Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ :فكرة الأفضل .. مهلكة ومؤذية

22 مارس 2019
22 مارس 2019

بقلم: أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

كثيرون منا يوقعون أنفسهم في مأزق المنافسة، مع أن المنافسة أمر مشروع إلى حد كبير؛ في سياقه الطبيعي؛ فمن دون المنافسة لن يكون هناك محاولات للبناء، وللتغيير، كما أن المنافسة- في حد ذاتها- تملأ فراغات الوجدان التواقة الى السمو، والتميز، والتفرد، وهذه كلها تجاذبات نفسية يعيشها كل إنسان فينا، ولا ينكرها أحد البتة.

لكن المغالبة تبدو أكثر عند المبالغة في البحث عن التميز بأي ثمن، حتى وإن كانت مؤهلات الفرد غير متوافقة مع مجريات المنافسة، أو المسابقة، «ورحم الله امرئ عرف قدر نفسه» وقد تكون لأسباب معرفية أو جسدية أو مادية، أو بسبب مجموعة المواهب التي يملكها الفرد غير متحققة عند فرد آخر، ولعل مقولة: «القناعة كنز لا يفنى» هي على قدر كبير من الأهمية في مثل هذه المواقف التي نسمع عن أمثلتها الكثير من الأحداث والممارسات بين أفراد المجتمع الذين يبالغون في الحرص على أن يكونوا مجيدين ، وكل المجتمعات تعيش الرتم نفسه من السلوكيات في أفرادها، وهنا استحضر موقفا يذكره لي أحد الأخوة، وهو أنه يعرف اثنين من أبناء المجتمع، واحد حباه الله مواهب متعددة، وأسبغ عليه بكثير من النعم، فغدا في مجتمعه ذا مكانة واستحسان، والآخر أحد جيرانه على العكس من ذلك تماما، فظل هذا الأخير ينافس الأول في كثير من ممارسات الحياة اليومية، وحمل نفسه تكاليف مادية ومعنوية، ومع ذلك كله لم يصل إلى ربع ما عند صاحبه، فعاد بـ «خفي حنين» كما يقال، فهل ثمة ضرورة إلى ذلك كله، ولو استطاع تسخير إمكانياته التي وهبه الله إياها فيما هو فيه، لعاش مطمئن البال مرتاح الضمير، يواد صاحبه، ولا يناصبه العداء.

وهنا مقاربة موضوعية لذات الصورة قرأتها ضمن ما قرأته من الرسائل التي تصلني عن طريق وسيلة الـ «واتساب» وهي عبارة عن: «صورة تظهر سباق للسرعة أجري بين الكلاب وبين فهد «الشيتا» كي يعرفوا من الأسرع فيهما! حيث تفاجأ الجميع بأنّ الفهد لم يتحرك من مكانه فسألوا منسق السباق ما الذي حصل؟ ونحن كنا متوقعين غير ذلك!! فكان رده بعد ما شاهد هذه الصورة؛ قال: «أحيانا محاولة إثبات أنك الأفضل تعتبر إهانة» والقصة في مظهرها ليس شرطا أن تكون بهذه الصورة التي تروى، ولكن وضاع القصة أو المشهد، أراد أن يوصل رسالته بالعبارة التي قالها.

والمقاربة الأخرى التي أراها على تماس كبير، هي المتمثلة في قول الشاعر: «تموت الأسد في الغابات جوعًا: ولحم الضأن تأكله الكلاب» هي ليست ببعيدة عن هذا المعنى، فالذين يتسامون بأنفسهم عن التماهي بين ممارسات الغوغاء من الناس، يقينا؛ لن يكون لهم فضل السبق في التهاوي على موائد اللئام، وبمواقفهم هذه قد يفوتهم الكثير، ولكن المهم أنهم حافظوا على كرامتهم من الامتهان بالوقوع في الفعل السيئ، أو تواجدهم في الجمع السيئ، ولذلك قيل أيضا: «لا يأكل اللذات إلا الجسور» وهذه الجسارة تقتضي فيما تقتضيه -حسب العرف العام- التنازل عن كثير من القناعات، والمثل العليا، وإلى التماهي في سلوكيات العوام من الناس، الذين بحكم؛ محدودية الوعي، أو الفطرة؛ يرون في مثل هذه الممارسات شيئا من الجسارة، وهم بذلك يحظون بما لا يحظى به الطرف الآخر المتحفظ على كثير من ممارسات العامة.

هناك فئة غير قليلة في أي مجتمع إنساني تمتهن كرامتها بسلوكياتها المتواضعة، على الرغم مما تتلقاه من الطرف الآخر من تعمد في إهانتها، وفي تحقيرها، ولكن نذالة الأصل لا تساعدها على الترفع عن ممارسة السلوكيات المشينة في حق نفسها، ولذلك تلقى الكثير مما يُضعّف من مكانتها كحالة إنسانية؛ ويفترض أن تحظى بالتقدير والاحترام، والسؤال الختامي هنا: هل ثمة ضرورة تستدعي أي فرد لأن يتنازل عن قناعاته وأخلاقه ليثبت أنه الأقوى، وأنه المتميز؟