randa2
randa2
أعمدة

عطـر: أموركم طيبة إن شاء الله

26 سبتمبر 2017
26 سبتمبر 2017

رندة صادق -

[email protected] -

للشعوب طبائع وخصائص وميزات وسمات، ولكل شعب تاريخ وحضارة وصفات فيزيولوجية وشخصية، تميزه عن باقي الشعوب ترتبط ارتباطا وثيقا بالمحيط والمؤثرات العامة والخاصة للجغرافية وللعلاقة بين المواطن والحاكم وطريقة الانسجام بينهما .

من هنا بامكاننا أن نفهم كتاب المفكر الفرنسي “أندريه سيغفريد” الذي أسماه “روح الشعوب”حيث يبين لنا فيه طبيعة مزاجها النفسي وتأثرها بالبيئة السياسية والاقتصادية والجغرافية العامة. لكن من المهم اليوم ان نفهم ان أمزجة الشعوب، ترتبط بالروح الجماعية التي تتحلى بها الأمم والتي يُوجدها الحاكم في أبناء شعبه وتجعل من مزاجه حالة تستدعي البحث.

وبعد زيارتنا لعُمان هذا البلد “البشوش” صاحب مقولة:”أموركم طيبة ان شاء الله” - قد يستغرب البعض ان نصف بلدا بكل ما يحمل من خصائص انه بلد “بشوش” الحقيقة ان هذا ما لمسته من طاقة المكان الإيجابية التي تنسحب على الجميع.

ربما لا يعلم البعض ان الإيجابية ليست مصادفة، بل هي طريقة في العيش وأسلوب في التواصل، ولعل بعضنا يعاني من غموض لا تفسير له، فهو لا يدرك لماذا يشعر بالراحة في مدينة تبعد آلاف الأميال ولماذا تأخذ هذه المدينة قلبه وتُعمل عقله ولماذا تسقط حواسه في عشق لا منطق له؟ قد يكون لأن للمدن شخصية ولهذه الشخصية “ aura”يلتقطها من اقترب منها وهذا بالضبط ما قد حدث مع أول ابتسامة لمواطن عماني تلتقيه فتمنحك ابتسامته الراحة والاطمئنان في قلبك، فتشعر انك في بلد آمن طيب يحتضن غربتك الأولى، فلابد لأي زائر جديد لأي مدينة في العالم ان يتوجس من الاختلاف الثقافي والعادات والتقاليد، إلا في عُمان فأنت تذوب من اللحظة الأولى في طيبة هذا الشعب .

هي”سلطنة عُمان” لأن الأمور لا ترتبط كما تبدو فقط بسمات شعب بل الحقيقة لها بعد آخر أكبر من هذه المظاهر، تبدأ من رأس الهرم في هذه الدولة من جلالة السلطان قابوس حفظه الله، فمن المعروف أن رب الأسرة في البيت هو المدبر لأمورها، الحريص على ثباتها وتماسكها أمام المحن، الحازم بلا قسوة والمحب بلا إفراط عاطفي، هذا بالضبط ما لمسته من تناغم العلاقة وإيمان الرؤية بين سلطان استثنائي النهج وشعبه، وتفرده في إدارة بلد بهذه الإيجابية تحت راية السلام والتعايش وقبول الآخر، والنظر الى المستقبل كاستثمار في التوافق لا تناحر أو تنافر، هذا بالتحديد ما منح هذا البلد بشاشته وكل تلك الطاقة الإيجابية، فأنت لا يمكن ان يصيبك إحباط او غربة أو تشنج وأنت في زيارتها، كل ما ستراه هادئا ومسالما حتى ارتفاع الحرارة لن يوترك ولن تشعر بالتشنج .

سلطنة الضوء والطيبة تغلف مزاجك، فتشعر أنك أكثر تفاؤلا وأكثر اندفاعا ونشاطا، فسائق السيارة والعامل والناس في الأسواق لا تجد عبوسا في وجوههم، فلو قارنا هذه الوجوه بوجوه المواطن اللبناني المتوتر دائما، الغاضب دائما، اللائم دائما، العاجز دائما، وبين تلك الوجوه ستدرك عن أي فروقات وخصائص نفسية أتكلم، أتكلم عن أمن وأمان وسلام ودعم معنوي متبادل عن طاقة الحب والتعايش لا عن منطق التنافر والتحاصص.

منذ سنوات كتبت مقالا حمل عنوان :”مسقط أنتِ من أحلامي” وكنت أنتظر ان يتحقق الحلم، لكن لم أتوقع تفوق الواقع على الحلم وإني سأصادف أناسا أهم ميزاتهم التواضع والبشاشة، وسأتعلم ان أصحو كل يوم لأردد: “أموركم طيبة ان شاء الله “ بالخلاصة كل مواطن عُماني كان سفيرا لبلده واستطاع دون جهد أن يؤثر فينا، لدرجة أننا غادرنا ونحن كلنا أمل أن نعود مرارا وتكرارا .