1356422
1356422
روضة الصائم

كتب عمانية : «لباب الآثار الوارد على الأولين والمتأخرين الأخيار» ..المخلوق لا يكون إلا بالخالق

12 يونيو 2018
12 يونيو 2018

القاهرة - العزب الطيب الطاهر -

ونظرا لأهمية قضية التوحيد فإننا سنعرض لها بشيء من التفصيل في هذه الحلقة من كتاب «لباب الآثار الوارد على الأولين والمتأخرين الأخيار»، لمؤلفه العالم السيد مهنا بن خلفان بن محمد بن عبد الله بن محمد البوسعيدي.

ويبدأ المؤلف في استعراضه لهذه القضية بالتأكيد «أن على الإنسان حين يبلغ الحلم وكان صحيح العقل سالما من الآفات أن يعرف أنه له خالقا خلقه ولا يشبهه شيء في حال من الأحوال» فإذا عرف أن الله واحد ليس كمثله شيء، وهو السميع العليم وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، وإن ما جاء به هو الحق المبين فهذا يكفيه ما لم يمتحن بشيء ينقض جملته هذه، فإن خطر بقلبه أن الله يشبهه شيء أو أنه حال في مكان أو غير حال، فعليه أن يعلم أنه خال في الأمكنة وأنه ليس شبه ولا يسعه جهل ذلك وتقوم حجة هذا عليه من طريق العقل، لأن المعاني في التوحيد تقوم بها عليه الحجة من قبل عقله، إذا خطرت بباله وإنما يعذر الإنسان أن يجهله في الأسماء لأنها لا تقوم بها الحجة إلا عن طريق السماع، إلا أن تقوم عليه الحجة من طريق المعنى، مثل أن يعرف أن الذي خلق الأشياء يسمى خالقا ولا يسمى إلها، فعليه أن يعلم ذلك وتقوم عليه الحجة من عقله، وأما جهل نفي تشبيه الخالق بخلقه، فلا يسعه إذا خطر بقلب الإنسان إذا كان صحيح العقل إلا أن يعتقد أنه لا شبه من خلقه في حال من الأحوال، ولا في معنى من المعاني.

ويعتمد المؤلف في كتابه على إثارة المسائل المتعلق بمختلف مفردات التوحيد، معتمدا على آراء من سبقوه أو من عاصروه عبر الحوار المباشر معهم وفى هذا السياق، يلفت إلى أن أصول الدين خمسة وهى التوحيد والعدل والوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين في الاختلاف في كيفية الفساق، فالتوحيد أن الله ليس كمثله شيء (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) وأنه ليس بحجم ولا بجوهر ولا يوصف بشيء من صفات خلقه تعالى، أما العدل فإن الله عدل كريم رؤوف رحيم لا يظلم العباد ولا يجور عليهم، وأنه أرحم بهم من أنفسهم وآبائهم وأمهاتهم لا يؤتي الخير إلا هو ولا يصرف الشر إلا هو، أما الوعد والوعيد فهو ان الله صادق من أخبر بعذابه فهو يعذبه لا محالة، ومن أخبر بنعيمه فهو ينعمه لا محالة وهو أصدق القائلين، وأما المنزلة بين المنزلتين: فساق أهل الصلاة عندنا -الكلام للمؤلف- لسنا نقول إنهم مشركون ولا مؤمنون، وهم في منزلة بين المنزلتين.

كما يلفت إلى أن من لم يؤمن بالقدر كله خيره وشره حلوه ومره، فقد كفر ومن حمل المعاصي على الله فقد فجر إن الله لم يطع باقتدار من المطيع، ومن لم يعص بغلبة من العاصي، لكنه المالك لما ملكهم إياه والقادر لما أقدرهم عليه، فإن ائتمروا بالطاقة لم يكن لهم عنها صارفا، وإن ائتمروا بالمعصية وشاء أن يحول بينهم وبينها فعل، ويضيف: فاعلموا أن الله لم يزل عالما بما يعمل العباد من قبل أن يخلقهم، عالما بما تصير إليه عواقب أمورهم وثوابهم وعقابهم، كما أنه خلق أعمال العباد وحركتهم وسكونهم وجميع أفعال الحيوان وخلق الإيمان والكفر والطاقة والمعصية، والعباد في ذلك مكتسبون والله خلق اكتسابهم، ولا يقال إنهم اكتسبوا خلق الله ولكن يقال خلق الله كسبهم.

ونتوقف مع المؤلف عند مسألة تتعلق بإذا سأل سائل عن معرفة الله تعالى وتوحيده فيقول: «من أين تعلم أن له إله وأنت تعبده، فقل كما يجيب هو: من قبل أن أرى نفسي مخلوقة متبعضة محدثة، فعلمت أنها مخلوقة ولا يكون المخلوق إلا بالخالق، فإن قال لك أي السائل من أين تعلم أن نفسك مخلوقة، فقل من قبل أن ما أجد في نفسى من الحالات المختلفات والتحويل والزيادة والنقصان، التي لا أستطيع أن أردها عن نفسى من الجوع والعطش اللذين معهما الغلبة والأوجاع اللذان معهما القهر والعسر والنوم والكسل، اللذان معهما الغفلة والسهو وأشباه ذلك من الحال، التي لا أستطيع دفعها عن نفسى إلى كل ذلك مغلوبة مصنوعة، ولا يكون مغلوبا إلا بالغالب ولا مقهورا إلا بالقاهر، ولا مصنوعا إلا بالصانع فإن قال لك السائل، قد ثبت لي حجة لا أستطيع أن أخالفك فأخبرني أهو قادر أو غير قادر، فقل له: هو قادر ولا يكون إلها إلا قادر فإن قال لك من أين تعلم أنه قادر، فقل له من قبل نفسي إذ رأيتها مقدورة فإن قال من أين تعلم أنها مقدورة، فقل من قبل أني أجد كل عضو منها على حدة ولا يعمل عمل صاحبه، فالعينان لا تسمعان والأذنان لا تبصران والفم لا يشم والأنف له معه مذاقة وكل واحد منهما يحتاج إلى صاحبه، وبذلك عرفت أن نفسي مقدورة ولا يكون مقدور إلا بقادر، فإذا عرفت ذلك فقد عرفت أن الله قادر، فإذا قال لك السائل: قد قدرتني أن إلهك قادر فأخبرني من أين تعلم أنه واحد فقل من قبل أنه لا يكون قادرا إلا واحد، فإن قال لك من أين تعلم أنه لا يكون قادرا إلا واحد، فقل إنه لا يكون الواحد إلا غالبا ولو كان اثنين لم يكن قادرا لأنه إن أراد أحد القادرين على أن يغلب فهو عاجز، والعاجز ليس بإله فإن قال لك من أين تعلم أنه سميع، فقل من قبل أنه لو لم يكن سميعا لكان أصما، والأصم لا يكون إلها فإن قال لك من أين تعلم أنه عليم، فقل من قبل أنه لو لم يكن عليما لكان جاهلا والجاهل لا يكون إلها، فإن قال لك من أين تعلم أنه عدل فقل من قبل أن يكون عدلا لكان جائرا والجائر لا يكون إلها، فإن قال لك من أين تعلم أنه رحيم فقل من قبل أنه لو لم يكن رحيما، لكان فظا غليظا على المؤمنين.