أفكار وآراء

النازيون الجدد والانتخابات الألمانية

20 سبتمبر 2017
20 سبتمبر 2017

عبد العزيز محمود -

مع إعلان النتيجة النهائية للانتخابات الفيدرالية الألمانية في 24 سبتمبر الجاري وتحديد نسبة الأصوات وعدد المقاعد التي حصل عليها النازيون الجدد يمكن التكهن إلى حد ما بملامح ألمانيا المستقبل.

بحصولهم في استطلاعات الرأي على 12% من الأصوات يواصل النازيون الجدد تقدمهم للفوز بالمركز الثالث في الانتخابات الفيدرالية الألمانية المقرر إجراؤها يوم الأحد المقبل الموافق 24 سبتمبر الجاري تمهيدا لدخولهم البوندستاج الألماني (البرلمان الاتحادي) لأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

هذا الفوز المحتمل للنازيين الجدد الذين يمثلهم حزب «البديل من أجل ألمانيا» يعني أنهم قد يصبحون أكبر قوة معارضة داخل البوندستاج في حالة إعادة تشكل الائتلاف الحاكم الحالي بقيادة المستشارة إنجيلا ميركل الذي يضم الاتحاد الديمقراطي المسيحي لألمانيا والاتحاد الاجتماعي المسيحي.

ويعتبر النازيون الجدد الذين يمثلون أقصى اليمين الشعبوي من أشد المعارضين لسياسات ميركل، بل إنهم يهددون حال دخولهم البوندستاج بتشكيل لجنة للتحقيق معها بسبب سياستها المتعلقة بالهجرة التي تسببت في دخول مليون مهاجر معظمهم من المسلمين إلى ألمانيا.

ويتعامل النازيون الجدد مع أزمة المهاجرين باعتبارها أولوية قصوى، وهذا ما يدفعهم للمطالبة بإغلاق الحدود الألمانية فورا في وجه المهاجرين، واعتقال اللاجئين الذين يجلبون عائلاتهم، حتي لا يصبح الألمان أجانب في بلادهم، حسب زعمهم، وحتى لا يكون للإسلام مكان في ألمانيا في ظل تقديرات ترجح وصول المسلمين في أوروبا إلى 240 مليونا بحلول عام 2050 . وفي حال حصوله على نسبة معتبرة من المقاعد داخل البوندستاج ربما يتولى حزب البديل رئاسة لجنة الميزانية؛ مما يعطيه إمكانية إعطاء الأولوية لسياسات معينة، خاصة تلك المتعلقة بالانسحاب من منطقة اليورو، ووقف المساعدات المالية لدول جنوب أوروبا بشكل أو بآخر.

والمؤكد أن دخول النازيين الجدد المتوقع للبرلمان الاتحادي الألماني (البوندستاج) لم يأت من فراغ، فقد سبقه نجاحهم في دخول برلمانات الولايات الألمانية (البوندسرات) حيث فازوا بالتمثيل البرلماني في 13 من أصل 16 ولاية في الانتخابات التي أجريت في مايو الماضي، مما سمح لهم برفع أصواتهم دفاعا عن الماضي النازي وهتلر وأيضا بما حققه الجنود الألمان خلال الحربين العالميتين الأولي والثانية.

وهكذا سوف يصبح في البرلمان الألماني بشعبتيه البوندستاج والبوندسرات نازيون حقيقيون لأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فيما يعيد إلى الأذهان ذكرى صعود النازية خلال عشرينيات القرن الماضي ونجاحها في حكم ألمانيا خلال الفترة من 1933إلى 1945.

والمرجح أن يشكل هؤلاء صداعا دائما في رأس المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل التي يتوقع فوزها بمنصب المستشار (رئيس الوزراء) لولاية رابعة وسط مخاوف من احتمال دخول حزب البديل في الحكومة الألمانية الجديدة في حال عدم حصول الائتلاف الحاكم (الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي) علي عدد كاف من الأصوات.

تقدم النازيين الجدد عبر حزب «البديل من أجل ألمانيا» يعتبر مفاجأة بكل المقاييس، فالحزب لا يتجاوز عمره 4 أعوام، حيث تأسس في عام 2013 علي يد مجموعة من الأكاديميين المناهضين للهجرة ومنطقة اليورو، بهدف استقطاب أصوات الناخبين اليمينيين المتشددين.

ورغم أن الحزب كان أقرب إلى اليمين الشعبوي، ولكنه بعد فوزه بسبعة مقاعد في البرلمان الأوروبي في عام 2014م شهد سلسلة من الانشقاقات جعلته حزب النازية الجديدة، وتدرجت مواقفه من مناهضة الهجرة والإسلام ومنطقة اليورو لتبني الاشتراكية القومية والإيديولوجية النازية التي تعادي الأجانب وتتبنى معاداة السامية، وتنكر المحرقة وتسعى لإقامة الرايخ الرابع (وهي إمبراطورية ألمانية مستقبلية افتراضية خلفا لألمانيا النازية).

كما شكل الحزب منظمة للشباب على غرار (شبيبة هتلر)، وتحالف مع حركة (بيجيدا) العنصرية التي تأسست في درسدن بألمانيا في عام 2014 للمطالبة بطرد المسلمين من أوروبا.

عودة النازيين الجدد إلى الساحة السياسية في ألمانيا هو إحياء للنازية التي ظهرت لأول مرة في ألمانيا عام 1919 مع تشكيل حزب العمال النازي الذي تولى أدولف هتلر قيادته في عام 1920 وأصبح اسمه حزب العمال الألماني الاشتراكي القومي، ويدعو إلى هيمنة العرق الآري (الشعوب الجرمانية)، وحقه في إبادة الشعوب الأخرى، وتشكيل ألمانيا الكبري التي تضم النمسا والألزاس واللورين وجمهورية التشيك وبولندا وأراضي من الاتحاد السوفييتي السابق.

وتعتبر الاشتراكية الوطنية العقيدة الأساسية للحزب النازي وكافة الجماعات اليمينية التي خرجت من عباءته بما فيها اليمين الشعبوي، وهي عقيدة عنصرية تعادي السامية والشيوعية والبلشفية والليبرالية والرأسمالية، وتسعى لإقامة مجتمع ألماني قائم علي النقاء العرقي فيما يعتبره أراضي ألمانيا التاريخية.

وخلال الفترة من 1933إلى 1945 حكم الحزب النازي ألمانيا، وتسبب بأيديولوجيته المتطرفة في مقتل عشرات الملايين من البشر قبل الحرب العالمية الثانية وأثناءها وبعدها، في بولندا وأوروبا الوسطي والاتحاد السوفييتي وأوكرانيا وبيلاروسيا ويوغسلافيا السابقة وأوروبا الغربية واليونان وأيضا ألمانيا.

وعقب هزيمة ألمانيا في عام 1945 تعرضت النازية لضربة قاصمة، فحزب العمال الألماني الاشتراكي القومي أصبح في حالة انهيار، خاصة بعد مقتل أو انتحار زعيمه مارت بورمن، وانتحار الزعيم الألماني هتلر، وتولي خليفته في رئاسة الدولة كارل دونيتز ترتيبات الاستسلام لقوات الحلفاء.

وفي أكتوبر 1946 أصدرت محكمة نورمبرج أحكاما بالإعدام علي كبار المسؤولين والقادة النازيين، وانتحر آخرون، فاضطر أعضاء الحزب النازي لاستيعاب الواقع الجديد، وأوقفوا كافة أنشطتهم. واستمر هذا الوضع حتى انتخابات 1949 التي شهدت تسلل نازيين إلى البوندستاج عبر حزب دويتشه ريشتسبارتي، وفي عام 1952 أصدرت ألمانيا تشريعا يحظر النازية وكافة الحركات المناهضة للديمقراطية الليبرالية، ولكن النشاط السري للنازية لم يتوقف.

وجاءت المحاولة الثانية لإحياء النازية في ألمانيا عام 1956 عبر تأسيس الاتحاد الاجتماعي الألماني، ولكنه تعرض للحل في عام 1962 مما دفع النازيين السابقين للتحلق حول الحزب الوطني الديمقراطي الذي تأسس في عام 1964، وفي التسعينيات من القرن العشرين عاود النازيون الجدد محاولاتهم لإحياء النازية داخل وخارج ألمانيا، وارتبطوا بتحالفات عميقة مع اليمين الشعبوي في أوروبا وحول العالم.

ورغم أن القانون الألماني يجرم الرموز النازية وإنكار المحرقة والتحريض على الكراهية ومعاداة السامية، ويعتبرها جرائم جنائية تصل عقوبتها للسجن 5 سنوات، ولكنه لا يحظر الأحزاب النازية الجديدة تاركا هذه المهمة لتقدير المحكمة العليا التي رفضت عدة محاولات لحظر الحزب الوطني الديمقراطي في ألمانيا وهو حزب نازي تأسس في عام 1964.

وهكذا تشكل حزب «البديل من أجل ألمانيا» في عام 2013 دون أن يتضمن برنامجه أي إشارة للنازية وتحول في عام 2014 إلى حزب للنازيين الجدد، وأصبح يشكل القوى السياسية الثالثة في ألمانيا بعد التحالف الحاكم (الذي يضم الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي)، والحزب الديمقراطي الاجتماعي.

ومع إعلان النتيجة النهائية للانتخابات الفيدرالية الألمانية في 24 سبتمبر الجاري وتحديد نسبة الأصوات وعدد المقاعد التي حصل عليها النازيون الجدد يمكن التكهن إلى حد ما بملامح ألمانيا المستقبل.