الملف السياسي

الوقت مبكر للحديث عن عودة اللاجئين السوريين

28 أغسطس 2017
28 أغسطس 2017

جيف كريسب -

ترجمة قاسم مكي -

المعهد الملكي للشؤون الدولية (شاتام هاوس) -

منذ عام 2011 م فر نحو خمسة ملايين سوري من الصراع المسلح الذي نشب في بلدهم، وبحثوا عن ملجأ في الخارج. ذهب أكثرهم إلى الأردن ولبنان وتركيا. لكن ذلك الموج الهادر من اللاجئين تحول الآن إلى قطرات، وتتزايد المؤشرات التي تدل على أن بعضهم ربما على استعداد للعودة إلى سوريا. في يوليو الماضي ذكر مكتب المندوب السامي لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة أن ما يصل إلى 450 ألف سوري نازح عادوا إلى أماكن سكناهم الأصلية في الشهور الستة الأولى من هذا العام. وفي حين أن الأغلبية الغالبة من هذا العدد نزحوا داخل سوريا لكن المكتب ذكر أنه رصد أيضا عودة أكثر من 30 ألف لاجئ من البلدان المجاورة خلال نفس الفترة. وتوصل المكتب إلى وجود «اتجاه لافت للعودة الطوعية من الخارج وداخل سوريا نفسها» وتتطابق تقييمات وكالات أخرى مع هذا التقييم. فبحسب المنظمات غير الحكومية العاملة في المنطقة، في يوليو كان يعود حوالي 200 لاجئ يوميا من تركيا إلى جرابلس في شمال سوريا. وهي منطقة حررت من داعش بواسطة قوات تدعمها تركيا. وفي نفس الشهر عبر 30 ألف لاجئ آخر الحدود إلى سوريا للاحتفال بعيد الفطر ثم عاد معظمهم إلى تركيا. خدمت هذه التطورات مصالح أطراف مفتاحية عديدة ذات صلة بأوضاع لجوء السوريين. فقد عانى الأردن ولبنان منذ فترة من وجود اللاجئين في أراضيهما حيث يشار إلى الضغط غير المحتمل لهذا الوجود على الاقتصاد والبيئة والبنيات الأساسية. كما توجد مصلحة أيضا لدى الدول المانحة (خصوصا بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة) في الإشارة إلى توافر ظروف عودة اللاجئين. فقد أنفقت هذه الدول أموالا ضخمة على توفير المساعدات الإنسانية للاجئين ولا تزال تتعرض لضغوط مستمرة من الدول الثلاثة المضيفة لزيادة مستوى عونها وتقديمه أيضا للمجتمعات المحلية المتأثرة بوجود اللاجئين. ومن جهة أخرى أوضحت إدارة ترامب أن محنة اللاجئين السوريين لن تحل بوسيلة إعادة التوطين في الولايات المتحدة. وبذلك أكدت أكثر على العودة كحل للمشكلة. كما أن القوى الغربية ككل أكثر استعدادا للنظر في عودة اللاجئين إلى سوريا بعد أن تخلت الآن فعليا عن هدف تغيير النظام في دمشق. استجابة مكتب شؤون اللاجئين لهذا الوضع تتصف بأنها موزونة بدقة ومتناقضة احتمالا. فمن جهة استمر المكتب، وفقا لتفويضه بحماية نازحي العالم، في التأكيد على أن الظروف التي تسمح بعودة اللاجئين بأمان وكرامة لم تتوافر حتى الآن، « فبالنظر إلى المخاطر الكبيرة» التي لا تزال موجودة في سوريا «لا يمكن للمكتب أن يدعو إلى عودة اللاجئين أو أن يساهم في تيسير هذه العودة»، ومن جهة أخرى تأثرت مقاربة المكتب بثلاثة اعتبارات إضافية هي اعتماده الشديد على التمويل الغربي وإقراره بالحاجة إلى المحافظة على ثقة البلدان التي تستضيف أعدادا كبيرة من اللاجئين وإدراكه أنه يلزمه لعب دور مركزي في تنظيم عودة اللاجئين إذا حدثت هذه العودة وحين تحدث. نتيجة لذلك انخرط المكتب في عملية تخطيط حذرة لإعادة اللاجئين إلى ديارهم، وجمع الأموال، وتوظيف الأفراد المطلوبين لزيادة عملياته داخل سوريا. وفي إعلان اختيرت كلماته بعناية ذكر المكتب أنه يسعى إلى تنفيذ «عدد من الخطوات التحضيرية استباقا للوقت الذي تتحقق فيه ظروف العودة الطوعية للاجئين»، ويبدو من المستبعد جدا أن تلك الظروف ستتوافر في المستقبل المنظور. فأولا تظل سوريا بلدا في حالة حرب. لقد توقفت محادثات السلام ولا تزال هنالك معارك طاحنة يجب خوضها (مثلا في منطقة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة)، ورغم أن اللاجئين سيرغبون في النهاية في العودة إلى بلدهم إلا أنهم سيفعلون ذلك فقط حين ينتهي النزاع المسلح حسبما تشير المسوحات الأخيرة. وفي حين أن بعض اللاجئين ربما قد اختاروا سلفا العودة إلا أنهم غالبا ما فعلوا ذلك في غياب معلومات دقيقة عن الوضع داخل سوريا أو لأنهم شعروا بالإنهاك وإذلال الحياة في المنفى أو لأن خيار الانتقال إلى أوروبا صار أكثر صعوبة.

ثانيا: لن تكون العودة الواسعة النطاق إلى سوريا قابلة للاستدامة بسبب الدمار الذي لحق بسوريا خلال أعوام الحرب الستة. فحوالي 14 مليون نسمة من جملة 18 مليون مقيم في سوريا بحاجة إلى مساعدة إنسانية. لقد نزح 8 ملايين داخل سوريا فيما تقطعت السبل بحوالي 4 ملايين آخرين في مناطق محاصرة ولا يمكن الوصول إليها. ويوجد نقص حاد في كل من الوظائف والغذاء والماء والمأوى والعناية الصحية والتعليم. ولكن لا يبدو أي من اللاعبين الرئيسيين (الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا وإيران) مستعدا أو قادرا على تمويل إعادة بناء سوريا، خصوصا إذا بقي الرئيس الأسد في سدة الحكم. وكما جاء على لسان رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر فإن بعض الناس «يتحدثون عن خطة مارشال خاصة بسوريا. ولكن هذا لن يحدث إذا لم يتحقق توافق سياسي»، وأخيرا لدى نظام الأسد اهتمام ضئيل بعودة اللاجئين. بل في الحقيقة لقد استغلت دمشق الهجرة للتقليل من الوجود السني في الأجزاء الهامة اقتصاديا واستراتيجيا في سوريا . وبذلك عززت من موقف الفئات المؤيدة للحكومة. وكما قال أحدهم: «خفض حجم الأغلبية السنية يبدو كأنه أفضل ما استطاع النظام فعله من أجل إيجاد الشروط التي تجعل الحكم أكثر استدامة»، وفي حين أن البلدان المضيفة والمانحة ترغب في حل سريع لوضع اللاجئين السوريين إلا أن ذلك ليس خيارا واقعيا. فحتى يعود السلام إلى سوريا سيكون من الضروري تزويد اللاجئين بالنقود وأشكال العون الأخرى التي يحتاجونها لمعيشتهم وفي ذات الوقت ضمان دعم منظمات التنمية والمؤسسات المالية والقطاع الخاص والسوريين المقيمين في الخارج (الدياسبورا) للاقتصاد والبنيات الأساسية في المناطق التي استقر بها العدد الأكبر من اللاجئين. وحين تكون عودة اللاجئين ممكنة. أخيرا: يجب أن تتم بطريقة آمنة وطوعية ووفقا لما يتطلبه القانون الدولي للاجئين. ففي حالات كثيرة جدا من عمليات إعادة اللاجئين إلى ديارهم لم يحدث احترام لتلك الشروط.

• الكاتب زميل برنامج القانون الدولي بالمعهد