روضة الصائم

«من أجل المسلمين» .. دفاع عن قيم التعدد والتنوع والمساواة

01 يونيو 2017
01 يونيو 2017

عبدالرحمن بن سعيد المسكري -

«حقد هوياتي بغطاء ديني» هذه العبارة الدالة يمكن أن تمثل المدخل للولوج إلى قراءة كتاب «من أجل المسلمين» لمؤلفه إيدوي بلينيل؛ إذ يتجاوز طموحه الحديث عن المسلمين باعتبارهم أقلية تواجه ظاهرة الإسلاموفوبيا وخطر الإقصاء والمماهاة في فرنسا إلى تقديم تشريح جريء للعنصرية الإلغائية التي تمارسها دهاليز السياسة الغربية عموما والفرنسية تحديدا بحق «الآخر المختلف»!

الكتاب صدر في طبعته الأولى في سبتمبر 2014 باللغة الفرنسية عن منشورات لاديكوفيرت، وطبع ثانية في 2015. صدر الكتاب بالعربية مع مجلة الدوحة في 2015، بترجمة عبداللطيف القرشي. ويعد إيدوي بلينيل أحد أصحاب الأقلام الصحفية الذائعة الصيت في فرنسا. تولى رئاسة تحرير جريدة «لوموند» الشهيرة منذ 1996 حتى 2004، ويرأس حاليا إدارة جريدة «ميديابارت» الإلكترونية.

«هناك مشكلة الإسلام في فرنسا» هذه العبارة العنصرية التي سمعها إيدوي بلينيل في أحد صباحات 2014 كانت دافعه لكتابة هذا الكتاب، إذ لم تكن العبارة صادرة في سياقات الأحاديث العابرة؛ بل كانت في حديث على القناة الإذاعية الفرنسية الرئيسة، وصادرة عن الأكاديمي آلان فينكلكروت الذي انتخب لينال عضوية «العظماء الخالدون» وهي عضوية شرفية تمنحها الأكاديمية الفرنسية للفاعلين في الحفاظ على اللغة الفرنسية، مستغلا بذلك صفته المرجعية لتقرير أكثر الأطروحات العنصرية رداءة وبدائية، ولم يكتف بذلك وحسب؛ بل وصف «المشكلة الإسلامية» بأنها «قلق حضاري» !. يقول بلينيل: « .. ذلك الصباح الذي لم أسمع فيه سوى لغة واحدة، منغلقة على كل الأخريات، لغة الرفض والإقصاء، لغة عنيفة حدّ الدهشة، تتستر بمظهر متزن .. لغة الأحكام المسبقة التي تصنع الأجنبي الغريب، وتحصر في ماهية واحدة أناسا بسبب أصلهم وثقافتهم وعقيدتهم ومظهرهم وموطن ولادتهم».

ولا يُخفي إيدوي بلينيل أنه ينسج كتابه هذا على غرار مقال «من أجل اليهود» لإيميل زولا أيام ذروة معاداة السامية أواخر القرن التاسع عشر، إلا أن كتاب بلينيل يذهب إلى أبعد مما يشير إليه عنوانه، إذ إنه يمكن أن يكون - إلى جانب الدفاع عن المسلمين - دفاعا عن اليهود وعن السود وعن الغجر الروم، وعن كل الأقليات المضطهدة، أو باختصار: دفاع عن فرنسا! «إنه ليس رهانا تضامنيا فحسب، بل رهان الوفاء لتاريخنا وذاكرتنا وإرثنا» ص49.

غير أنه منذ نهاية سنوات الألفين «لم يعد اليهودي هو عدو الجبهة الوطنية، بل المسلم الفرنسي»، حتى أصبحت عبارة « مشكلة الإسلام في فرنسا» لازمة لفظية في الخطاب العام، وأضحى التطبيع الثقافي مع خطاب «الإسلاموفوبيا» أمرا ينطبق على سياسات الطبقات العليا وصانعي السياسة العامة؛ وأكثر من ذلك: «إن إحدى الفصائل المتطرفة قد انتقلت من مستوى الخطابات إلى مستوى الممارسات؛ فبحسبها يعد التصريح بالإسلاموفوبيا هو جزء من حرية الرأي والتعبير، وعلى هذا الأساس فإن مظاهرات الكراهية التي قد تستلهم منها، سواء ضد العقيدة الإسلامية أو ضد معتقديها لا يمكن أن تقع تحت طائلة القانون الجنائي. ص41.