روضة الصائم

فقه التعايش عند الشيخ أطفَيَّش من خلال كتابه «شرح النيل»

02 يونيو 2017
02 يونيو 2017

د. مصطفى باجو -

ملخص بحث قدم بندوة تطور العلوم الفقهية بمسقط -

تناولت ورقة البحث (فقه التعايش عند الشيخ أطفَيَّش من خلال كتابه شرح النيل) مفهوم فقه التعايش في الاصطلاح، وأن المراد به: مساكنة الآخر والعيش معه وفق قواعد الاحترام المتبادل، وتوفير الأمان، وضمان الحقوق والحريات لكل إنسان.

وتكمن أهمية الموضوع وضرورته في كونه جسرا للتواصل بين أبناء الإسلام وغيرهم، ومنبرا لإبراز صورة الإسلام النقية، وصورة لتجسيد عالمية الإسلام وشمولية الفقه للحياة البشرية في شتى مناحيها، وضبطه لعلاقات الإنسان بأخيه، بما يكفل له العيش الكريم، ويضمن جوّا يسوده الاحترام المتبادل وتصان فيه حريات الجميع، وإن تباينت بهم المسالك واختلفت الديانات. والبحث يثمن جهود الفقهاء في تجسيد أحكام الفقه ورعاية تطبيقها، بما يبذلون من جهد ريادي أثناء ممارسة عملية الاجتهاد لمعالجة النوازل والقضايا التي تعرض عليهم، ومنها مسائل العلاقة بغير المسلمين، وبيان حكم الشرع فيها سواء في العبادات أم في المعاملات، والعلاقات الاجتماعية والجنايات. من هذا المنطلق كان الحديث عن فقه التعايش وعلاقة المسلم بغير المسلم مجالا خصبا لإبراز جهد الفقهاء واجتهاداتهم بما يجسد خصيصة خلود الشريعة وعالمية الرسالة.

ويعد الشيخ امحمد اطفيش أحد أعلام الفقه الإباضي بخاصة، وأحد مجتهدي الإسلام المتأخرين، أثرى المكتبة الإسلامية برصيد موفور من المؤلفات في شتى مجالات المعرفة الإنسانية، وبخاصة في مجال الفقه والتفسير، ويعد كتابه «شرح النيل وشفاء العليل» موسوعة فقهية متميزة، تجلّى فيها اجتهاد الشيخ وفقهه البصير، ومنه استقينا معالم فقه التعايش عند أبرز مجتهدي الإباضية في العصر الحديث.

كما تناولت الورقة معالم ومبادئ فقه التعايش في نصوص الكتاب والسنة، وهي معالم تتضمن مقاصد الشريعة، وتجسد وسطية الإسلام في التعايش مع غير المسلمين، بدءًا بالاعتراف بكينونية الآخر، واعتبار كرامته الإنسانية، والإحسان إليه، ومعاملته بالإنصاف، وتأمين حريته الدينية، والإبقاء على معابده، مع دعوته ومجادلته بالحسنى، وتحريم إيذائه بأيّ أذىً في نفسه أو عرضه أو ماله، فضلا عن الاعتداء السافر عليه، بل ووجوب حمايته والدفاع عنه بموجب عقد الذمة مع أهل الإسلام.

وفي الورقة بيان لمجالات التعايش، التي فصل الشيخ اطفيش الحديث عن أحكامها، وهي رحيبة، تتعلق بالعبادات وحقوق الموتى ومجال الأوقاف، ومواطن العبادة، والتعاون مع غير المسلمين عند الاقتضاء مثل فداء الأسرى وتجهيز الموتى، كما يمتد الخير إلى إعطائهم زكاة الفطر، وإطعامهم من الكفارات، ورد التحية عليهم في اللقاءات، وإباحة ذبائحهم، والزواج بنسائهم وفق ما قرره القرآن بصريح الآيات، وما في ذلك من مسائل يفرضها واقع الحياة وطبيعة هذه العلاقات، كما بيّن حرمة أعراضهم، وعقوبة من آذاهم في الأعراض والأبدان.

ويتسع المجال للمعاملات المالية في ميدان التجارة وإنشاء الشركات. وتحريم الغش وتطفيف الكيل والميزان. ووجوب حفظ أموالهم ولو كانت محرمة في الإسلام، ما دامت كسبا مشروعا في دينهم.

وتكشف الآراء الفقهية المعروضة شمول ميدان التعايش، ومرونة أحكامه، وانتظامها في مسار الرقي بالتعايش إلى فضاء يسوده الحوار والتسامح، والمعاملة بالعدل والإحسان، مع استشعار أحقية الإسلام، وإشعار المسلم بعزة الانتماء، دون غلوّ أو اعتداء، وسعيه لمنح هذا العطاء لبني جنسه بالحكمة والإقناع. كما تُقدم أيضا صورة عن اجتهاد فقهاء الإسلام، ممثلا في اجتهاد الشيخ اطفيش لإبراز عدالة النظام الإسلامي وسماحته، وأنه فتح الباب رحيبا لكل الناس أن يستظلوا بعدله وينالوا من فضله، وإن لم يؤمنوا به، باعتبارهم أحرارا في اتخاذ القرار الذي ينبني عليه مصيرهم يوم الحساب، وتظل لهم الفسحة للعيش الكريم في حضن الإسلام دولة ومجتمعا، ينالون حقوقهم ويمارسون حياتهم، ويستمتعون بالرعاية والحماية، ما لم يبدر منهم سوء تصرف أو مجاوزة حد، أو يظهر منهم عدوان على مسلم أو على حرمات الإسلام. وتخلص الورقة إلى التنويه بسمو الفقه الإسلامي في ترسيخ فقه التعايش، وسبقه لتأمين حقوق الإنسان قبل أن تعرفها المواثيق الدولية. وتجسيده ذلك ممارسة ميدانية، لا مجردَ نصوص نظرية. وهو ما يؤكد عالمية الشريعة وصلاحها لإسعاد البشرية مهما اختلفت الأزمان وتطورت الحضارة بالإنسان.