279613
279613
روضة الصائم

لقاء متجدد: حضيض الجاهلية «2 - 3 »

19 مايو 2018
19 مايو 2018

أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة -

فليت شعري؛ أولا يدرك هؤلاء أن الجن أنفسهم لا يعلمون الغيب، ولا يملكون ذرة من أمر هذا الكون، فأنى لهم أن يسمعوا دعاء أو يدفعوا ضرا، أو يجلبوا نفعا، وأن هذا الدعاء نفسه لن ينتج عنه إلا زيادة الرهق الذي يأتي من قبل الجن، كما حكى الله عنهم ؟؟!.

ان مما يزعزع الإيمان وينقض أسس اليقين؛ أن يعتقد الإنسان أنه لن يصيبه شيء مما يكدر صفو عيشه إلا بسبب من الخلق، فيرد كل سقم يلم به أو بلوى تصيبه أو محنة يكابدها إما إلى سحر ساحر، أو حسد حاسد، أو سطو من الجن، حتى الأمراض المعهودة كالحمى وأوجاع المفاصل والرأس والأسنان، بل جميع الأوجاع التي تلحق الأبدان لا يتصورونها أنها تكون إلا بسبب من هذه الأسباب، كأنما الدنيا هي جنة الخلد التي لا يعتري الإنسان فيها نصب ولا لغوب، فلا يكاد من أصيب بهذه اللوثة يصدق أن هذا هو ابتلاء من الله، وهو من طبيعة هذه الحياة، فقد ابتلي النبيون من قبل بالأمراض والأسقام والبلاوى، وما كانوا يعلقون أملهم في كشف الضر عنهم إلا على الله وحده، كما حكى الله تعالى عن الخليل إبراهيم  قوله: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) الشعراء: ٨٠، ومن هو الذي يعيش حياته سليما مما ينغصها عليه من الأسقام والأوجاع والبلاوى؟ مع أن الكدر هو جبلة هذه الحياة.

وقد جعل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله»، فلا عتب على من تداوى مما ألم به بما جعل الله من دواء للأسقام، وإنما العتب على من ترك العلاج بما جعله الله سببا للشفاء، وعدل إلى العلاج بما يزيد الأسقام قوة ورسوخا عندما يصدق الأوهام فترسخ في نفسه حتى تصبح نفسها داء يستعصي على العلاج، ولا يجد المصاب به إلى الشفاء سبيلا، فعندما ترسخ هذه المفاهيم الباطلة والأفكار الزائغة تروج تجارة الدجالين والمشعوذين، الذين لا يألون جهدا في إضلال العقول، وطمس البصائر، وترك الناس يعيشون في أوهام لا يجدون إلى الخلاص منها سبيلا، فلا يكاد يأتيهم مستشف من أمراضه إلا ويضاعفون من مرضه بدعواهم أنه أصيب بسحر ساحر، أو حسد حاسد، فيتعمق الوهم في نفسه، ولا يبالي أن يخسر ماله للدجالين المشعوذين، الذين يعيشون على ما يأخذونه بالباطل من أموال ذوي الأوهام، الذين فقدوا الإيمان فتجاهلوا سنة الله في خلقه.