاصرة التي يواجهها العالم للتصدي للإرهاب؟

بل ما هي الاستراتيجية المفترض انتهاجها لمواجهة هذا الخطر الداهم؟.

الأمر لم يعد مجرد جماعات يسهل رصد تحركاتها ومراقبة اتصالاتها والتعرف على أساليبها وأفكارها وهدغها القادم أين ومتى وكيف، بل أصبح هناك ظاهرة أكثر خطورة وهي ظاهرة «الذئاب المنفردة». وهذا التعبير تم إطلاقها على الأفراد أو العناصر الذين أعجبوا بالفكر المتطرف - سواء أكان يمينيا أو إسلاميا- وقرروا انتهاج هذه الأفكار الملتوية واستخدام العنف في تنفيذ الأفكار التي استقاها عادة من الوسيلة الأسهل والبيئة الخصبة للترويج للأفكار الملتوية والمنحرفة، ألا وهي الإنترنت وعلى وجه التحديد وسائل التواصل الاجتماعي «السوشيال ميديا»، والتي أصبحت العدو الأكبر للإنسانية القادر على اقتحام كل المنازل بدون استئذان وبدون شعور أهل المنزل بالخطر الداهم الذي ينتظرهم. فهو خطر عابر للحدود والحواجز. وبالتالي لابد وأن نؤكد أن أول التحديات العالمية يتمثل في ترويض الإنترنت أو السوشيال ميديا. ففي الوقت الذي أصبح فيه الشباب من عمر 10 سنوات إلى 60 عاما أسرى لمواقع التواصل والإنترنت، تؤكد كافة المؤشرات أن الإنترنت هو الخطر الأكبر. فقد كشفت الأشهر الماضية عن سلسلة لا تتوقف من الفضائح ، أولها وأكثرها خطورة هو تجسس هذه المواقع على المستخدمين، وتتبعها لأفكارهم وهواياتهم وأوجه اهتمامهم.

أما الخطر الثاني والأكبر، فهو يتمثل في بيع هذه البيانات إلى العديد من الشركات والتطبيقات الإلكترونية وشركات التكنولوجيا الكبرى. وجنت شركة فيسبوك ومؤسسها ورئيس مجلس إدارتها مارك زوكربيرج المليارات من وراء تسريب وبيع بيانات المستخدمين على مدار نحو 15 عاما. وربما اعترفت الشركة العملاقة ببيع البيانات لشركات إلكترونية استخدمت هذه البيانات في أغراض تجارية، ولكن تبين فيما بعد أنها باعت هذه البيانات ليتم استغلالها خلال الانتخابات الأمريكية التي أثمرت عن صعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة. وهو ما يؤكد أن أحدا لا يمكن أن يتنبأ بالجهات التي يمكن أن تكون قد اشترت هذه البيانات واستغلتها واستفادت منها، ربما كان منها جهات تروج للفكر المتطرف.

كما أن بث الأفكار المتطرفة على منصات التواصل المختلفة أتاح لها فرصة أكبر للوصول إلى مواطنين من مختلف دول العالم، وبالتالي انتشر الإرهاب في دول كانت تعرف من قبل بالدول الهادئة، وتتصدر المؤشر السنوي للسعادة والذي يؤكد أنها دولا لا تعاني من أزمات اقتصادية طاحنة أو حتى أزمات سياسية ، ويتمتع مواطنوها بخدمات اجتماعية وصحية وتعليمية ربما تفتقر لها الكثير من الدول في آسيا وأفريقيا.

وهو ما يعني أن الشخص الذي يقع فريسة للفكر المتطرف كان لديه الاستعداد من البداية للانحراف بشكل أو بآخر وكان مهيئا للاقتناع وتقبل أي أفكار ملتوية يجدها في طريقها، بدون التفكير في صحتها بشكل منطقي وبدون الالتفات إلى مدى وحشيتها. لنصل بذلك إلى تحد آخر مهم وهو توفير الرعاية النفسية والاعتراف بأنها لا تقل أهمية عن الرعاية الصحية. ففي الواقع، صحة الإنسان تبدأ من عقله وتفكيره وليس من جسده فقط. وفي بريطانيا على سبيل المثال أطلقوا وزارات الرعاية النفسية والعقلية. وهذه الوزارات مهمتها توفير نوعا جديدا من الرعاية لم تحظ به الشعوب من قبل وهو رعاية عقولهم وأرواحهم منذ نعومة أظفارهم لضمان أجيال سوية وسليمة صحيا ونفسيا. وهو ما بدأته بريطانيا بالفعل، حيث أطلقت حملة واسعة للكشف عن الصحة النفسية لأطفال المدارس. كما أن نيوزيلندا، التي شهدت مذبحة مسجدي «كرايست تشيرش»، تعتبر من أوائل الدول التي بادرت بإنشاء مثل هذه الوزارات. وهو ما يعني أنهم رصدوا بين السكان قدرا من الخلل النفسي، وهو ما استدعى إنشاء وزارة كاملة تضمن توفير أفضل نظام صحي نفسي للرعاية والعلاج.

وهذا يدفعنا للتساؤل عمن هو الإرهابي أو «الذئب المنفرد» على وجه التحديد، ما هي شخصيته وتوجهاته؟ والإجابة ببساطة أن الإرهابي عادة ما يكون شخصا انطوائيا يعاني من الفشل في حياته ، بلا هدف، بائس فشل في العثور على السعادة وفشل في إيجاد هواية أو شغف ما يحتويه، تعرض لنوع رهيب من التلاعب والتضليل الفكري نتيجة لأن وحدته دفعته لأن يكون أسيرا لوسائل التواصل الاجتماعي، لتحركه وتوجه أفكاره كيفما شاءت. ليصبح الأمر أكثر خطورة. ويتحول هذا الشخص إلى شبه منوم مغناطيسيا، بل في واقع الأمر تحول هو شخصيا إلى قنبلة موقوتة على أتم استعداد للانفجار في أي لحظة بلا هوادة. ليدمر العشرات بل المئات والآلاف من حوله. فمنفذ مذبحة كرايست تشيرش لم يقتل 50 بريئا فقط، ولكنه ألحق الضرر بعشرات العائلات، وأصاب الجالية الإسلامية كلها بالفزع وبث الرعب في قلب الشعب النيوزيلندي ككل. فالكل يتأهب حاليا للضربة الإرهابية الجديدة ومن أين ستأتي، وكم ستحصد. وهل ستتمكن أجهزة الأمن من منعها قبل أن تحصد أرواح العشرات وربما المئات والآلاف من شعوب العالم أجمع. أما التحدي الثالث، فيتركز ببساطة في تمرير تشريعات قادرة على وضع حد لانتشار السلاح، خاصة في أوروبا وأمريكا ونيوزيلندا وأستراليا. فقوانين تجارة الأسلحة الصغيرة في هذه الدول رخوة للغاية، حتى أن أي شخص بالغ قادر على شراء سلاح بدون إجراءات تضمن كيفية استخدامه لهذا السلاح، وهل يتمتع بالثبات النفسي لحمل سلاح أم وما إلى ذلك. وأغلب الدول الغربية تعجز عن مواجهة مافيا السلاح، خاصة وأن الدساتير الغربية تضم بنودا تؤكد أحقية المواطن في حمل سلاح. وهذا ما أدى إلى وصول البنادق الآلية والرشاشات إلى أيدي أشخاص غير أسوياء ارتكبوا بها أفظع الجرائم ولا أدل على ذلك من سفاح لاس فيجاس ونيوزيلندا ومن قبلهما النرويج وغيرهم الكثير والكثير، الذين حصدوا الأرواح بلا رادع ، بل وبتسهيلات حكومية في أغلب الأحيان. إن الإرهاب هو وباء العصر، ولكن التصدي للجماعات الإرهابية بالقوة العسكرية وبقوانين مكافحة الإرهاب ليست كافية. فالأخطر أن عصر التكنولوجيا الحديثة خلق إنسانا غير سوي يعاني من خلل لابد من إصلاحه حتى يتمكن من الوقوف بقوة في وجه التحديات والأعداء التي تسعى لاستخدامه كآلة للتخريب؛ فتنظيم داعش الإرهابي ليس وحده العدو ولا الفكر اليميني المتطرف هو العدو الأكبر، ولكن العدو الأخطر هو أسلوب الحياة المعاصرة التي تحولت إلى بيئة خصبة للتطرف والانحراف وتقبل الأفكار غير السوية أيا كان شكلها.