1236331
1236331
إشراقات

د. كهلان: ندعو إلى تبني مشروع وطني يوظف إمكانات الشباب ويحقق لهم الشعور بالانتماء

01 فبراير 2018
01 فبراير 2018

الطاقات الشابة مستعدة للبذل والعطاء.. وهي بحاجة إلى إتاحة الفرصة -

متابعة :سالم بن حمدان الحسيني -

دعا فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة إلى تبني مشروع وطني يوظف إمكانات الشباب ويوجّه طاقاتهم العقلية ويزكي مواهبهم الأدبية، ويحقق لهم الشعور بالانتماء لأسرتهم ولمجتمعهم ولهذه الأرض الطيبة.. مبينا فضيلته أن هذه الطاقات الشابة عليها تعويل كبير وهي مستعدة للبذل والعطاء وإنما هي بحاجة الى إتاحة الفرصة.

وأكد أن تعزيز الجانب الإيماني وتقويته في أفراد الأسرة والإكثار من اللقاءات الأسرية تمكّنهم من تجاوز المعاصي واتباع الشهوات، مشيرا إلى أنه لابد من تخصيص أوقات للأسرة لمثل هذه اللقاءات التي تمكن الأسرة من تجنب أن يقع أفرادها في مهاوي الانغماس في المواقع الإباحية تصفحا وزيارة أو إدمانا.

جاء ذلك في سياق حديثه لبرنامج سؤال أهل الذكر تحت عنوان: «المواقع الإباحية.. الخطورة والعلاج.. فإلى نص الحوار:

فضيلة الشيخ.. في الحلقة الماضية قدمت مجموعة من الخطوات التي على الفرد أن يتبعها لحماية نفسه من هذه المواقع.. نريد أن ندخل مباشرة إلى عالم الأسرة.. كيف يمكن أن تحصن نفسها وأبناءها من هذه المواقع؟

إن الله سبحانه وتعالى قد أقام أود الحياة الزوجية على أسس متينة من السكينة والمودة والرحمة وجعل ذلك من آياته في خلقه، فقد سبحانه: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، وأمر عباده أن يقوا أنفسهم وأهليهم نارا وقودها الناس والحجارة، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، وحينما نهى عن الاقتراب من فاحشة الزنا بيّن أنها في ذاتها فاحشة، كما بيّن أنها سبيل، كل خطوة فيه تدفع إلى الخطوة التي بعدها حتى يصل الى نهاية يصعب عندها الرجوع ما لم تتدارك هذا العبد عناية الله تبارك وتعالى، نفهم ذلك من قوله سبحانه: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) ولذلك فإن انغماس أفراد الأسرة – وقد يحصل ذلك من أحد الزوجين أو من الزوجين كليهما ويمكن أن يحصل من الأولاد في الأسرة من الذكور أو الإناث لاسيما أن كانوا في سن المراهقة- يستدعي أن توجد هناك حلول ووسائل تقي هذه الأسرة الوقوع في هذا النفق المظلم لأن عواقب الدخول في تصفح هذه المواقع أو بلوغ الإدمان عليها يؤثر على الأسرة بفقدان السكون المشار إليه في الآية المتقدمة وبانعدام المودة والرحمة– ليس بين الأبوين فقط وإنما من الأسرة كلها- وبحلول العنف داخل هذه الأسرة مما يفضي بعد الى التفكك الأسري وإلى التشتت بين أفراد هذه الأسرة وإلى الانعدام المعنى الصحيح للأسرة، ولذلك فان بداية الوسائل للعلاج انما تكون بحسن أداء الواجبات التي أمرنا ربنا تبارك وتعالى بها، فعلى الأب مسؤوليات وعلى الأم واجبات وعلى الأولاد أيضا واجبات، ولا يمكن أن يستقيم حال الأسرة إلا اذا أدى كل ما عليه من واجبات والتزم ما عليه من أمانة ومسؤولية، ولا يفعل ذلك إلا ابتغاء مرضاة الله تبارك وتعالى، فهنا تسمو نفسه ويطهر قلبه، وينشرح صدره لأنه يقوّي صلته بالله تبارك وتعالى، ويملأ نفسه إيمانا صادقا راسخا يوجّه له حركة حياته ويدفعه الى الإقبال على الصالحات والبعد عن المحرمات، فتعزيز الجانب الإيماني وتقويته في نفس كل فرد من أفراد الأسرة هي أولى الخطوات التي تمكّن أفراد هذه الأسرة من تجاوز هذه المعاصي واتباع الشهوات، وذلك لا يعني الكلام النظري فنحن بحاجة الى ما يتعلق بهذه القضية تحديدا من مراشد الدين، فلما قال لنا ربنا تبارك وتعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) فلابد أن تؤسس الأسرة على اجتناب الاقتراب من الزنا، والعلم إيقانا انه فاحشة عظيمة وانه سبيل يورث سخط الله تبارك وتعالى كما يوقع الفرد في خطر عظيم في دنياه مع الخطر الذي ما بعده خطر وهو خسران الآخرة.

وأضاف: إن كل خطوة في تصفح تلك المواقع تقرب هذا العبد الآبق من الوقوع في الفاحشة وتفضي به الى خطوة أخرى ثم الى ثالثة ورابعة حتى يجد نفسه في موضع لا يمكن له أن يقاوم، وأشبه شيء على ذلك كما يقول بعض العلماء المعاصرين: بالمجال المغناطيسي فانه إذا اقترب هذا العبد بشهواته ورغباته وأهوائه من مركز هذا المغناطيس فانه حينما يكون بعيدا عن المجال لا أثر لكن حينما يقترب فانه يبدأ بالانجذاب ويزداد هذا الانجذاب ليجد نفسه ملتصقا بمادة هذا المغناطيس. وهذه هي اقرب صورة، وخذ على سبيل المثال في قول الله سبحانه وتعالى – وهذا ملحظ لطيف في تفسير آيات الكتاب العزيز في قوله سبحانه وتعالى في وصف من اصطفاهم من عباده المؤمنين قال: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا، إِلَّا الْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ، وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ، وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ، وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ/‏‏ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ)، ثم قال: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) فهنا قال: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) والحفظ للفروج يستدعي تجنب الوقوع فيما يمكن ان يورث هذا الإنسان إتيان الفاحشة، ويعني ذلك الصيانة وحسن الرعاية وتجنب حصول ثلمة يمن ان تخل بحفظ هذه الأمانة، فاستخدام كلمة «حافظون» في الآية الكريمة يعني انها أمانة على هذا الإنسان ان يرعاها وان يؤدي حقها وان يصونها وان ينزهها عن كل ما يثلمها.

وأوضح قائلا: إن الخطوة الأولى إذن تعزيز الجانب الإيماني تعزيزا عمليا يتناول هذه المسألة تحديدا، فلابد للأبوين ان يحصنا أولادهما من الوقوع في مغبة ذلك الأمر بالحوار وبالتوجيه والإرشاد وبتعليمهم ما سوف يواجهونه من تغيرات جسمانية إبان مراهقتهم وكيف يتصرفون التصرف الصحيح حيالها، كيف يغضوا من إبصارهم ويحفظوا فروجه فلابد ان يكون هناك حوار داخل الأسرة، وان يبين الإباء والأمهات لأولادهم ما يحتاجون الى معرفته، وسأضرب على ذلك مثالا بقصة واقعية.. والد يخبرني أن ابنته لما قدّر لها ان تدخل الى الجامعة أخبرها أبوها وقال لها: يا ابنتي أوتيت نصيبا من الحسن، وستدخلين الى الدراسة الجامعية وهناك اختلاط وقد يتعرض لك بعض الشباب، وقد تسمعين من بعضهم ثناء على جمالك أو على ذكائك أو على أخلاقك او على مظهرك وستسمعين مدحا وثناء لمجرد الرغبة في التعرف، فقالت له: وماذا اصنع؟، قال: أمليهم رقم هاتفي، فلما تملي على أحدهم رقمي قولي له: هذا رقم والدي وتواصل معه إن شئت شيئا، وآتِ البيت من بابه.

وأضاف: فضيلته: يقول لي ولي تلك الفتاة: انه لم تمض أسبوعين وجاءت إلي البنت، وقالت لي: قد حصل معي ما أخبرتني عنه، فقال لها: ماذا فعلت؟ قالت: أمليته الرقم وكان مسرورا عندما أمليته الرقم، ثم لما أخبرته أن هذا هو رقم والدي، وأنه إن كانت لك حاجة أو تريد أن تثني عليّ فاتصل بوالدي، وسيحدد لك موعدا تغير وجهه، وما تعرض لي بعد ذلك أحد لا هو ولا من معه من الشباب الذين كانوا معه، وكفيت شره وشر من كان مثله.. مضيفا: إننا إذا بحاجة الى تربية صحيحة يوقف فيها الإباء أولادهم على ما يمكن أن يواجهونه، فلا استحياء في الدين فقد جاءت امرأة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت له: برح الخفاء يا رسول الله، المرأة ترى ما يرى الرجل فهل عليها من غسل؟ قال: نعم إذا رأت الماء، وكن يأتينه عليه الصلاة والسلام ويسألهن عن بعض هذه الخصوصيات.

إذن فضيلة الشيخ.. تمرير هذه المعلومة للبنت أو للولد في أي صورة تكون؟ لأن البعض ربما قد يمرر هذه المعلومة وهو في حالة تشنج؟

نحن نتحدث عن التوجيه والتعليم والتفقيه والإرشاد، فلا يصح أن يترك الآباء والأمهات أولادهما دون تعليم وتوجيه، فالواجب عليهم أن يبينوا لهم وأن ينشئوا بينهم حوارا يعلمونهم فيه ويسمعون منهم ويبينون لهم كيف يفعلون وهذا كله في سياق تعزيز الجانب ألإيماني، وهذا يعني تلخيصا تقوية الالتزام بما أمر به الله تبارك وتعالى به وأن نقف عند حدوده سبحانه وتعالى وأن نتذكر المنقلب الذي نؤول إليه، ومع هذا أيضا هناك خطوات أخرى، منها: ان على الأسرة أن تتخذ الإجراءات العملية الكفيلة بحجب هذه المواقع، ان كانت لا تحسن ذلك فلتستعن بالمتخصصين في تقنية المعلومات، فقد يصعب عليهم ان يحجبوا هذه المواقع في كل جهاز على حدة، لكنهم يستطيعون ذلك في الشبكة المنزلية في الجهاز الذي يبث شبكة «الواي فاي» او بما يعرف بـ«الراوتر» وهناك طرق عديدة اشهرها ما يعرف في تقنية الـ(DNS) بأن يدخل اسم النطاق ويشفر، يتحول الى أرقام ثم بعد ذلك يحجب، والمقصود تحديدا او ما يعرف بالحاجب العائلي وبهذه التقنية يستطيعون حجب تلك المواقع داخل الشبكة المنزلية عن كل الأجهزة التي تستخدم في المكان الذي تكون فيه تلك الشبكة.

وبيّن فضيلته أن هناك ما يتعلق بالإرشاد والتوجيه للأطفال حيث إن عالمنا الإسلامي يفتقد الى منظومة أخلاقية ودليل إرشادي يبين لمن كان دون سن البلوغ كيف يتعامل مع هذه الأجهزة الذكية حيث تجد أطفالا دون سن العاشرة يمتلكون مثل هذه الأجهزة بلا ضوابط ولا قيود، مبينا انه لابد من ضوابط لذلك فإن كان من فسحة للأطفال فلتكن فسحة منضبطة بأوقات معلومة وتحت إشراف من هم اكثر نضجا منهم، والأولى أن يتشارك الآباء والأمهات أو الإخوة الكبار مع الصغار بحيث تكون هذه الأجهزة في أماكن مفتوحة كالصالات العائلية التي تلتقي فيها الأسرة.

وقال: هناك خطوة أخرى تتمثل في الإكثار من اللقاءات الأسرية، حيث إن كثيرا من العائلات اليوم تشتكي بالرغم من أنها تحت سقف واحد لكنها لا تلتقي، فلابد أن تلتقي هذه الأسرة ولو لأحاديث يراد منها التسلية أو النفع والفائدة أو مناقشة أمر يهم الأسرة فضلا عما هو أولى من ذلك وأفضل وهو تصرف هذه اللقاءات في أمر نافع دينا ودنيا. فإذن لقاءات الأسرة لابد منها ولا يمكن أبدا أن تترك هكذا للظروف، فلابد من تخصيص أوقات للأسرة لمثل هذه اللقاءات التي تمكن الأسرة من تجنب أن يقع أفرادها في مهاوي الانغماس في المواقع الإباحية تصفحا وزيارة أو إدمانا- لا قدّر الله.

وأشار إلى أنه لابد أن يكون استخدام هؤلاء الأطفال لمثل هذه الأجهزة منضبطا ان يكون في أوقات مخصوصة وتحت إشراف الراشدين، مشيرا إلى هناك بعض الألعاب الإلكترونية للأطفال أدت ببعض الأطفال الى الانتحار فقد عززت عندهم العنف وإيذاء الأنفس والاعتداء على الآخرين الى غير ذلك من الأخلاق الذميمة فكيف لا يكونون صيدا سهلا لهذه المواقع الإباحية وقد علمنا من واقع الإحصائيات انهم يتصيدونهم من خلال الإعلانات التي تأتي في هذه المواقع التي يتصفحها الإنسان بشكل عادي، فقد تكون تلك المواقع التي يتصفحونها مواقع عادية إلا أن توالي الإعلانات هي التي تدفع هذا المتصفح الى ان يفتح هذه الإعلانات حتى يقع في المحذور. فلابد إذن للعقلاء في مجتمعنا من أهل الاختصاص من المشتغلين بالتربية والتعليم والإرشاد النفسي والتربوي ومن المتخصصين في الشريعة ومن الغيورين على أخلاق المجتمع أن يقوموا بأبحاث جادة للبحث عن أنسب الوسائل حيث نجد أن هذه الإحصائيات مصدرها العالم الغربي ووسائل العلاج مصدرها أيضا غربي وكثير من الخطوات التي تمكن من الحصانة والوقاية لا نجد فيها أبحاثا جادة رصينة لعلماء وباحثين مسلمين أو لتربويين أو لإعلاميين أو لأدباء أو لرجال إعلام وصحافة تشخص المسألة وتضع الحلول المأخوذة من شريعتنا ومن عاداتنا وتقاليدنا فهناك فجوة لابد من ملئها، ولذلك نحن ندعو أهل الاختصاص الى أن يعتنوا بهذا الجانب وأن لا تكون نصائحهم وتوجيهاتهم عامة بل لابد من تشخيص الداء ووصف الدواء لهذه العلل والعاهات التي تصيب الأفراد والأسر.

المؤسسات التربوية والصحية والتقنية والإعلامية.. نريد منكم أن تفصّلوا دورها في حماية الأبناء من مخاطر هذه المواقع الإباحية؟

هنا جانبان، أما الجانب الأول وهو الأهم والأولى، ولا يقتصر أثر التقصير فيه على ما يتعلق بالانحراف الخلقي بتعمد زيارة المواقع الإباحية والإدمان عليها، وإنما يمتد أثر التقصير فيه ليشمل حركة المجتمع بأسره.. وما لم تدرك المؤسسات المعنية وأصحاب القرار خطورة هذا الجانب فانه لن يتأتى لهم إصلاح المجتمع ولا النهضة بالأوطان، وهو وجود مشروع وطني تصرف له الطاقات وتبذل فيه الجهود ويملأ الأوقات ويعزز الطموح، وهذا المشروع يحقق الانتماء، فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة كان للمسلمين مشروع لتحقيق الإيمان ودعوة اكبر عدد ممكن من الناس الى هذا الدين ولذلك تحقق لهم الالتزام ووجد الانتماء، فهذا المشروع لابد ان يحقق الانتماء فقد شغل لهم طاقاتهم وملأ لهم أوقاتهم وبذلوا من اجله انفسهم وأموالهم، وضحوا في سبيل تحقيق هذا المشروع وتعززت هويتهم بالانتماء فيما بينهم، ولما إلى المدينة المنورة بعد الهجرة صار مشروعهم مع المشروع الأول تأسيس الدولة وبناء مؤسساتها بكل ما تحمله هذه الكلمة من تحقيق الرفاه الاقتصادي والأمن المجتمعي والأمن العسكري وتوثيق مواثيق وعهود مع سكان المدينة المنورة وبدء نشر الدعوة خارج المدينة المنورة، حتى إذا ما تحقق النصر نأتي بعد ذلك في آخر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتاب الله عز وجل نجد عودة الى تأكيد المشروع الأصلي.. (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) فمشروع التوحيد والإخلاص لله تبارك وتعالى هو المشروع الذي بذلت فيه الأمة آنذاك تضحياتها وكل غال ونفيس في سبيل تحقيقه وهو الذي حقق لهم الانتماء الصحيح وهو الذي أبقى دفق حضارة هذه الأمة الى ما شاء الله تبارك وتعالى حتى فرطت هذه الأمة وصارت بلا مشروع. ولا اقصد بالمشروع رسم أهداف نظرية فما أسهل ذلك، لكنه لا نفع لرأي لا نفاذ له، فيمكن للإنسان ان ينظّر وان يرسم الأهداف والطموحات لكن لا يمكنه تحقيقها أو أنه ليس هناك من البرامج والوسائل والخطوات ما هو كفيل بتحقيق تلك الأهداف.

مشروع وطني

وأضاف قائلا: الحاصل أنه لابد من مشروع على المستوى الوطني ولا يعني ذلك ان يكون مشروعا متفردا واحدا لكن الشباب اليوم يشعرون بضياع وتحد ان لديهم الكثير من أوقات الفراغ وان وطاقاتهم مهدرة وانهم لا يعرفون أين يوجهون ملكاتهم وذلك لعدم وجود مشروع وطني يمكن أن يستغل تلك الإمكانات والطاقات وأن يوجهها نحو الوجهة الراشدة، نحو الخير والصلاح وتعمير الوطن وتحقيق العز، والكرامة له والعلم النافع والمشاركة في البناء والحضارة واتخاذ القرار.. إلى غير ذلك من المشاريع التي يصرفون إليها همتهم، ويذوقون حلاوة تحقيق أهدافهم، ويحقق لهم بعد ذلك الانتماء، ونفع الشعور بالانتماء الى ذلك المشروع والى الجماعة القائمة بهذا المشروع وإلى الوطن المتبني لهذا المشروع انه ينفي عنهم الفردية والانعزال وينفي عنهم انهم يبحثون عن معالم هويتهم هنا وهناك، ويجنبهم اتباع الهوى والشهوات.

وأوضح فضيلته قائلا: إن المسألة أكبر من مجرد توجيه الطاقات البدنية إلا أن هذا جزء مهم في هذا المشروع، فنحن هنا نشير الى مشروع وطني يحقق الكرامة والعزة ويوجه الطاقات بل يدفعها الى التنافس لبناء هذا الوطن فغاية مطمح الشاب اليوم ان يجد وظيفة ولا يصح ان يقتصر نظره على مصدر كسب رزقه، يفترض ان يكون ذلك وسيلة توصل الى تحقيق أهداف لنفسه ولأسرته ولمجتمعه ولوطنه عموما، وما أكثر المشاريع التي يمكن ان تدفع بطاقات المجتمع إليها حينئذ لابد من أنشطة تذكي لهم أخلاقهم، وتصقل لهم مواهبهم، وتوجّه لهم طاقاتهم العقلية وتزكي لهم أيضا مواهبهم الأدبية، كما تفعل أيضا فيما يتعلق بطاقاتهم البدنية وتحقيق لهم أيضا الشعور بالانتماء لأسرتهم ولمجتمعهم ولهذه الأرض الطيبة التي لا تحتمل ان يقصر أصحاب القرار، وإلا فاتت الفرصة وتحولت هذه الطاقة الكامنة للخير والبناء والصلاح والتعمير الى ان تكون أدوات للإفساد والضياع وتضييع هذه الطاقات والإفساد في هذا الوطن. وسيكون من العسير حينئذ وصف الدواء لمثل هذه الأوضاع. اما فيما يتعلق بالجوانب التنفيذية في خصوص هذه المسألة وحتى فيما يتعلق بالرؤية بعيدة المدى والجانب الاستراتيجي لا تخرج عن هذه القضية.. مبينا فضلته ان هذه الطاقات الشابة عليها تعويل كبير وهي مستعدة للبذل والعطاء وإنما هي بحاجة الى إتاحة الفرصة.. وأضرب هنا مثالا ان بعض الجسور الرئيسية في البلاد قام بتصميمها طلاب في الجامعات كما اخبرني بذلك القائمون عليها، حيث أجريت لهم مسابقات ففاز طلاب عمانيون لم يتخرجوا بعد قبلت تصاميمهم ونفذت بعد ذلك وأعرف هؤلاء الشباب ومن كان يشرف على هذه الجسور الحيوية، فهذه الطاقات لابد ان تتاح لها الفرصة وأن تعطى المجال لبناء هذا الوطن بمشاريع فيها تعمير وبناء وصلاح وإصلاح، وأكد فضيلته انه في كثير من البلدان حتى في غير البلاد الإسلامية اتخذوا هذه الخطوات وهي: حجب هذه المواقع، واشتراط التعرف والتحقق من الهوية الصحيحة للمتصفح ولزائر تلك المواقع، ونحن لا ندعو الى الاقتصار على ذلك وانما نقول الحجب أصلا. فان كانت هناك اتفاقيات دولية فشأننا شأن هذه البلدان التي اتخذت تلك الخطوات، ومن ذلك أيضا تغليظ العقوبات على المروجين ومن ينشرون هذه الإعلانات والدعايات والروابط فليس بخطر هذه المواقع بأيسر من خطر الترويج للمخدرات والخمور. ومن الخطوات اليسيرة أيضا لذلك تحقيق حصانة للأطفال خصوصا بحيث تعد لهم برامج وتقدم لهم دورات ويؤهلون في دورات تدريبية بما يجنبهم الوقوع في هذه المواقع فلا يكفي ان تكون العناية من داخل الأسرة فقط بل لابد ان يكون هناك دور أيضا للمؤسسات الرسمية في تحقيق هذا الغرض بشتى الوسائل المتاحة في المدارس والمساجد وفي الإعلام مع تقديم البدائل التي تصرف توجهات الأطفال خصوصا الى ما هو نافع مفيد لهم، الى ما يعرّفهم بتاريخهم وتراثهم والى ما يعزز هويتهم وما يقيهم من الوقوع في هذه الأهواء والشهوات.