إشراقات

جمال بلا حدود «2-2»

21 فبراير 2019
21 فبراير 2019

علي العلياني -

جمال النظافة هو وقاية من الأمراض. وكما يقال: «درهم وقاية، خير من قنطار علاج». فالنظافة حاجز منيع عن الأمراض، وذلك من خلال نظافة البدن والملبس والمكان هي محاربة للحشرات الضارة وإبعاد مكامن الجراثيم والبكتيريا الضارة، وبالتالي قطع أسباب معظم الأمراض.

وجمال النظافة يساعد النفس على تجاوز معظم الأمراض النفسية التي هي سبب معظم مراجعة المستشفيات عند الكثير من الأشخاص.

والنظافة أساس إزالة كل الروائح الكريهة وغير المقبولة التي تسبب أزمات في الشعب الهوائية والرئتين ومجاري الجهاز التنفسي. فالزكام والانفلونزا والسعال أساسها البيئة غير النظيفة المملوءة بالجراثيم والموبوءة بالبكتيريا.

وجمال النظافة أساس تعاون الجميع وبالتالي الكل ينعم بالراحة التي يخلقها هذا الجمال في كل الأوقات. وكوننا نعيش في جو محيط مفعم بالأمل والحيوية والنشاط، فهذا يشجع على استمرار إيحاء الجمال اللازم ليصل إلى أهدافنا في هذه الحياة بكل أريحية.

وجمال النظافة قائم على عشقنا للجمال، وخاصة جمال الطبيعة، وبالتالي يجب أن يكون دورنا في وجود هذا الجمال واستمراريته، رئيسيًا وليس هامشيًا. فلا تجلس تنتظر من الآخرين أن يبادروا، بل يجب علينا المبادرة دون التواكل المفضي إلى الضياع الذي يحرمنا من متعة الجمال ويدخلنا في دوامة الضيق والتأفف والضياع النفسي، وبالتالي غياب الحماس والتحفيز وحب العطاء بسبب فقدان الجمال اللازم لاستمرار ديناميكية الحياة في أفضل صورها.

وجمال النظافة يعني أن يكون لدينا الحافز الذي يدفعنا لإزالة أسباب غياب الجمال بدل أن نعتبر هذه الأسباب من المعوقات، فهناك فئات تعتبر إزالة الأسباب المشوهة تحقير وإهانة له ويجلس المسكين يحسب أنه أحسن صنعاً عندما ترك أي مخلفات أو لم يشارك في صون الطبيعة من كل الأضرار. وهذا لعمري هو قصور في النظر وإعاقة ثقافية خطيرة.

وجمال النظافة هو أغلى جمال، فهو لا يتوقف على الشكل الخارجي ولا ...، بل يتعدى إلى المحافظة على سلامة هذا البدن من الأمراض وصيانة الطبيعة من كل ما يدمر سحرها وجمالها الذي يساهم بشكل كبير في خلق جو من الأسس والراحة النفسية.

جمال النظافة هو جمال متاح للجميع كباراً وصغاراً. إذاً هو منظومة للسلامة والراحة النفسية والصحة العامة والخاصة. معنى هذا الكلام أنه مصدر سعادة للجميع، مما يساعد على خلق مجتمع متجانس متآلف بعيداً عن العقد النفسية التي تسبب الإحباط المؤدي إلى اقتراف الجرائم التي تقض مضاجع الجميع وتؤدي إلى تردي المجتمع والتأثير سلباً على عطائه وإنتاجه. فكما أن الخير يعم الجميع بجمال النظافة، فإن العكس يسبب دماراً وقلقاً واضطراباً اجتماعياً، حيث يظل غير مستقر، مما يساهم في نشر الخوف على المال والعرض، وبالتالي تتحول كل الطاقات الإيجابية إلى طاقات إما معطلة موقوفة على الخوف والهلع، أو طاقات سلبية تؤثر تأثيرا سيئا مباشرا.

جمال النظافة يوصل إلى جمال الروح. فالذي يعيش الجمال أينما ذهب، وفي ليله ونهاره، لا بد أن ينطبع هذا الجمال على روحه فتغدو روحاً فرحة، ترسل إشارات إلى المخ الذي يرسلها بدوره إلى الشفتين، يتولد من خلالها ابتسامات ساحرة تأسر القلوب وتأخذ بمجامع الألباب.

جمال النظافة يساعد الشخص على أداء دور هام مما يجعله يحس بالرضا على أنه أدى دوره تجاه مجتمعه، مما يساعد في تقوية الروابط والوشائج بين أفراد المجتمع. وهذا يساعد على تماسك المجتمع المفضي إلى بذل المزيد من العطاء المفضي إلى الازدهار.

جمال النظافة هو بمثابة دورة تدريبية وقدوة للأجيال الصاعدة، فإن الأجيال الناشئة تستلهم من خلال معايشتها لكيفية الطريقة التي تواريها دورة الحياة الخاصة والعامة دروساً وعبراً مما يساهم في استمرار جمال النظافة جيلاً بعد جيل كمنهج حياة. وهذا يساعد على ديمومة الحفاظ على النظافة سواء الخاصة أو العامة.

جمال النظافة هو جمال نابع عن قناعات شخصية قائم على أداء دور كل واحد في هذا المجال من خلال قناعته بأهمية هذا الجمال في إثراء حياته والمحافظة على صحته النفسية والبدنية. وأيضاً لأنه يعلم أن سلامة الآخرين من الأمراض والأوبئة مرتبطة بسلامته هو من الأمراض، فهو ابن مجتمعه، فما يصيب المجتمع من خير أو شر، له نصيب منه. وبالتالي المشاركة هنا تكون طواعية عند من يفقه قيمة جمال النظافة، ويعي المخاطر المحدقة عند التواني والتقاعس أو التواكل.

جمال النظافة هو الجزاء الوحيد الذي يجزي صاحبه في الدار الآخرة، إن هو ابتغى به وجه الله واليوم الآخر. فإزالة الأذى عن الطريق، وإسباغ الوضوء على المكاره، ونظافة الملبس واليدان، كلها أعمال يجزى فاعلها الجزاء الأوفى. هنا تكون سعادة في الدنيا والآخرة.

جمال النظافة هو أن تبذل القليل مقابل الكثير. فعندما تنظف ملبسك أو بدنك أو فناء دارك أو طريقك الذي تسلكه، فإنك تؤدي دوراً لا بد منه لتستمر حياتك كما ينبغي. لكنك في الحقيقة تأخذ بسبب هذا السلوك اليومي الاعتيادي الكثير والكثير. فكم تساوي سعادتك النفسية، وكم تساوي صحتك وأن تكون بعيداً عن الأمراض المعدية وأذية الحشرات الناقلة للأمراض كالذباب والبعوض.

جمال النظافة هو الجمال الذي لا يشترى بالمال، بل لا بد أن يكون الشخص له دور فعال لكي يصل إلى قمة هذا الجمال، ويكون ناجحا في دواء علله وأمراضه. وإذا لم يكن متفاعلاً مع المحيط الذي يعيشه فأكيد أنه لن يصل إلى نتيجة مرضية، لا في جانب الصحة النفسية ولا البدنية.

جمال النظافة هو الجمال الوحيد الذي يأسر قلبك في كل لحظة وكل حين، فأنت تعيش تفاصيله باستمرار، وبالتالي فهو سعادة دائمة لا تجدها في شيء آخر.

جمال النظافة هو متنوع بتنوع الحياة الموجودة. فليس له مجال معين يخصه، ولا ناحية واحدة تحتويه، ولا يقتصر على أشخاص بعينهم. كما أن الجميع يشارك في صنعه والاستمتاع به، إلا من أراد أن يتخلف عن الركب بنفسه طوعاً واختياراً.

جمال الطبيعة يرتقي ويتطور كلما ازدادت ثقافة المجتمع وكلما كان هناك وعي وإدراك بأهميته وقيمته في كل مناحي الحياة.

وهكذا رأينا من خلال ما تقدم، أن جمال النظافة هو جمال أخاذ آسر، لا غنى لنا عنه إذا أردنا أن نحيا حياة سوية خالية من الأمراض والرتابة والسآمة والملل، وإذا أردنا أن نحس بقيمة هذه الحياة ومتعتها وجمالها الحقيقي.