الملف السياسي

حتى لا يتبدد أثر النيولوك !!

15 مايو 2017
15 مايو 2017

د. عبد الحميد الموافي -

بالرغم من ان ياسر عرفات والشيخ احمد ياسين مؤسس حركة حماس ، استطاعا تأمين قدر من التوافق بين منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس ، لصالح القضية الفلسطينية بالطبع ، إلا ان رحيل الرجلين ، ونزوع حركة حماس الى بناء نموذجها على الأرض ، وضغوط تيارات معروفة، أدت ، برغم التوصل الى وثيقة التوافق الوطني عام 2006 ،    

على امتداد السنوات الأخيرة، ازدادت على نحو ملحوظ عيادات ومراكز التجميل والمراكز الصحية ، وسرعان ما ظهرت معها ، والى جانبها عيادات تعنى بالرجال ، وتسعى الى وقف زحف أثر الزمن على ملامحهم ، او إعادتهم الى بعض من سمات الشباب التي تآكلت مع التقدم في العمر ، وفي كلا الحالتين ، فإن مصطلح النيولوك ، اصبح اكثر انتشارا ، ليس فقط بين الممثلين والفنانين بوجه عام ، ولكن ايضا بين شرائح تتسع من النساء والرجال ، الذين يشتركون جميعهم ، بدرجة او بأخرى ، في الرغبة في اظهار ذواتهم بصورة مغايرة لما شبوا عليه ، او وصلوا اليه في حياتهم . وفي السياسة فإن الامر لم يصل بعد الى هذا الحد من بيع الوهم ، لمن يريد ان يخدع او ينخدع ، صحيح ان هناك ما هو معروف بالتغيير التكتيكي للمواقف ، او ما يسميها البعض بالمرونة والواقعية السياسية، او التجاوب مع التطورات الجارية ، ومع حقائق الواقع التي تفرض نفسها في مرحلة او اخرى ، على طرف او بعض الأطراف ، وهو ما يسميه البعض بالتنازلات التكتيكية ، كما أن هناك أيضا ماهو معروف بالتغييرات الاستراتيجية في المواقف والسياسات ، سواء من منطلقات ايديولوجية او فكرية ، او من اعتبارات عملية تقترن عادة بتغير القيادات وفي الحالتين ، التغيرات التكتيكية والاستراتيجية ، فإنه يتوفر غالبا قدر من الوضوح والصراحة في الطرح ، بغض النظر عن مدى الاتفاق او الخلاف مع ما يتم طرحه ، وفق رؤى ومنطلقات كل طرف . والمؤكد ان هناك العديد من الامثلة والنماذج في هذا المجال عربية واقليمية ودولية ، وفلسطينية ايضا ، ولعل ما حدث مع منظمة التحرير الفلسطينية ، وما حدث ايضا بالنسبة لحركة فتح الفلسطينية والانتقال من حالة الكفاح المسلح ، الى الخيار الاستراتيجي للكفاح السلمي ، وصولا الى اتفاق اوسلو - الذي لا يزال موضع خلاف داخل الحركة الوطنية الفلسطينية بفصائلها المختلفة ، هي من النماذج ، التي يتم التوقف امامها عادة . فهل تسير حركة حماس ، التي انطلقت عام 1987 - اي قبل ثلاثين عاما فقط - على هذا الطريق بإصدار الوثيقة التي اعلنها خالد مشعل الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس ، من العاصمة القطرية الدوحة ، في الاول من مايو الجاري ، وذلك قبل يومين فقط من زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى العاصمة الامريكية ، ولقائه مع الرئيس الامريكي دونالد ترامب ، فهل هي مصادفة ؟ وهل يمكن اعتبار الامر ، دعما ولو غير مباشر للرئيس الفلسطيني في زيارته للبيت الابيض ، ام انه محاولة للاشارة الى ان هناك عنوانا فلسطينيا آخر ينتظر التوجه إليه او مخاطبته ، وان هذا العنوان المتمثل في حركة حماس بدأ السير على طريق اكثر مرونة ، ولو بفعل الأمر الواقع ؟ والمؤكد ان كثيرين ينتظرون ما اذا كانت الخطوة ، او الوثيقة الجديدة لحماس ، ستؤدي الى رأب الصدع الخطير مع حركة فتح خلال الفترة القادمة ، أم أنها ستكون مجرد وثيقة تضاف الى وثائق حركة حماس، لتتمشى مع معطيات هذه المرحلة ، التي تشهد تغيرات كثيرة ، وتوحشا إسرائيليا في التعامل مع الفلسطينيين ، ومع الأراضي الفلسطينية المحتلة ، استيطانا وتهويدا وتغولا على كل الحقوق وصولا الى التفرقة العنصرية ضد الفلسطينيين ، ومحاولة تشريع ذلك عبر الكنيست ، الذي تسيطر عليه الاحزاب اليمينية ، والتي يحرص نتانياهو على التماهي معها .

على أية حال فانه يمكن الاشارة باختصار شديد الى عدد من الجوانب ، لعل من اهمها ما يلي ؟

أولا : انه لا خلاف على أن حركة حماس ، تمثل مع حركة فتح ، اكبر حركتين على الساحة الفلسطينية ، وانه يمكنهما معا ، إذا التقتا واتفقتا وحشدتا جهودهما معا ، ان تؤثرا بشكل مفيد للجانب الفلسطيني ، في أية جهود للتسوية السلمية وحل القضية الفلسطينية ، بالطبع مع الفصائل والتنظيمات الفلسطينية الاخرى ، مثل حركة الجهاد والجبهة الشعبية ، والجبهة الديمقراطية وغيرها من الفصائل الفلسطينية . غير ان الثلاثين عاما الماضية شهدت نزوعا واضحا من جانب حركة حماس لبناء نهج خاص بها ، انطلاقا من ارتباطها وتأثرها بجماعة الإخوان المسلمين ، وهذا ما ظهر بوضوح في ميثاق الحركة الصادر عام 1987 . ومع ان هذا يعد في النهاية حق لحركة حماس ، وخيار لها ، الا انها تأثرت بنزوع حركة الإخوان المسلمين الى محاولة بناء ممارسة او نهج خاص بها على صعيد التعامل مع القضية الفلسطينية ، بما في ذلك عدم الترحيب بالانضمام الى منظمة التحرير الفلسطينية ، الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني ، والمعترف بها دوليا ، والتي نجحت بالفعل في اعادة القضية الفلسطينية الى واجهة السياسة العالمية ، بغض النظر عن أية خلافات بين الفصائل الفلسطينية ومنها حماس حول هذا الامر .

وبالرغم من ان ياسر عرفات والشيخ احمد ياسين مؤسس حركة حماس ، استطاعا تأمين قدر من التوافق بين منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس ، لصالح القضية الفلسطينية بالطبع ، الا ان رحيل الرجلين ، ونزوع حركة حماس الى بناء نموذجها على الارض ، وضغوط تيارات معروفة ، أدت ، برغم التوصل الى وثيقة التوافق الوطني عام 2006 ، وفوز حماس في انتخابات 2006 ، الى سيطرة حماس بالقوة المسلحة على قطاع غزة عام 2007 ، ومحاولة استئصال حركة فتح منه ، والعمل على تحويل القطاع الى نموذج لدولة مصغرة ، او قاعدة لنشاط حركة حماس والفصائل المتعاطفة معها ، كالجهاد والجبهة الشعبية ، وهو ما فتح المجال لخلافات وانقسام لم ينته بعد بين فتح وحماس . واذا كان من المؤكد انه لا يمكن وضع مسؤولية ما حدث في غزة عام 2007 على عاتق حماس وحدها ، الا انه من الواضح ، حتى الآن ، ان هناك رغبة قوية في جعل غزة نموذجا لنهج الإخوان المسلمين بوجه عام وحركة حماس كواجهة او كتنظيم فلسطيني على الأرض . ولعل ذلك هو احد اهم الأسباب التي تفسر فشل المحاولات العديدة لرأب الصدع الخطير بين حماس وفتح ، وفشل العديد من الجهود التي بذلت ، بما فيها الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية ، لم تمكنها حماس من ممارسة دورها في القطاع ، كما هو معروف ، برغم أية تصريحات في هذا المجال . ومن المعروف أيضا ان الخلافات تفاقمت مؤخرا بين السلطة الفلسطينية وبين حماس ، ووصل الامر الى حد تشكيك حماس في تمثيل الرئيس محمود عباس للفلسطينيين ، ورفض الانتخابات المحلية التي اجرتها السلطة الفلسطينية هذا الأسبوع في الضفة الغربية ، وزادت الخلافات بعد تخفيض السلطة الفلسطينية لرواتب العاملين في غزة بنسبة 30 % واعلانها أنها لن تمول إمداد إسرائيل للقطاع بالكهرباء للضغط على حماس للتخلي عن سيطرتها على قطاع غزة ، خاصة بعد ان لجأت حماس الى تشكيل لجان إدارية لإدارة القطاع، وهو ما رفضته السلطة الفلسطينية في رام الله . في مثل هذا المناخ المتخم بالخلافات وصراع السلطة ، أصدرت حماس وثيقتها الجديدة ، بعد الإعلان عن اعادة انتخاب هياكلها في القطاع ، وتعيين يحيى السنوار مسؤولا عسكريا عن القطاع ، ثم الاعلان عن انتخاب اسماعيل هنية رئيسا للمكتب السياسي لحماس خلفا لخالد مشعل . والآن بعد ان تكرست قيادة حماس لتيار الداخل ، هنية والسنوار ، وفي ظل الأوضاع التي يعيشها قطاع غزة في الفترة الأخيرة ، هل يقود ذلك الى مرونة حقيقية في المواقف السياسية لحماس ؟

ثانيا : انه بغض النظر عن ان وثيقة حماس استغرقت بضع سنوات ، وتم التشاور بشأنها مع أطراف عربية وغير عربية مختلفة ، فانه يمكن القول بأن الوثيقة هى محاولة من جانب قيادة حماس لتجاوز مشكلات وعراقيل الوضع العربي والإقليمي والدولي الراهن ، بأقل قدر من الخسائر ، ولعل مما له دلالة في هذا المجال ان الحركة أبقت على ميثاقها السابق ، بكل ما فيه من صياغات ومواقف ، وفضلت إصدار وثيقة جديدة ، على تعديل الميثاق ، وهو أمر يهدف ، على الأرجح ، الى الإبقاء على ثقة أعضاء وأنصار حماس في قطاع غزة فيها ، خاصة وان الميثاق اكثر تشددا ووضوحا في رفض لسرائيا ، وفي الإحالة الى الصيغ الإسلامية في هذا الشأن .

ومع انه جرى ابراز قبول حماس اقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، وإسقاط النص الذي يربطها بجماعة الإخوان المسلمين ، والتأكيد على ان الصراع مع اسرائيل ليس دينيا، ولكنه صراع سياسي مع الاحتلال الإسرائيلي والصهيونية كعقيدة سياسية ، إلا أن ذلك يظل هشا الى حد بعيد في ظل تأكيد وثيقة حماس على عدم الاعتراف بوجود إسرائيل ، وعلى تحرير فلسطين التاريخية ، من البحر الى النهر، واستخدام كل وسائل المقاومة بما فيها المقاومة المسلحة ، وهي نفس الأسس التي اعتمدها ميثاق حماس من قبل . ومن شأن ذلك ان يضع ميثاق حماس الجديد في مرتبة او خانة النيولوك السياسي ، اذا جاز التعبير، الذي تفرضه الظروف السياسية الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية في هذه المرحلة. فهل ستنجح هذه المحاولة ، في ظل القيادة الجديدة لحماس ؟

ثالثا: انه مع الوضع في الاعتبار ان منظمة التحرير الفلسطينية رحبت على لسان بعض مسؤوليها - احمد مجدلاني عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية - بموقف حماس ، التي « اقتربت كثيرا من برنامج منظمة التحرير فيما يتعلق بالدولة المستقلة على حدود عام1967 واستخدام أساليب النضال المختلفة « الا انه اكد أيضا ان الخلاف السياسي بين المنظمة وحماس هو « خلاف على السلطة وليس خلافا على السياسة « وان « مشكلتنا مع حماس جاءت بعد السيطرة على السلطة في غزة بالقوة المسلحة وإذا ما تراجعت عن ذلك يمكننا تشكيل حكومة وحدة وطنية والذهاب الى انتخابات تشريعية ورئاسية «. وفي ضوء ذلك فإنه يمكن القول بأن الخلافات بين حماس والسلطة الفلسطينية ستتجه نحو التصعيد على الأرجح ، ليس فقط بحكم تشدد القيادة الجديدة لحماس في القطاع - هنية والسنوار - ولكن أيضا لأن هذه القيادة تريد تكتيل القطاع خلفها، عبر المواقف الأكثر تشددا. أما إذا لجأت الى إتاحة الفرصة لقدر من التلاقي مع رام الله ، وهو افتراض جدلي اكثر منه احتمال واقعي ، وتوظيف الصياغات المستحدثة في وثيقة حماس ، ومحاولة الاستفادة منها فلسطينيا وعربيا وإقليميا ، والتأكيد على القسمات الجديدة في النيولوك الذي تمت صياغته بذكاء ، فإن ذلك سيتطلب بالضرورة ، الإقدام على خطوات عملية للتقارب والحد من الخلافات مع رام الله والرئيس عباس خلال الفترة القادمة ، ويبدو ، حتى الآن على الأقل ، ان المناخ في غزة ورام الله ، وتطورات الأحداث في المنطقة ، وما قد يتم من تحركات لإعادة تحريك عملية السلام ، خلال زيارة ترامب القادمة للمنطقة ، لا يشجع على ذلك ، خاصة وان القيادة الجديدة لحماس ستكون مشغولة ، بل وحريصة على رسم ملامح وقسمات صورتها الخاصة ، وهي اكثر أهمية لديها من النيولوك، الذي يمكن ان يتلاشى مفعوله سريعا، إذا تصاعدت الخلافات بين غزة ورام الله ، ولعله يكون ممكنا السير نحو تقارب اكبر وحقيقي بين فتح وحماس لأن القضية الفلسطينية تحتاج الى ذلك الآن ربما اكثر من أي وقت مضى ، وهذا هو التحدي الذي يواجه عباس وهنية وكل الأطراف الفلسطينية والعربية أيضا !!