روضة الصائم

قمة السمو نجاح الدنيا والآخرة

23 يونيو 2017
23 يونيو 2017

هلال بن عبدالله الخروصي -

حتى تحيا حياة كريمة عليك أن تغرس بقلبك أنَّ قمة النجاح هو أن تتجاوز النجاح الدنيوي إلى نجاح أخروي، فالحياة الأخرى لهي الحيوان. «وللآخرة خيرٌ وأبقى». قمة السمو أن تنتقل من نجاح الدنيا إلى نجاحي الدنيا والآخرة ومن خير الدنيا إلى خيري الدنيا والآخرة، ونجاح الدنيا ينبغي أن يكون هو المحرك لنجاح الآخرة. قال تعالى: «وسارعوا إلى مغفرة من ربكم». فالمسارعة في تحقيق النجاح الدنيوي هو طريق للنجاح في الآخرة. «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ» والفلسفة الباقية الخالدة أن كل شيء ينفد وما عند الله باق، ولذلك حياة الآخرة هي الخلود والنعيم المقيم، وهي السعادة الحقيقية للإنسان عندما يصل إلى أصعب لحظة في حياته، فعند كتابة نعيه، يلتفت وراءه، وينظر أمامه فلا يجد إلا ما قدّم لآخرته، إنها القوة الخفية المحركة لاستمرار النجاح في الدنيا والآخرة.

إن السعي في الحياة الدنيا والتلذذ بنعيمها أمر محمود لا ينكره عاقل، ولكن التعلق هو الإشكال والإسراف فيها.

قال تعالى: «قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق»

لكنها إن تجردت من روحها قد تُثقل كاهل الإنسان وتُحطم الخطوات وتحجب الرؤية عن النظر إلى السماء.

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ». إنه الاستعداد الحقيقي للسباق. إنه التلذذ بما عند الله من أجر، إنها السعادة المحفّزة لتجاوز نجاح الدنيا الى النجاح الأبقى وهو نجاح الآخرة.

وكما قيل: «رُبَّ لذةٍ أورثت ذُل الدهر».

عظمة الإسلام أنه أعطانا معادلةَ هي: «وابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ».

فلسفة جوهرية في التوازن بين الدنيا والآخرة، فالتوازن بينهما مطلب قيم عالي المراتب، «وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ»، فالحياة الدائمة الخالدة هي الآخرة، أما الحياة الدنيا فهي متاع كمثل الزرع نزل عليه المطر وبدأ يشتعل خضرة وجمالا وانبهر الناس به، وبعد فترة من الزمن يأتي الخريف يبدأ الزهر بالاصفرار ويتحطم ويزول، كم من الناس نجحوا نجاحات باهرة في الحياة، لكنهم في قلق وتعاسة، لا يملكون معاني الإيمان التي تثبتهم في أوقات الأزمات.

ولهذا وصفت الحياة في القرآن بأنها متاع الغرور ولهو ولعب. أما الآخرة فهي الحيوان.

وأصل الموازنة بين رغبات الحياة ومتطلبات الآخرة والروح أي التوازن بين بعدي الدنيا والآخرة.

قال الله تعالى: «فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرا ۗ فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَة وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ».

وهناك حقيقة لا بد من أن نلمح عليها، ما العلاقة بين الاستمتاع بالمعاصي واللذات والكفر والانحراف عن هداية الرحمن؟ لا يوجد علاقة واضحة بين العصيان وأن تعيش ملتزما مستقيما وسعيدا، فلا تناقض بين السعادة والاستقامة، الإنسان يستطيع الاستمتاع بالعلم، والرقي بالفكر، والنظر في نعم الله، والتلذذ بالمباحات الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، وأن تعيش حياة جميلة، تسافر وتمرح وتستمتع، لا إشكال ولكن لا معصية لله تعالى.

الإنسان بفطرته السليمة يميل إلى التوحيد، كحال ذلك الأعرابي الذي قادته فطرته السليمة إلى أن الخلق العظيم له خالق عظيم، وحتى تستمتع بالدنيا وتنجح فيها وتنال الآخرة، عليك أن تعرف لماذا خلقك الله؟ ومن أنت؟ وإلى أي طريق ذاهب؟ وما مصيرك؟

إنَّ الإجابة على هذه الأسئلة يجعلك تسير في هذه الحياة واضح المعالم والرؤى، مستبصرا لأمر دنياك، راجيا طالبا الدنيا، راغبا في الآخرة، تسير وفق منهج الله في الحياة.

وبدونها تعيش في قلق مهما فعلت تبقى ضائعا مشتتا، كم من إنسان عظيم نهايته الانحراف، مهما بلغ من المجد والقوة والشهرة والنفوذ.

ستبقى الإجابة على هذه الأسئلة من ضرورات الحياة.

فالقرآن الكريم يجيب على كل هذه الأسئلة:

«أم خلقوا من غير شيء» هكذا صدفة «أم هم الخالقون»؟! «أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون»، فالإسلام العظيم في كتابه المنير «مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ» وبالعودة الى القرآن سنجد كل الإجابات تتلاشى وهي طرائق مضمونة للسعادة الأبدية الخالدة.