الملف السياسي

خطة برلين لمواجهة إجراءات ترامب الاقتصادية

13 أغسطس 2018
13 أغسطس 2018

سمير عواد -

ان «ماس» يحلم بأن يوسع نطاق المبادرة واجتذاب الكثير من التأييد العالمي عندما تشارك ألمانيا في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية سبتمبر المقبل، وسوف تطالب ألمانيا والهند والبرازيل بضرورة إصلاح مجلس الأمن الدولي.

وصلت إلى جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية تفاصيل صفقة حول التجارة بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي في يوم حافل بالمحادثات السياسية، وقد اعتبرها الأوروبيون خطوة مفاجئة وسارة جدا بعد انتشار الشعور في أوروبا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد دمر العلاقات الأمريكية الأوروبية وأقرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنه ليس هناك أدنى أمل بعودة هذه العلاقات إلى سابق عهدها طالما ترامب في موقعه الرئاسي. ومن سوء حظ ميركل وقادة الاتحاد الأوروبي الذين لا يتفقون مع ترامب، أن الأخير اتخذ قرارا بالترشح لولاية ثانية في منصبه. ويعتقد العديد من المراقبين أن نسبة نجاحه ليست سيئة كما يعتقد الكثيرون.

في ذلك اليوم بالذات، كان هايكو ماس، وزير الخارجية الألماني الذي ينتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك في الائتلاف الحاكم الذي تتزعمه ميركل، يقف أمام مبنى حكومي يقع على بعد أحد عشر ألف كلم عن مقر المفوضية الأوروبية. وكان «ماس» يقوم بأول زيارة له بعد استلامه منصبه إلى اليابان وكانت التوقعات من زيارته عالية جدا في كل من طوكيو وبرلين. جامل «ماس» محدثيه اليابانيين عندما قال أمام رئيس الوزراء الياباني شينزو أبي «إننا نتقاسم القيم المشتركة، خاصة في مرحلة التغيير الجغرافي السياسي، لا بد من التأكيد على هذا الموقف بكل وضوح».

الثابت أن وزير الخارجية الألماني كان يشير إلى الخلافات التي تعصف بالعلاقات الأطلسية منذ أن بدأ ترامب استفزاز العدو والصديق وحصل تباعد في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في أنحاء العالم، بشكل غير مسبوق لم يحصل منذ قيام نظام عالمي جديد بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. منذ وقت لا يشغل السياسة الخارجية الألمانية أكثر من صعوبة التعامل مع الشريك الأمريكي الذي وصف الاتحاد الأوروبي بخصم الولايات المتحدة الأمريكية، ويرى أن الاجتماع مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أكثر أهمية بالنسبة له من الاجتماع مع القادة الأوروبيين أو الآسيويين.

غير أن الضيف القادم من ألمانيا إلى العاصمة اليابانية لم يُحضر معه عبارات المجاملة فقط في حقيبته، بل قدم للمسؤولين اليابانيين الذين يعانون من الحيرة من تذبذب السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة بعد اجتماع ترامب مع زعيم كوريا الشمالية، خطة لم تعد برلين تتكتم عليها، تقوم فكرتها على إقامة تحالف جديد بين دول العالم في مواجهة ترامب، وأن يكون غايته الرئيسية سد الثغرات الجيوسياسية التي تسبب ترامب بظهورها.

في الأشهر القليلة القادمة سوف نشهد تقاربا سياسيا واقتصاديا وبيئيا بين عدد من بلدان العالم، وعلى حد قول وزير الخارجية الألماني، أصبح العالم بحاجة ماسة إلى تعاون وثيق بين مختلف الدول وبناء تحالف عالمي يؤيد ويدافع عن القوانين والقيم العالمية وحماية النظام العالمي الذي نشأ على ركام الحرب العالمية الثانية بمعنى أصح، منع ترامب من تدمير النظام العالمي.

وفقا لمصادر دبلوماسية في برلين، تنشط الحكومة الألمانية للترويج لخطتها الهادفة لاحتواء تجاوزات ترامب، وكشفت النقاب عن أن «ماس» يعمل منذ فترة في تحقيقها وعرضها على شركاء ألمانيا في مختلف مناطق العالم. وهذه هي التركة التي خلفها له وزير الخارجية الألماني السابق زيجمار جابرييل، الذي أكد في مقال نشرته صحيفة «هاندلسبلات» الألمانية مؤخرا، أنه يتعين على العالم التعاون في مواجهة ترامب وأن أوروبا بالذات مُطالبة بإعداد استراتيجية جديدة تجعلها في غنى عن الولايات المتحدة الأمريكية طالما ترامب في منصبه.

وتبين أن جابرييل كان على صواب في رؤيته لمستقبل السياسة العالمية عندما تسبب ترامب في إفشال قمة الدول السبع الصناعية الكبرى في تورنتو، وقمة حلف شمال الأطلسي، حينما هدد بانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الحلف العسكري الغربي، ثم وصفه الاتحاد الأوروبي بـ«الخصم». وبحسب مصدر مطلع في الحكومة الألمانية، تحولت الولايات المتحدة الأمريكية في عهد ترامب من مصدر يفرض الأمن في العالم إلى مصدر يُدمر النظام العالمي.

وقال «ماس» إن فكرة إنشاء شبكة من دول العالم التي على حد قوله، تؤيد القيم والقوانين الدولية وتناهض سياسة الحماية، بدأت تتبلور على أرض الواقع، وأكد أن الباب مفتوح أمام انضمام حلفاء. ويرى وزير الخارجية الألماني أن هذه الاستراتيجية لن تبدأ العمل قبل نهاية العام رغم إصرار الحلفاء الذين انضموا إليها على التعجيل في التنفيذ. وبحسب مجلة «دير شبيجل» الألمانية، هناك اليابان وكوريا الجنوبية التي شملتها جولة «ماس» الآسيوية، حيث أعلنتا عن استعدادهما للتوقيع على اتفاقية للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي.

كما يحسب الوزير «ماس» حسابا لكي تنضم جمهورية جنوب إفريقيا إلى المبادرة الألمانية، وكذلك بعض الشركاء الاستراتيجيين مثل أستراليا والأرجنتين بالإضافة إلى جيران الولايات المتحدة الأمريكية مثل كندا والمكسيك. وسوف تحل كريستيا فريلاند، وزيرة خارجية كندا ضيفة شرف على مؤتمر سفراء ألمانيا الذي ينعقد في وزارة الخارجية الألمانية في نهاية أغسطس الجاري. وقد حصل تقارب ملفت للنظر في العلاقات بين برلين وجارتي الولايات المتحدة الأمريكية، كندا والمكسيك في الآونة الأخيرة. ويعتقد وزير الخارجية الألماني أن المبادرة تعبر عن تمسك العديد من دول العالم بالنظام العالمي في الوقت الذي يسعى فيه ترامب إلى تدميره.

غير أن «ماس» يحلم بأن يوسع نطاق المبادرة واجتذاب الكثير من التأييد العالمي عندما تشارك ألمانيا في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية سبتمبر المقبل، وسوف تطالب ألمانيا والهند والبرازيل بضرورة إصلاح مجلس الأمن الدولي. والمعروف أن ألمانيا فازت أخيرا بمقعد غير دائم في المجلس لفترة عامي 2019 و2020 وسوف تطالب ألمانيا بمقعد للاتحاد الأوروبي والسعي كي يتحدث الاتحاد بصوت واحد، حالما يتم إقناع دول أوروبا الشرقية المنتمية للاتحاد الأوروبي بالتراجع عن مواقفها المتزمتة المؤيدة لترامب.

ويرى «ماس» أن هذه لن تكون مهمة سهلة وتحتاج إلى تعاون وثيق بين برلين وباريس لإقناع كافة دول الاتحاد الأوروبي بالامتثال لقيم الاتحاد ومواقفه وعدم السعي لإلحاق الصدع به. والسبب كما يرى «ماس» أن أوروبا تصبح أقوى عندما تتكلم بصوت واحد، وخاصة في مواجهة ترامب.