980585
980585
تقارير

حياة اليأس للاجئين ... طردتهم أستراليا إلى جزيرة ناورو

11 سبتمبر 2018
11 سبتمبر 2018

ضاحية يارين (Nauru) - (أ ف ب): حاولت زوجة الصومالي خضر حريصي مرارا الانتحار كما حاولت إيرانية (12 عاما) أن تضرم النار في جسدها، تلك بعض قصص معاناة لاجئين بلا أفق أو أمل أو عناية صحية تخلت عنهم أستراليا ويعيشون الآن في جمهورية ناورو الجزيرة الصغيرة جدا في المحيط الهادئ.

احتضنت جمهورية ناورو أصغر بلد جزيرة في العالم مؤخرا منتدى جزر المحيط الهادئ لكنها منعت الصحفيين من الوصول إلى مخيمات احتجاز اللاجئين التي تطرد أستراليا إليها المهاجرين السريين الذين يحاولون الوصول إليها بحرا. غير أن فرانس برس تمكنت من دخول المخيمات ولقاء لاجئين معظمهم طلب إخفاء هويته لدواع أمنية.

وفي ناورو التي يقطنها 11 ألف شخص، يعيش نحو ألف مهاجر بينهم مائة طفل في ثماني مخيمات تمولها أستراليا وبعضهم يقيم فيها منذ خمس سنوات، بحسب ما أفادوا.

وفي المخيم رقم 5 الذي وصله فريق الوكالة بالالتفاف على طريق وتحت شمس حارقة ووسط تلال صخرية أراد الصومالي حريصي أن يقدم شهادته بوجه مكشوف.

فهو لم يعد خائفا أو لديه ما يملكه فزوجته توقفت عن الكلام ووجهها خال من أي تعبير. ولا يكاد حريصي يفارقها بسبب حالة الاكتئاب التي تعيشها فقد حاولت مرارا الانتحار في الأيام الأخيرة، كما يقول الزوج، وقال: إنه ذات مرة «حين أفاق من النوم كانت بصدد كسر» شفرة حلاقة «كانت تنوي ابتلاعها مع الماء».

مشاكل نفسية

يؤكد حريصي أنهما ذهبا عدة مرات إلى مستشفى ناورو الممول من أستراليا لكن المسؤولين هناك رفضوا العناية بهما. وقال «ذات ليلة اتصلوا بالشرطة وأخرجونا». ويعالج المخيم رقم1 المرضى كما أفاد لاجئون. لكنه لا يستقبل إلا خمسين شخصا والطلبات أكثر بكثير خصوصا أن الكثير من المهاجرين يعانون مشاكل نفسية بسبب عزلتهم في الجزيرة.

ويقول سكان المخيمات: إن عمليات نقل المرضى منهم إلى أستراليا نادرة. وتندد المنظمات غير الحكومية بسياسة الهجرة المتشددة جدا التي تتبعها أستراليا.

ومنذ 2012 تطرد سلطات كانبيرا التي تنفي ممارستها أي سوء معاملة، بشكل تلقائي كافة المراكب غير القانونية ومعظمها من أفغانستان وسريلانكا ودول الشرق الأوسط.

ومن يتمكن من التسلل يتم إرساله إلى جزر معزولة في المحيط الهادئ. وحتى إذا اعتبر طلب لجوء أحد منهم شرعيا، لا يستقبلون البتة في أراض أستراليا.

وندد مركز اللجوء الأسترالي ومركز موارد طالبي اللجوء مؤخرا بالآثار النفسية المدمرة للاحتجاز غير المحدد خصوصا بالنسبة للأطفال.

وكتبا «من شاهدوا تلك الآلام قالوا إنها أسوأ من كل ما شهدوه حتى في مناطق الحروب. حتى أن أطفالا في عمر السابعة أو الـ12 عاما حاولوا الانتحار مرارا، البعض يلقي على نفسه البنزين ويعيش في صدمة بقية حياته».

وحاولت إيرانية عمرها 12 عاما التقتها فرانس برس الانتحار حرقا. وهي تعيش في ناورو منذ خمس سنوات مع والديها البالغين من العمر 42 عاما وشقيقها (13 عاما). ويمضي الطفلان نهارهما جاثيين في السرير بينما جسد الأم مليء بالتقرحات وتقول إنها لا تتلقى أي علاج.

بنزين وولاعة

ووجد الأب مؤخرا الطفلة وهي ترش جسدها بالبنزين. قال «تناولت ولاعة وصرخت-اتركني لوحدي، أريد الانتحار، أريد أن أموت-»، وخرج ابنه ببطء من السرير وقال بصوت خافت «لا مدرسة لي ولا مستقبل ولا حياة».

وغير بعيد من المكان كتبت على برميل حروف «ايه بي اف» (قوة الحدود الأسترالية) التي يهابها اللاجئون، وصليب معقوف. ويتحرك هؤلاء بحرية في الجمهورية الجزيرة التي تبلغ مساحتها 21 كلم مربعا.

واستقبل كادر صديقا هو حارس مرمى محترف كاميروني سابق روى أنه أنقذ جارا كان بصدد شنق نفسه. وعثر على صديقه المقرب ميتا وقد امتلأ أنفه وعيناه دما، دون أن يعرف سبب الوفاة.

ولا آفاق أو عناية صحية في المكان. وقال البورمي أحمد عامر شريف الذي تدمع عيناه باستمرار وعنده مشكلات في القلب إنه يمضي أيامه على كرسي ينظر إلى الطريق.

ويندد الحقوقيون بظروف رهيبة ويوردون اتهامات باعتداءات جنسية وجسدية، وتنفي سلطات الجزيرة ذلك. وقال بارون واكا رئيس ناورو أن اللاجئين «يمارسون حياتهم بشكل طبيعي مثل باقي مواطني ناورو .. ونحن سعداء جدا بالعيش معا». لكن اللاجئين يقولون: إن علاقتهم بمواطني ناورو تتدهور، وقال الفتى الإيراني «إنهم يضربوننا دائما ويرموننا بالحجارة».

اقتصاد يترنح

وعبر ميكانيكي إيراني نجح في إقامة محل صغير عن غضبه. فقد تمت سرقة «خزنته والدراجات النارية والأدوات». وأضاف: «إن الشرطة لا تعثر أبدا على شيء عندما يسرق مواطنون محليون لاجئين».

وإذا كانت أماكن إقامة اللاجئين في منازل جاهزة متهالكة فإن الكثير من سكان الجزيرة يعيشون في ظروف أسوأ.

فالكثير منهم يقيم في أكواخ من الصفيح في حين تتناثر الفضلات على الشواطئ. ويقولون: إنهم لا يفهمون لماذا يشتكي اللاجئون.

وتعتبر المخيمات بالغة الأهمية لاقتصاد جمهورية ناورو خصوصا بعد نفاد مخزون الفسفاط الذي أسهم في ثرائها في القرن الماضي.

وبحسب أرقام أسترالية ارتفعت العائدات العامة لجمهورية ناورو من 20 إلى 115 مليار دولار أسترالي (من 12 إلى 72 مليون يورو) بين 2010-2011 و2015-2016 وذلك أساسا بفضل الدعم الأسترالي المرتبط بمخيمات اللاجئين.

وقال اللاجئ الكاميروني «إذا رحل اللاجئون تموت ناورو ولهذا يحرص رئيسها على أن نبقى». لكن كافة اللاجئين الذين التقتهم فرانس برس يرغبون في المغادرة، بعضهم إلى أية وجهة.

وقال والد الطفلة الإيرانية: «في القرن الحادي والعشرين الناس يحسبون بالثواني بينما الحكومة الأسترالية سرقت خمس سنوات من عمرنا ... من يكترث لذلك؟».