أفكار وآراء

الأمم المتحدة .. بين الهيمنة الأمريكية وضرورة الإصلاح

06 مارس 2018
06 مارس 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

منذ قيام هيئة الأمم المتحدة عام 1945 وانتهاء الحرب العالمية الثانية بكل تداعياتها الكبرى وفشل عصبة الأمم ، كانت هناك آمال عريضة من الدول الوطنية المستقلة حديثا من الاستعمار أو تلك التي لم تزل تحت نيران الاحتلال وخاصة الدول العربية، أن يكون هذا المنبر الأممي، ومن خلال ميثاقه ومؤسساته المختلفة أن يكون عونا لنصرة الحق والعدالة للشعوب وان تكون الأمم المتحدة هي الحاضنة لآمال وتطلعات الشعوب في الحرية والاستقلال والتنمية الشاملة.

ومع السنوات الأولى لانطلاق عمل هيئة الأمم المتحدة اندلعت النزاعات والصراعات المسلحة خلال عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي خاصة في آسيا وإفريقيا والمنطقة العربية، وعلى رأسها الصراع العربي-الإسرائيلي وظهور قضية فلسطين المحتلة كقضية مركزية للعرب.

ورغم المبادئ القانونية والأخلاقية التي يمثلها الميثاق إلا أن القوي المنتصر في الحرب العالمية الثانية، سرعان ما عملت على استغلال هذا المنبر الدولي لمصالحها وهيمنتها مما أفقد المنظمة الدولية خلال العقود السبعة الأخيرة الكثير من فعاليتها وبريقها السياسي خاصة في السنوات الأخيرة.

سيطرة المال ورمزية المكان

من المعروف أن الأرض التي شيد عليها مبنى الأمم المتحدة هو منحة من رجل الأعمال الشهير روكفلر، والتي تعد عائلته من أغنى العائلات في مدينة نيويورك والولايات المتحدة ولعل مسألة المكان تعد مسألة رمزية للولايات المتحدة، رغم أن القانون يشير إلى أن المكان أصبح مكانا دوليا ومتاحا لكل الدول الأعضاء فيما يخص المشاركة في أعمال كل أجهزة للأمم المتحدة في مقرها في نيويورك، ودخول الوفود المشاركة، حتى لو كانت بعض الدول لا ترتبط بعلاقات مع واشنطن، أو أن تلك العلاقات مقطوعة كما كان الحال مع كوبا وغيرها من الدول التي دخلت أو تدخل في خلافات مع الإدارة الأمريكية. إن الإجراءات القانونية التي تنظم عمل الأمم المتحدة تفرض على الولايات المتحدة منح التأشيرات لأعضاء الوفود الرسمية وممثلي الدول الأعضاء، للدخول إلى الولايات المتحدة وقد حدثت إشكالات في هذا الموضوع إذ خلطت أمريكا أحيانا، بين مواقفها السياسية وحرية وصول وفود الدول إلى مقر المنظمة الدولية.

أما فيما يخص الهيمنة المالية فالمعروف أن الولايات المتحدة هي من اكثر الدول التي تساهم في ميزانية الأمم المتحدة يقدر بنحو خمس الميزانية ولعل هذا الدعم الأمريكي له أسبابه وأهدافه، والتي تتمثل في مسألة الهيمنة والسيطرة النسبية على منظمات الأمم المتحدة الإنسانية واستخدام ذلك في الضغط على الدول لتحقيق أهداف سياسية ولعل موضوع الاونروا- وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين - وهي إحدى وكالات الأمم المتحدة لدعم وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين لا تزال مثار جدل كبير في الأمم المتحدة وذلك للخلط المتعمد بين الواجبات الإنسانية والمطامح السياسية، خاصة بعد أن رفضت القيادة الفلسطينية قرار الرئيس الأمريكي ترامب باعتبار القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي ونقل السفارة الأمريكية إلى المدينة المقدسة، وأيضا رفض القيادة الفلسطينية استقبال نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس عند زيارته إلى فلسطين المحتلة، و رد الفعل الأمريكي تمثل في قطع الدعم عن الاونروا حيث المساعدات التي تقدم للاجئين الفلسطينيين في أراضي الشتات خاصة في لبنان والأردن وسوريا، ومن هنا تم استغلال المال الأمريكي للتأثير على نشاط وعمل وأهداف إحدى وكالات الأمم المتحدة ذات النشاط الإنساني، وهي ممارسة أمريكية انتقدتها أطراف دولية عديدة .

الفيتو الأمريكي لماذا ؟

عند إنشاء الأمم المتحدة اتخذت الدول المنتصرة الأربع وهي أمريكا وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي السابق وبعد ذلك الصين ميزة خاصة من خلال آلية التصويت في مجلس الأمن، وهي تمتع تلك الدول الخمس الدائمة في المجلس، بحق استخدام الفيتو، لأبطال أي قرار، وقد تم استخدام هذا الفيتو في كل مراحل تاريخ الأمم المتحدة خاصة من قبل الولايات المتحدة ، وبالتحديد ضد القرارات التي تخدم القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

ولا شك أن الفيتو الأمريكي كان يهدف إلى مناصرة إسرائيل وحمايتها من أي تبعات قانونية بل إن الموقف تطرف كثيرا في السنوات الأخيرة، ومنها موقف ترامب في إعلان القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي وهو حق لا يملكه في الواقع، حيث إن هناك قرارا دوليا يعتبر مدينة القدس مدينة محتلة وان وضعها يتحدد في مفاوضات الحل النهائي للقضية الفلسطينية .

ولعل دول أمريكا اللاتينية وخاصة كوبا قد عانت الأمرّين من الفيتو الأمريكي طوال سنوات مقاطعة أمريكا لها - اكثر من خمسين عاما - وكان هذا الفيتو مسلطا على آمال وتطلعات الشعوب وقضاياها العادلة، ومن هنا ارتفعت الأصوات في السنوات الأخيرة حول ضرورة إصلاح هياكل الأمم المتحدة، وان تكون هناك آليات مرنة لا تجعل الشعوب والدول تحت رحمة الفيتو، كما أن هناك دولا كبيرة ومؤثرة، لابد أن تمثل في العضوية الدائمة في مجلس الأمن كاليابان والهند من آسيا والبرازيل من أمريكا اللاتينية وألمانيا من أوروبا ومصر ونيجيريا من إفريقيا حتى تكون هناك عدالة في منظومة مجلس الأمن . وعلى ضوء تلك المحددات استغلت الولايات المتحدة نفوذها وهيمنتها على الأمم المتحدة من خلال رمزية المكان وسيطرة المال باعتبارها تمثل الرأسمالية الليبرالية في الغرب، مما جعل الأمم المتحدة تفقد هيبتها، وتفشل في تحقيق كثير من أهدافها العالمية والتي تسعى لتحقيق السلام والعدالة والتنمية، حيث اندلعت الحروب الإقليمية والتي كان لواشنطن منها النصيب الأكبر بدءا من الحروب المدمرة في آسيا، حيث الحرب القاسية في فيتنام وكوريا والفلبين ومرورا بمساعدة الكيان الإسرائيلي في حروبه المتعددة ضد العرب خاصة حربي 1967 و 1973 وكذلك انحيازها لإسرائيل خلال اجتياحها لأول عاصمة عربية وهي بيروت عام 1982 وانتهاء بحروب الخليج في بداية عقد التسعينات وانتهت بغزو العراق وتدميره عام 2003 علاوة على شن حرب شاملة على أفغانستان بحجة الحرب على الإرهاب .

وهناك حروب او تدخلات عسكرية متواصلة نفذتها الولايات المتحدة في دول امريكا الوسطى والجنوبية خاصة بنما وكوبا وهايتيي والسلفادور، من خلال الاستخبارات الأمريكية علاوة على تدخلاتها في إفريقيا من خلال الانقلابات العسكرية في العقود الماضية.

وهكذا تم استخدام الأمم المتحدة ومن خلال النفوذ الأمريكي في تحقيق أهداف سياسية مما اضعف المنظمة الدولية وأجهزتها ومنظماتها الأخرى التابعة لها، كما أن الانسحاب الأمريكي من اليونسكو مؤخرا، يعطي مؤشرا بأن عدم الانصياع للرأي الأمريكي والتعاطف مع الحقوق الفلسطينية سوف يدفع بأمريكا إلى وقف دعمها لأي منظمة أممية لا تسير في الفلك الأمريكي، كما حدث مع الاونروا وعدد من المنظمات الأخرى وكل ذلك لإرضاء إسرائيل والحسابات الداخلية الأمريكية، حيث وجود اللوبي اليهودي القوي من قبل منظمة «الايباك» .

إصلاح الأمم المتحدة ضرورة

وعلى ضوء ميثاق الأمم المتحدة ومبدأ المساواة بين الدول الأعضاء فإن إصلاح الأمم المتحدة أصبح ضرورة دولية، خاصة موضوع التصويت في مجلس الأمن الدولي وحق الفيتو الذي تهيمن به الدول الخمس دائمة العضوية عليه، كما أن عددا من الآليات داخل المنظمة تحتاج إلى تحديث، وان تشعر كل الدول الأعضاء بالمساواة والعدالة مهما صغر أو كبر حجم تلك الدول، ومن هنا فإن الأمين العام الجديد تقع عليه مسؤولية كبيرة في إعادة الهيبة إلى الأمم المتحدة، وان تكون هذه المنظمة هي المرجعية لدول العالم وان تكون لها الشخصية المؤثرة من خلال منظماتها الإنسانية والحقوقية والمحكمة الجنائية الدولية، بحيث تفعل هذه الأذرع الحيوية وان تكون المنظمة الدولية ذات استقلالية حقيقية، وألا تخضع للهيمنة المالية من أي دولة. كما أن الولايات المتحدة لابد أن تحترم اتفاقية بلد المقر وان الأمم المتحدة لابد أن تبقى متحدة من خلال أعضائها، ومن خلال ميثاقها ومن خلال أهدافها التي تسعى لخير البشرية ككل.

إن استمرار الأمم المتحدة بالوضع الحالي سوف يضر بسمعتها التي تراجعت كثيرا ولا زلنا ننكر السطوة الأمريكية عندما اعد الأمين العام الأسبق الدكتور بطرس غالي تقريرا نزيها عن مذبحة قانا التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في لبنان وكانت النتيجة أن قامت واشنطن بضغوط كبيرة لاستبعاد الدكتور غالي من الترشح ثانية لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة. وهناك أمثلة كبيرة لعل أبرزها أيضا مع احد ابرز الأمناء العامين في تاريخ الأمم المتحدة وهو كورت فالدهايم، وهو من النمسا حيث تم اتهامه بالعداء للسامية، وشنت ضده حملات ظالمة من إسرائيل وحتى من الولايات المتحدة بزعم انه متحيز للعرب وللقضية الفلسطينية.

إذن الوضع القائم للأمم المتحدة، اذا استمر، فلن يؤدي سوى الى تقزيم دور الأمم المتحدة وفي الوقت نفسه يزيد من الهيمنة الأمريكية خاصة في مسألة الاستخدام لحق الفيتو وأيضا الضغط على المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، لتحقيق أهداف سياسية ، ومن هنا فإن الدول الأعضاء وهي الأغلبية لابد أن تضغط في اتجاه إصلاح هذه المنظمة وحتى تكون تركيبة مجلس الأمن ذات عدالة اكثر، وتكون ممثلة لكل القارات، بعد ان أصبحت مسألة الفيتو غير مقبولة في ظل عالم متعدد الأقطاب، كعالم اليوم، الذي يحتاج إلى مرحلة جديدة من التعاطي مع القضايا المعقدة والصراعات والحروب الأهلية من خلال آليات جديدة في عمل الأمم المتحدة، تراعي مصالح الدول والشعوب وحقوقها المشروعة بعيدا عن الأنانية السياسية، واستغلال النفوذ. فهل نشهد ذلك التحول الذي طال الحديث عنه ويلقي حماسا من الأمين العام الحالي جوتيريس ؟ نأمل ذلك لمصلحة السلام في العالم.