روضة الصائم

لقاء متجدد: تعظيم القرآن «3»

23 مايو 2018
23 مايو 2018

أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة -

من أسوأ العادات المنتشرة بين الناس عدم المبالاة بحرمات القرآن في تلاوته، فتجد الداخل على التالي لا يبالي أن يقطع تلاوته بالسلام والكلام، مع أن التالي يتلو كلام الله سبحانه الذي هو ليس ككلام الخلق، فهو أحسن الحديث كما قال تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر: ٢٣، وبين سبحانه كيف أثره على مخلوقات الله تعالى بحسب ما فطرها الله تعالى عليه من تعظيمه سبحانه وهيبته عندما قال: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) الحشر: ٢١.

وبين سبحانه وجوب قطع الحديث عند تلاوته، إذ قال: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) الأعراف: ٢٠٤، ولكن الناس لألفتهم مخالفة الأوامر الشرعية واستجابتهم لأهواء نفوسهم لا يلتفتون إلى ما يجب من الاستماع والإنصات حال تلاوته، فالتالي للقرآن تلاوته عرضة للقطع ممن يدخل عليه بالسلام والكلام، وإذا كان التسليم يمنع عندما يكون المقصود به مشغولا بأي شيء كما قال الإمام الثميني : «ولا يسلم على مشغول عن رده بصلاة أو تطهر لها أو أكل أو شرب أو في خلاء أو بأذان أو إقامة أو بذكر أو قراءة أو في مسجد، أو بجنازة أو حفر قبر أو دفنه».

فكيف يُسلَّم على قارئ القرآن وهو يجب عليه أن يكون غارقا في تدبره للقرآن كأنما يتلقاه من الله تعالى مباشرة؟! وهب أن أحدا دخل على غيره فوجده في حديث مع أحد الملوك أو الرؤساء، أيتجرأ أن يقطع عليه حديثه؟ أو لا يُعد ذلك استخفافا بالحاكم الذي يتحدث إليه؟!.

وقد مضى سلفنا الصالح وهم يتشددون أيما تشدد على قطع التلاوة بالتسليم أو الكلام، وقد أدركنا من أدرك الإمامين العدلين الصالحين سالم بن راشد الخروصي ومحمد بن عبدالله الخليلي رحمهما الله تعالى، وحدثونا عنهما أنهما كانا لا يتساهلان في هذا الأمر، بل حدثت عن الإمام الخليلي رحمه الله أنه يترك في أثناء تلاوة القرآن بعض رجاله على المدخل ليمنعوا كل داخل من التسليم إلا أن يأتي إلى الحلقة فينضم إليها من غير سلام ولا كلام.

وهكذا كان علماء زمانهما وعلى رأسهم الإمام المجدد العلامة المحقق نور الدين السالمي رحمه الله تعالى، بل كانوا يشتدون على من يتحدث في أثناء مذاكرة العلم ومدارسته أو تلاوة كتاب ولو بسلام أو سؤال عن حال.