مرايا

القضاء الإداري في السلطنة

05 يوليو 2017
05 يوليو 2017

لا شكّ أنّ وجود الرقابة القضائية على أعمال الجهات الإدارية في دولة ما يعد من الضمانات الأساسية لحماية حقوق وحريات الأفراد، وتأكيدا لمبدأ المشروعية أو سيادة القانون بالبلاد الذي يحتم خضوع جميع مؤسسات الدولة والأفراد على حد سواء لحكم القانون.

وقد أرسى النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 101/‏‏96 دعائم القضاء الإداري بالسلطنة ليكون رقيبا على مشروعية تصرفات الإدارة وضمانا لتطبيق مبدأ سيادة القانون، فبداية أقرت المادة (25) من ذلك النظام أن التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ثم أكدت المادة (59) على أن “ سيادة القانون أساس الحكم في الدولة “، وانتهت المادة (67) إلى إنشاء جهة قضائية تختص بالفصل في الخصومات الإدارية إما بواسطة دائرة أو محكمة خاصة يبين القانون نظامها وكيفية ممارستها للقضاء الإداري “ ، وهو ما تُوج بإنشاء محكمة القضاء الإداري وإصدار قانونها بالمرسوم السلطاني رقم 91/‏‏99 ، كجهة قضائية مستقلة تختص بالفصل في الخصومات الإدارية التي حددها قانونها، والمتعلقة بشؤون الموظفين العموميين، والقرارات الإدارية، ودعاوى التعويض والعقود الإدارية، وغيرها من المسائل.

راعى المشرع أن استقلال القضاء الإداري عن القضاء العادي يكفل السرعة في الإجراءات مما ينعكس أثره على سرعة الفصل في الخصومات الإدارية، الأمر الذي يؤدي إلى ضمان حماية حقوق الأفراد في الوقت المناسب ويقتضيها حسن سير المرافق العامة بانتظام واطراد.

وإذا كانت البداية الأولى للرقابة القضائية على أعمال الإدارة بالسلطنة تتمثل في إنشاء محكمة القضاء الإداري، إلا أن أعمال الجهات الإدارية لم تكن بمنأى عن أي رقابة قبل إنشاء هذه المحكمة، إذ إن الواقع يؤكد وجود عدة أنواع من الرقابة حرصت الدولة على الأخذ بها منذ بداية النهضة.

أنواع الرقابة القضائية على جهات الإدارة قبل إنشاء محكمة القضاء الإداري:

- النوع الأول: الرقابة الإدارية، وهي رقابة ذاتية تقوم الجهات الإدارية بمقتضاها بمراقبة نفسها بنفسها .

- النوع الثاني: الرقابة التي يمارسها أعضاء مجلس الشورى من خلال الاستفسارات والمناقشات والأسئلة التي يوجهونا إلى المسؤولين بالوحدات الحكومية .

- النوع الثالث: رقابة الرأي العام، فهذه الرقابة لها دور مهم في تحسين أداء الوحدات الحكومية، وذلك من خلال ما تسليط الصحافة الأضواء على المشاكل العامة التي تحدث في المجتمع، واقتراح الحلول المناسبة بشأنها.

- النوع الرابع: الرقابة التي تمارسها بعض الجهات الحكومية المستقلة على أعمال وحدات الجهاز الإداري للدولة، سواء كانت رقابة سابقة أم لاحقة.

- النوع الخامس: الشكاوى والتظلمات التي يرفعها ذوو الشأن إلى المقام السامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم - حفظه الله ورعاه - وإلى ديوان البلاط السلطاني فيتم بحثها والبت فيها بعد استيضاح رأي الجهات المعنية.

وبالرغم من ذلك فإن الرقابة القضائية على أعمال الإدارة تظل هي الضمانة الحقيقية لحماية الحقوق والحريات، فهي أفضل أنواع الرقابة وأكملها، لأنها تتيح لكل شخص تتأثر مصلحته بقرار إداري أو تصرف من تصرفات الإدارة أن يلجأ إلى القضاء طالبا الحكم بعدم صحة القرار المتضرر منه أو التعويض عنه، وذلك لما يتمتع به القضاء من استقلال وحياد تام يجعله بمنأى عن تدخل الدولة في شؤونه وفقا لما نصت عليه المادتين (60 ، 61) من النظام الأساسي للدولة، إذ بغير هذه الرقابة القضائية لا يعدو القانون أن يكون سوى قواعد نظرية لا يوجد من يحقق لها الاحترام الواجب والصفة الإلزامية الآمرة.

ومن هنا جاء إنشاء محكمة القضاء الإداري تنفيذا لما نصت عليه المادة (67) من النظام الأساسي للدولة، الأمر الذي يُعد نقلة حضارية مهمة في التنظيم القضائي بالسلطنة وترسيخاً لدولة المؤسسات والقانون.

اختصاصات المحكمة

وقد حرصت هذه المحكمة منذ بداية ممارسة اختصاصاتها المناطة بها على تحقيق العدالة بين المتقاضين في حدود القانون، واضعة كل اهتمامها تحقيق الأمور الآتية:

الأمر الأول: تأمين الموظفين على وظائفهم وبث روح الطمأنينة في نفوسهم حتى يقوموا بأداء واجباتهم بأكمل وجه دون خوف أو مراعاة لغير أحكام القانون.

الأمر الثاني: حماية الأفراد مما قد يصيبهم من ضرر نتيجة اتخاذ الجهات الإدارية حيالهم قرارات إدارية مخالفة للقانون.

الأمر الثالث: تحقيق التوازن في العلاقة بين الإدارة والمتعاملين معها، فلا تقتصر مهمة المحكمة على رقابة أعمال الإدارة للتحقق من مشروعيتها، وإنما تمتد أيضا لتشمل حماية الإدارة ومساعدتها في حالات كثيرة أهمها: رفض الدعاوى المرفوعة ضد الإدارة إذا كانت تفتقر إلى السند القانوني الصحيح، وكذلك تمكينها من تحصيل حقوقها لدى الأفراد إذا ما تعذر عليها أخذها منهم، فضلا عن تنبيهها لأوجه النقص والقصور في التشريعات التي تطبقها كلما اقتضى الأمر ذلك.

وقد ساعد المحكمة في القيام بمهامها ما ضمنه لها قانونها من استقلال عن السلطة التنفيذية حينما نص في المادة (1) من مرسوم إنشائها على أن تكون المحكمة هيئة قضائية مستقلة للفصل في الخصومات الإدارية، فاستقلال القضاء هو أساس أرساه النظام الأساسي للدولة ورسخه قانون المحكمة، ثم أكده المرسوم السلطاني رقم 10/‏‏2012 بشأن تنظيم إدارة شؤون القضاء الذي ألغى المادة (2) من المرسوم السلطاني رقم 91/‏‏99 بإنشاء محكمة القضاء الإداري وإصدار قانونها التي كانت تنص على أن يكون وزير ديوان البلاط السلطاني هو الوزير المختص بالنسبة إلى المحكمة فأصبحت هذه المحكمة مستقلة استقلالا تاما عن السلطة التنفيذية تدير بنفسها شؤونها القضائية والإدارية بما يضمن حسن سير العمل بها.

دور خاص

الجدير بالذكر أن دور المحكمة لم يقتصر على الفصل في الدعاوى المرفوعة أمامها، وإنما أناط المشرع بها بموجب المادة (29) من قانونها مهمة التحقق من سلامة القوانين واللوائح المعمول بها بالسلطنة وبيان ما إذا كان يشوبها أي نقص أو غموض ثم اقتراح وسائل معالجتها، كذلك التنويه إلى حالات وجود مجاوزة أي جهة إدارية لسلطتها وذلك كله في ضوء ما تظهره الأحكام الصادرة من المحكمة، على أن يقدم رئيس المحكمة تقريرا بذلك إلى وزير ديوان البلاط السلطاني ليقوم برفعه إلى المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم - حفظه الله ورعاه-، والتزاما بهذا الدور المهم فقد حرصت المحكمة أثناء نظرها الدعاوى المرفوعة أمامها على رصد أي ملاحظات تراها على التشريعات القائمة، والتنبيه في حيثيات أحكامها على بعض تلك الملاحظات وكيفية تداركها بهدف التوصية للجهات الإدارية بالعمل على تلافيها أولا بأول، وذلك إيمانا من المحكمة بأن دورها لا يقتصر على الرقابة القضائية على أعمال الجهات الإدارية وإنما يمتد إلى معاونة هذه الجهات في ضمان حسن سير العمل بها بانتظام واطراد بما يحقق المصلحة العامة وفي إطار من المشروعية وسيادة القانون.

توسيع الاختصاصات

استمرارا لنهج السلطنة في تأكيد سيادة القانون وكفالة حق التقاضي للناس كافة فقد صدر المرسوم السلطاني رقم 3/‏‏2009 بتعديل بعض أحكام قانون محكمة القضاء الإداري، وكان من أبرز التعديلات توسيع اختصاص المحكمة فيما يتعلق بالدعاوى التي يقدمها الموظفون العموميون حيث أصبحت المحكمة مختصة بمراجعة القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بسائر شؤونهم الوظيفية بعد أن كانت محددة على سبيل الحصر، كذلك زيادة ميعاد تقديم التظلم من القرار وميعاد رفع الدعوى إلى شهرين بدلا من شهر، بهدف منح المتقاضين والجهات الإدارية المهلة الكافية لإعادة النظر في القرار المتظلم منه ولرفع الدعوى أمام المحكمة، كما تضمنت التعديلات إمكانية تشكيل أكثر من دائرة استئنافية بالمحكمة بعد أن كانت مقصورة على دائرة واحدة، وغير ذلك من الأمور المتعلقة بتنظيم إجراءات التقاضي وسير العمل بالمحكمة.