1192375
1192375
مرايا

يقتل صاحبه بلا موت - العناد .. وجهان إيجابي وسلبي

20 ديسمبر 2017
20 ديسمبر 2017

كتبت- رحاب الهندي :-

منذ الطفولة تتكون الذات بصيغ مختلفة كل حسب ما أودعه الله في داخله من كينونة مختلفة تماما عن الآخر، والكينونة هي كيف يتصرف الإنسان من دواخله، وكيف هو تفكيره وعواطفه المتداخلة المعجونة بنسب مختلفة من الأنانية والحسد والطمع والبخل والتفكير السلبي والعناد وحب الخير والعطاء والكرم، فإن زادت نسبة الأشياء التي تحقق الخير كان الإنسان أكثر طيبة وكرما من ذلك الإنسان الذي تتكاثر لديه النسب الأخرى من حقد وكراهية وغرور. وأحيانا يخفف أسلوب التربية من شظايا السوء وتكثر من حصاد الخير، فأسلوب تربية الأهل ثم المدرسة ثم المجتمع تؤثر نوعا ما في تخفيف حدة السوء أو تزيد من عطايا الخير.

ومن كل هذه الأشياء نتحدث اليوم عن العناد كيف يمكن أن يكون سلبا أو إيجابيا إذا تمكن من عقل الإنسان، وكان الحديث طويلا وممتعا عند الكثيرين، بينما ضحك البعض واصفا نفسه أنه عنيد وأن لا حل لعناده رغم محاولاته المتكررة للتخفيف من حدته في تعامله مع الناس، اخترنا بعضا من الأحاديث ننقلها لكم عبر «مرايا».

تحدثت مها الخروصية (ربة بيت) قائلة: لا أقتنع أن للعناد مسألة إيجابية في الحياة، لأن إيجابية العناد مجازا لا تكون عنادا بل تحدي، والتحدي مسألة مختلفة عن العناد، لذا فالعناد بكل أشكاله يحمل سلبيات متعددة لا يكتشفها الإنسان إلا في وقت متأخر، ويندم حيث لا ينفع الندم.

لي شقيق عاش مع العناد منذ طفولته، وكانت معاناتنا كبيرة كل أفراد العائلة، فإن قال شيئا مهما يكن فكلامه هو الصحيح، وهو الوحيد الذي يفهم ولا يمكن أن يقنعه أي شيء أو أي كلام، وكانت معاناتنا كعائلة في اختيار تخصصه الدراسي الذي فشل فيه ثم تركه، ثم حين أصر على وظيفه لا تلائم تخصصه الذي أكمله فيما بعد وبالطبع ترك الوظيفة، ثم في اختيار زوجته التي رفضته منذ البداية ولكنه عاند حتى تزوجها ولم تستمر حياتهما.

يا عزيزتي سألت سؤالا ينكأ جرحي ووجعي، فمهما كان هو أخي الذي أحب له كل الخير، لكن عناده كان سببا في تعاسة الجميع وليس فقط تعاسته.

لا للاعتذار

سعيد البلوشي (موظف إداري) ضحك قائلا: اللهم أبعد عنا العناد والعنيدين، وتابع قوله: العناد مشكله حقيقية لكل إنسان يتصف بالعناد، والغريب أن هذا الشخص يعرف مشكلته لكنه يكابر، ومهما أخطأ بحق من حوله لا يمكن له أن يعترف بالخطأ أو يعتذر، مهما كان موقفه أو حديثه جارحا ومؤلما، لا أقول إلا أعانهم الله عما يدور في عقولهم.

وأذكر هنا بعضا من الأقوال أحفظها وأرددها على مسمع صديق لي مشهور بعناده، لكن للأسف لا فائدة من هذه الأقوال:

– الإنسان لديه من العناد والكبرياء ما يجعله يرفض أي تعلم وأي تعليم.

– أنا لست متكبرا، ومن يراني هكذا هو الذي يرى نفسه صغيرا بجانبي.

– كل ما في الأمر أني ترفعت عن (الكثير) حين اكتشفت أن الكثير لا يستحق النزول إليه.

– أنا لست عنيدا .. أنا مجرد رجل له سطور ليس الجميع يتقن قراءتها .

كل هذه الأقاويل تنبع من موقف حقيقي لمن يتسم بالعناد، ولا أقول إلا الله يهديهم.

وأحب أن أضيف هنا أن عناد الكبار غالبا ما يكون له أسبابه، ومنها عدم الثقة بالنفس، وافتقاده لبعض حقوقه، وعدم إشباع رغباته وحاجاته ومتطلباته، فيتكون لديه إصرار على تنفيذ ما يراه حق له في كل أمور الحياة، حتى لو كان على خطأ أو لا يستحقه، وقد يحارب الجميع أو يخاصمهم بسبب عناده.

الطفل العنيد

تقول شهلاء الزدجالية (طالبة جامعية وأم لطفل في عمر الثلاث سنوات) أعتقد أن العناد صفة منذ ولادة الإنسان، وطفلي رغم أنه لم يتجاوز الثلاث سنوات، إلا أنه يتصف بالعناد، وأحاول دوما متابعه كتب علم النفس الخاصة بالأطفال في كل شؤنهم، وخاصة تلك التي تتحدث عن العناد لأستطيع التعامل معه.

والطفل غالبا أذكى مما نتصور نحن الكبار، فقد يعاند في نوع الطعام الذي نقدمه له رغم فائدته، وهو يعرف تماما مدى تعلق والديه به فيعاند من أجل أن يحصل على ما يريد عن طريق رفضه مثلا لتناول الطعام أو محاولة تكسير ألعابه لإثبات وجوده أو رفضه لما نطلبه منه كموعد النوم. هو حالة أعتقد يجب الاهتمام بها، ومحاوله التخفيف من عناده بكل الوسائل، حتى لا يصبح عنيدا حين يكبر فيخسر الكثير في حياته.

وأذكر فيما قرأت أن العناد قد يكون إيجابيا في محاوله إثبات ذاتهم، كأن يحاول الطفل مثلا الوقوف بمفرده أكثر من مرة ولا يستسلم حين يقع فيكرر المحاولة وينجح، عناده هنا في تحقيق مطلب الوقوف أو عناده مع إحدى ألعابه التي يحاول أن يكتشف ما بداخلها ولا يمل من تكرار المحاولة مرة وراء الأخرى.

مأساة صاحبه

يقول جمعة اللواتي (عمل حر): أعجبني مصطلحك الذي قلتيه عن العناد «هل هو وجع الفوضى؟» وأنا أقول لك: نعم إنه الفوضى والوجع في آن واحد، فالعنيد أصلا يعيش في فوضى إضافية لما نعيشه نحن، لكن الفوضى التي نعيشها قد تترتب ضمن التعامل العقلاني باعترافنا بالخطأ والاعتذار، أما العنيد فلا يمكن أن يعترف لا بالخطأ ولا بالاعتذار رغم ما يعيشه من وجع في تعامل الناس معه، بعضهم قد يسخر منه بألفاظ غير مستحبة كأن يصفه بصفات لا تليق بإنسانيته، والبعض قد يتجاهله أو حتى ممكن أن يقاطعه، بصراحه العناد مأساة صاحبه.

أخيرا

من يرى نفسه ضمن كلمات سطوري، أي عنيدا منكفئا على ذاته، نرجو أن يعود لوعي التعامل والحياة، فلا يمكن أن يكسب من عناده إلا فوضى ووجع وتجاهل ومقاطعة، والعناد لا يمكن أن يكون صفة لمؤمن يعرف أن الله حق، وأن السلام الداخلي مع نفسه ومن حوله هو راحة تعيد له بسمة الحياة ومن حوله.