Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ - «فرح» ورصاص.. هل يستويان؟!

03 يوليو 2018
03 يوليو 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

تداول خلال الأسبوع الماضي، عبر الـ «واتس آب» مقطعا مصورا لشاب يقترب من مصلين من الخلف، ويطلق أعيرة نارية في الهواء، مما أربك هؤلاء المصلين، ومنهم من سقط المصر من رأسه، وظهرت بعض الأصوات في المقطع، ومنهم من قال: «سقط مصر العريس» مع مرافقة ذلك بضحكات هستيرية، إلى هنا انتهى هذا المقطع، وترك بالنسبة لي على الأقل مجموعة أسئلة، لا أجد لها جوابا مقنعا إطلاقا ومنها: ما الصورة الجمالية التي ترافق إطلاق الأعيرة النارية في مناسبات الفرح على وجه الخصوص، وخاصة في مناسبات عقد القران، ومناسبات الأعياد، ومناسبات إدخال الزوج إلى زوجته في غرفتهما في ليلة العرس؟ سينبري هناك، من يقول: إن هذه من عادات المجتمع، وأنا أعرف أنها من العادات المتوارثة والبالية مما تبقى من أعراف المجتمع، ومع ذلك لا أجد لها مبررا اليوم، ولا أراها سوى قيمة استهلاكية لتبرير تجارة الرصاص والبنادق عند من لا يزالون يسوقون هذه السلعة الخطيرة على أبناء المجتمع، وكم سمعنا من قضايا سقطت فيها أنفس ذنبها أنها كانت حاضرة في هذه المناسبة أو تلك، هذا بخلاف الأضرار المادية التي تسببها انطلاق الرصاصة، خاصة عند أولئك الشباب الغر الذين يستولي عليهم الحماس والزهو وهم يطلقون الأعيرة النارية في الهواء، حيث قطعت أسلاك الكهرباء، وأوجدت مشاكل فنية، ما كانت أن تكون لولا هذه العشوائية في التعامل مع إطلاق الرصاص في الهواء، في وسط الحارات المكتظة بهذه الأسلاك التي تقدم خدمة الكهرباء للناس.

ليس هناك أي مبرر لبقاء هذه العادات البالية والمتوارثة منذ زمن بعيد، وإذا كانت هناك مبررات اتكأ عليها من كان قبلنا: من حيث الإعلام والتنبيه، والاستعراض أيضا، فإن كل هذه المبررات اليوم تسقط، لأن الظروف تغيرت، وانتقل المجتمع من حالته التقليدية الصرفة، إلى حالته الحديثة التي يرتقي فيها التعامل من هاجس القوة المتمثل في المدفع، والبندقية والبارود والرصاصة، لأن كل هذه مناخات تعمل على إثارة النعرات والاعتزاز بالقوة الفردية والوجاهية والقبلية، وتستغني على اللحمة الاجتماعية، وهي كلها موروثات عفا عليها الزمن، أقبرت في مقابر الطغاة، وتبتعد كثيرا عن مناخات الفكر الآمنة المتمثلة في المحبة والأمان والرضا والوسطية.

قامت الجهات المعنية ولا تزال بإصدار تعليمات وتحذيرات تدعو إلى مفارقة هذه الممارسات «الخطيرة» فعلا ومعنى، ومع ذلك فكثير من الناس يتمسكون بها، ربما أكثر من تمسكهم بالمعززات الإيجابية التي تدعو إلى تهدئة الخواطر، وإلى العيش في سلام الأنفس التي تحتاج إلى تعزيز وجودها من خلال إبعاد كل ما يعكر صفو مودتها وتقاربها من بعضها البعض، بدلا من الانحياز إلى جوانب التوتر، وإرباك الأنفس، لأن هاجس الحاجز الأمني لا يزال يقلق النفس إلى حد كبير، ولا يزال يلقى الترويج المستمر، وإلا فما مبررات من يمتلكون بنادق آلية فتاكة سواء بترخيص أو عدم ترخيص، إلا تلبية لهذا الهاجس المتنقل عبر الحمض النووي (DNA).

قبل يومين كنت أستمع إلى إحدى الإذاعات العالمية الناطقة باللغة العربية، وجاء في أحد التقارير من إحدى الدول العربية، أن في هذه الدولة تم التوقيع على عريضة، وقع عليها مئات الآلاف من المواطنين، وعدت أكبر عريضة توقيع على مستوى العالم، ورفعت إلى الحكومة، تدعو إلى نزع الأسلحة التقليدية من أيدي مواطني هذه الدولة نظرا لما تسببه من مآس إنسانية في المجتمع، كما كانت قبل أشهر مظاهرات كبيرة في إحدى الولايات المتحدة الأمريكية لذات الغرض، فكل الأمم على ما يبدو مستشعرة وقع المآسي من السماح للأفراد العاديين، بامتلاك هذه الأسلحة، ولو كانت تقليدية وبسيطة، لكن وجودها ولو بهذا القدر الضئيل بين عدد من الأفراد في المجتمع، يؤصل ضرورة امتلاكها عند الجميع، ويدعو إلى السعي إلى أن تتصدر المنازل والمجالس وكنوع من المباهاة أيضا.