أفكار وآراء

الحرب التجارية بين أمريكا والصين وأوروبا .. الأسباب والمآلات !

27 يوليو 2018
27 يوليو 2018

إميل أمين - كاتب مصري -

[email protected] -

هل بات العالم على موعد مع نوع جديد من أنواع الحروب العالمية، نوع مغاير لحروب النار والبارود التي عرفتها الإنسانية منذ أن وطئت أقدام البشر على كوكب الأرض ؟

يبدو أن ذلك كذلك بالفعل، وهي حرب عالمية تجارية، تشتد وتيرتها في الأيام الأخيرة، وبنوع خاص من جراء توجهات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رجل الأعمال والصفقات، حيث يبغي أن تكون أمريكا أولا وقبل أي دولة أخرى. وهنا قبل بضعة أيام كان وزراء مالية الدول الأعضاء في مجموعة العشرين ينهون اجتماعهم المهم في العاصمة الأرجنتينية «بوينس أيرس» بالدعوة الى منع تأجيج التناقضات في التجارة البينية تفاديا لإثارة الحروب التجارية.

بيان مجموعة العشرين لفت الى تصاعد التوتر في أحوال ومآلات حركة التجارة العالمية والمجال الجيوسياسي، ما يهدد النمو الاقتصادي العالمي بشكل خطير، كما شدد على ضرورة بدء الحوار والعمل على الحد من المخاطر الكامنة وتعزيز الثقة.

من أين يمكن للمرء إن يشير إلى إشكالية الحرب التجارية العالمية الآنية ؟

بالقطع من عند الخلافات التجارية التي اشتعلت مؤخرا بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، والصين ودول الاتحاد الأوروبي من جهة ثانية، سيما بعد فرض واشنطن رسوما جمركية عالية على الفولاذ وبعض المنتجات الأخرى المستوردة من هذه الدول .. هل من تفصيلات توضح لنا أبعاد الإشكالية في الحاضر و المستقبل ؟

قبل أن يقدر لترامب الدخول إلى البيت الأبيض وخلال حملته الانتخابية بدا واضحا أن الرجل سيضع الصين نصب عينيه تجاريا واقتصاديا في المدى المنظور، وعلى مقياس أوسع ولاشك عسكريا، وان كانت الصين حتى الساعة لا تبدي أية رغبة علنية في المبارزة المسلحة .

كانت شكاوى ترامب من الصين تدور في فلك ما أسماه تلاعب الصينيين بقيمة عملتهم تارة، وبإغراق الأسواق الأمريكية بالمنتجات الصينية تارة أخرى، والسطو على المخترعات الأمريكية وسرقة أفكار الأمريكيين أيضا.

لم يتردد ترامب فيما بعد في أن يحول تهديداته إلى واقع وذلك بإعلانه في منتصف يونيو المنصرم أن الولايات المتحدة ستفرض رسوم استيراد بنسبة 25% على الواردات من الصين بحجم 50 مليار دولار سنويا .وبرر ذلك بشكاواه المشار إليها

بشأن سرقة الصين للملكيات الفكرية والتكنولوجيا وغيرها من الممارسات التجارية غير العادلة، عطفا على تضمين مرسوم ترامب الجديد بشأن الصين السلع المتعلقة بالخطة الاستراتيجية المسماة « صنع في الصين -2025». ومؤكدا على أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على فقدان التكنولوجيا والملكية الفكرية بسبب الإجراءات الاقتصادية غير العادلة حسب رأيه.

ولكن الأمر لا يبدو أنه سيتوقف عند هذا الحد؛ لأن هذه هي إجراءات أولية نحو استعادة التوازن التجاري الأمريكي مع الصين ، حيث يوجد الآن عجز ضخم لصالح الصين. خاصة وأن الرئيس ترامب لا يقيم وزنا ولا يعير انتباها أو التفاتة لا إلى منظمة التجارة العالمية التي تعارض ذلك، ولا إلى المعاهدات الدولية، التي انسحب من عدد منها بالفعل.

وبالنسبة للصين فإنها اعتبرت ان ترامب على هذا النحو يحاول ابتزازها بتهديده بفرض رسوم جمركية إضافية، وقد ردت بالفعل على الخطوة الأمريكية يوم تنفيذها من جانب واشنطن بفرض رسوم جمركية على عدد من السلع الأمريكية.

يأخذ الصينيون على ممارسات الولايات المتحدة أنها تتعارض مع التوافق الذي توصل إليه الجانبان خلال مفاوضات متعددة سابقة بين الجانبين اضافة إلى أنها إجراءات خيبت آمال المجتمع الدولي الذي يسعى لمزيد من تسهيل التجارة البينية بين دول العالم لا تعقيد المشهد على النحو الذي نراه حاليا .

على أن السؤال الجوهري الذي نطرحه في هذه السطور :« هل ترامب قادر بالفعل على تعريض علاقة أمريكا الاقتصادية بالصين إلى الغرق ؟

هناك عدة حقائق ينبغي الانتباه إليها، وفي المقدمة منها أن الاقتصادين الأمريكي والصيني اقتصادان متكاملان ومتداخلان معا بدرجة كبرى ، وعليه فإنه حال غرق أحدهما، حكما سيتبعه الآخر .. كيف ولماذا ؟

العديد من التقارير الاقتصادية العالمية تشير إلى أن الصين بالفعل هي اكبر مستثمر في سندات الخزانة الأمريكية ، وأنه على واشنطن تسديد حوالي 1.1 تريليون دولار من دين إجمالي يبلغ 6.1 تريليون دولار، وهذا أقل بقليل من إجمالي الدين الصيني الخارجي ( حوالي 1.5 تريليون دولار )... ماذا يعني ذلك ؟

باختصار غير مخل تفيد الأرقام المتقدمة بأنه إذا ما قررت الصين فجأة، والصينيون لا يقررون أي شيء فجأة فهم أصحاب النفس الطويل، مطالبة الولايات المتحدة بتسديد ديونها كلها أو معظمها، فلا يبقى أمام الولايات المتحدة الأمريكية سوى إعلان إفلاسها، وبالمحصلة ينهار أحد أكبر اقتصادات العالم.

هل هذا السيناريو في صالح الاقتصاد الصيني بنفس القدر، أم أن الصينيين بدورهم لهم مصلحة ما في ألّا ينهار الاقتصاد الأمريكي؟

الإشكالية هنا هي أن الاقتصاد الصيني ساعتها سيعاني نتيجة ذلك ليس اقل من نظيره الأمريكي، لأن الصين تشتري سندات الخزانة الأمريكية لتجديد احتياطاتها من الدولارات التي تحصل عليها من بيع منتجاتها للولايات المتحدة، والولايات المتحدة تشتري عمليا السلع الصينية بالدين .

الأمر لا يتوقف عند هذا الحد فقط بل يتجاوزه إلى مسألة ارتباط العملة الصينية والأمريكية معا أي الدولار واليوان فالدولار يتبع اليوان بسبب حجم الصادرات الصينية الكبير الى الولايات المتحدة ، وكون بعض الشركات الأمريكية تنتج سلعها في الصين، وكلما زادت الصادرات الصينية زادت تبعية الدولار لليوان. والصادرات تزيد باستمرار ، علما بأن الصين يمكن أن تتحكم بسعر اليوان لمصلحتها الأمر الذي يزعج ترامب أشد الإزعاج .

لا تتوقف الحرب التجارية العالمية على أمريكا والصين، فهناك معركة أخرى محتدمة بين الولايات المتحدة وبين الاتحاد الأوروبي وهما في الأصل شراكة استراتيجية واحدة منذ أن تدخلت الولايات المتحدة لصالح دول أوروبا في الحرب العالمية الثانية وحتى ظهور الرئيس ترامب على الساحة الدولية.

ولعل المتابع للمرشح ترامب أيضا يرصد أنه وخلال جولاته الانتخابية أبدى امتعاضا كبيرا من حالة الميزان التجاري مع الأوروبيين وركز تركيزا خاصا على الألمان، بل إنه انتقد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اكثر من مرة بالقول انهم لا يشترون سياراتنا الأمريكية في حين نشتري نحن منهم سياراتهم الألمانية.

ذهب ترامب في الطريق مع الأوروبيين بنفس مذهبه مع الصينيين ففي شهر يونيو الفائت كذلك وفي خطوة تؤدي إلى حرب اقتصادية عالمية فرض الرئيس الأمريكي رسوما جمركية على وردات بلاده من الاتحاد الأوروبي من الألمنيوم بنسبة 25% والصلب بنسبة 10% بعد انتهاء مهلة الاعفاء التي استمرت شهرين .

لم يقف الأوروبيون صامتين طويلا فقد أعرب الرئيس الفرنسي ماكرون عن أسفه لقرار الولايات المتحدة معتبرا إياه أمرا غير قانوني، وقال إن أمريكا من خلال هذا الاجراء حاولت الرد على عدم التوازن العالمي باللجوء الى « القومية الاقتصادية والتجارية »، وحذر من ان مثل هذه الخطوات قد تؤدي الى « إغلاق الباب أمام مناقشة قضايا أخرى مع الولايات المتحدة »، ومؤكدا على أن القومية الاقتصادية تقود الى حروب.

الالمان بدورهم وهم الفريق المقصود بالأساس من توجهات ترامب قالوا على لسان وزير ماليتهم « اولاف شولتس » إن الاتحاد الاوروبي سيرد بقوة على القرار، موضحا ان القرار احادي الجانب من الولايات المتحدة ،و هو قرار جانبه الصواب، ويمكن اعتباره خرقا للقواعد الدولية المتعلقة بتحديد التعريفات الدولية .

أحد أهم الأسئلة التي تطرح في هذا المقام ..» هل يمكن الفصل بين الاجراءات الاقتصادية الأمريكية الأخيرة تجاه اوروبا وما يسمى اختبار القوة الذي تخوضه واشنطن ضد القارة العجوز على الصعيد السياسي ؟

المقصود هنا ولا شك التوجه الأمريكي من قبل ترامب بمطالبة بقية دول القارة الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو برفع مساهماتهم المالية الى 2% من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة ما يخفف عبء مساهمة أمريكا في موازنة الناتو والتي تصل الى 72% من الموازنة الإجمالية.

إلى أين يمكن أن تمضي حروب القوميات الاقتصادية ؟

الجواب على السؤال المتقدم ليس باليسير لكن بعض من الأفكار التي باتت مطروحة على مائدة النقاش لا تفيد بأن أمريكا سوف تكسب الرهان بشكل مطلق او تربح حربا اقتصادية الى ما لا نهاية، فالاوروبيون على سبيل المثال باتوا يفكرون في شراكات اقتصادية ومالية كبرى مع الصينيين ومع الروس، ومن جديد تطفو فكرة اوراسيا على السطح .

وقد يجد اليابانيون والصينيون والروس مصالح تجارية تجمعهم، عوضا عن حروب ترامب القومية الاقتصادية، وفي كل الأحوال يبقى الملف مفتوحا.