1028721
1028721
روضة الصائم

روائع المساجـد الأثريـة العـمانية - مسجد بيت الرديـدة وحكـاية اقـتطاع ونقـل المحـراب القـديم إلى مكـان مجـهول

05 يونيو 2017
05 يونيو 2017

محمد بن سليمان الحضرمي -

على بعد خطوات من مسجد اليعاربة، يبدو بيت الرديدة الواقع في نيابة بركة الموز بنزوى ماثلا للعيان، من الخارج أشبه بحصن أثري، ومن الداخل قصر منيف، لم أزر بيت الرديدة من قبل، رغم سمعته بأنه أحد المعالم التي بنيت في فترة الإمام سلطان بن سيف اليعربي خلال النصف الأول من القرن السابع عشر الميلادي، ليكون مركزًا لتخزين المؤن والمساعدة في بناء قلعة نزوى الشهيرة، وأثناء زيارتي لمسجد اليعاربة قررت أن أستكملها بزيارة مسجد علمت أنه ضمن مرافق (بيت الرديدة الأثري)، وأن به محرابًا أنيقًا، وبتعاون مشكور مع إدارة مركز نزوى الثقافي ووزارة السياحة، استطعت أن أدخل بيت الرديدة، المغلق هذه الأيام للصيانة، ويبدو أن وزارة السياحة تهيئه حاليا ليكون مركز جذب سياحي، من خلال تحويله إلى متحف للأسلحة التقليدية، يبرز أنواعها وتطورها التاريخي، مدعومة بوسائل العرض التوضيحية، والمؤثرات السمعية والبصرية.

طرقت باب السور الرئيسي للبيت، والظهيرة الحارقة تشوي الوجوه والأجسام والأمكنة، ففتح لي أحد رجال الأمن الشباب، وسلكت معه ممرًا ينفتح بعد بضع خطوات إلى ساحة فسيحة تنتهي بقصر جميل داخل السور العالي المغلق، وجدت الساحة مزروعة بأشجار النخيل، وفي الطرف الشرقي منها يترقرق ماء فلج الخطمين في ساقيته العريضة، التي صُمِّمَت لتدخل البيت، قبل أن يصل إلى مسجد اليعاربة، ومن ثم يتفرع إلى ثلاثة جداول عند المصب.

رآني رجل الأمن الشاب ذاهلا، قلت له: هذه أول مرة أدخل فيها بيت الرديدة، يبدو في عيني أشبه بقصر جميل، فأشار إلى القصر الذي أمامنا ولكنه مغلق الآن بسبب ظروف التهيئة والتحسين والتجميل، ليكون نقطة جذب سياحية في المنطقة.

سألته عن المسجد الأثري الذي بداخل الحصن، فأخذني إليه، موقعه يشغل الزاوية الجنوبية الشرقية من الحصن، تتقدمه مغاسل تقليدية على مجرى الفلج، تسمى (مجايز) ومفردها (مجازة)، صمّمت للاغتسال والاستحمام والوضوء، ومن ثم يأتي صحن المسجد الخارجي، فناء صغير يسمح للصلاة به في أوقات المساء، ثم ندخل الصحن الداخلي للمسجد، ريشة الترميم حسَّنت من شكله وبدا أنيقا، أسطوانة دائرية واحدة ترفع سقف المسجد، عليها كتابات بالحبر الأسود، قرأت منها نصا شعريا في أدب المديح النبوي كتب بتاريخ 1234هـ، وأمام (النقصة) الدائرية يمثل محراب يبدو لي بتكوينه الهندسي غريب بعض الشيء، فعرفت أن هذا المحراب من تصميم المرممين المغاربة، ولا أدري سبب تصميمهم الجديد للمحراب، هل كان المحراب متداعيا، أو أنه مجرد محراب طيني لا غير، وتمت إضافة لمسات جمالية عليه، وهناك رواية تقول: إن المحراب الأصلي للمسجد اقتطع ونقل إلى مكان آخر مجهول، لعله يكون متحفًا، ومن ثم تم تصميم محراب جديد للمسجد من قبل المرممين المغاربة، ومن أخبرني بهذه التفاصيل يقول: إنه يتذكر المحراب القديم للمسجد، ويؤكد أن شكله أجمل من هذا التكوين الجبسي المنفوخ، ومع ذلك فأرجو أن يكون ما قد حدثني به مجرد حكاية لا غير!.

لم يبهرني النقش كثيرًا، وواضح أنه عمل جبسي جديد، في تاج المحراب نقشت آية رقم 77 من سورة الحج: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)، ويبدو أن النقاش نسي أن ينقش (واعبدوا ربكم) من الآية، فأضافها في أعلى السطر، بخط دقيق وركيك. يتوسط المحراب لفظ الجلالة: الله، وحول المحراب رفان لحفظ الكتب، نقش أعلاهما جملة: (ولا غالب إلا الله).

في إحدى الجهات رأيت درجا خشبيا كالذي يوجد في بقية المساجد الأثرية، حيث ينتهي ببومة مقببة من أعلى السطح، وبلا شك أن هذه المسجد يعود إلى فترة بناء البيت في عهد الإمام اليعربي، لكن محرابه لا ينتمي إلى تلك الفترة، ولا إلى الفن العماني الرائج في بقية المساجد.

خرجت من المسجد ونظرت إلى جهة الساحة المقابلة للبيت والمسجد، فهذا المتنفس الأثري لا يعرفه سوى القليل، إذ أن شكله الخارجي لا يوحي بما في الداخل من فسحة واتساع وجمال.