الملف السياسي

بين الاستقرار والتذبذب

03 أبريل 2017
03 أبريل 2017

عبد الله العليان -

لا شك أن قضية انخفاض وارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية خاضعة للتطورات الاقتصادية والسياسية، التي بقيت تراوح مكانها، منذ عامين ونصف تقريبا، إلى جانب الخلافات التي جرت وتجري بين المنتجين الذين لهم مواقف سياسية متناقضة، ساهمت في هذا الانخفاض، وهذا بلا شك ليس في صالح أحد، ولا يسهم في الاستقرار السياسي والاقتصادي، وله من الأسباب الأخرى التي تجعل بعض البلدان تتعرض لهزات سياسية واقتصادية، فالنفط سلعة مهمة، لكنها تظل مؤقتة، وهذا التوقيت يجعل الدول المنتجة حريصة على الاستفادة من هذه الثروة للتنمية الكبيرة، قبل استنفاد هذه الثروة من الأرض، بدلا من الحروب والصراعات السياسية التي تلحق ضررا بالدول نفسها، ويرى بعض المحللين أن هذه الأزمات والصراعات السياسية التي أصبحت واضحة ولا تخفى على المتابعين، وبعض الدول الكبرى تساند هذه الأزمات، لتستفيد منها سياسيا واقتصاديا ، ويرجع بعض الخبراء الى أن هذه الإشكالية السياسية تستعاد منذ بداية القرن الماضي حتى الآن، حيث باتت قضية النفط طريقا ومسارا سياسيا لتصفية الحسابات والخلافات الإيديولوجية، وأصبحت هذه المعادلة بارزة في وقائع الأزمات والصراعات في عالم اليوم، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأت تسجل ارتفاعات لأسعار النفط، إما بسبب الحروب ، أو بسبب الخلافات السياسية بين المعسكرين الغرب الرأسمالي، والمعسكر الشيوعي، واليسار في عمومه ، خاصة في فترة الحرب الباردة ، حيث تنامت الحاجة إلى أهمية النفط في دور الطاقة في الإنتاج العسكري، والإنتاج الصناعي، الى جانب الحاجة الى النفط في الاستخدامات في وسائل النقل وغيرها من الاحتياجات، وأصبح النفط كأحدَ أهم الأهداف السياسة والعسكرية، حتى بعد انتهاء الحرب الباردة، وانحسار الصراع بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، والتكتل الاشتراكي، لكن ظل الصراع يعود من جديد، بعد استعادة روسيا الاتحادية دورها السياسي والعسكري، منذ العقد الماضي، وبدأت الولايات المتحدة والغرب يحسب حسابه جيدا لروسيا كإحدى الدول في أوروبا الشرقية، الذي بات النفط ورقة سياسية وفي غيرها من الأوراق السياسية في عالم اليوم.

وترجع بعض التقارير الصحفية الغربية، انخفاض النفط، أو التذبذب في أسعاره، الى استخراج النفط في الولايات المتحدة، فقد أرجعت« جريدة (فاينانشيال تايمز)، البريطانية في أكتوبر العام المنصرم هبوط أسعار النفط ، الى الطفرة التي تشهدها الولايات المتحدة في إنتاج النفط الصخري، وهو ما مكَّن الأمريكيين ، كما يقول عامر عمران، من الاعتماد على إنتاجهم المحلي بشكل أكبر والاستغناء عن معظم النفط المستورد من الخارج، ما أدى الى تراجع الطلب العالمي على النفط، إذ إن الولايات المتحدة هي أكبر مستهلك للنفط في العالم. أما جريدة (التايمز) البريطانية فكتبت في 16 أكتوبر المنصرم، أن السعودية اتخذت موقفا محسوبا بدقة، بدعمها انخفاض أسعار النفط إلى نحو 80 دولارا للبرميل لخفض الأسعار، حتى تجعل من استخراج النفط الصخري أمراً غير مجدٍ اقتصاديا، ما يدفع واشنطن في النهاية الى العودة لاستيراد النفط من المملكة وإخراج الغاز الصخري من السوق». وحسب تقرير مركز الخليج للدراسات السياسية، أن «الأسعار المنخفضة للنفط تحمل معنى سياسيا واضحا؛ إذ تعني مزيدا من الضغط على الاقتصادين الروسي والإيراني، فبعد أن خسر الروبل نحو ثلث قيمته على مدى عام بسبب العقوبات الاقتصادية الغربية، وتراجع سعره إزاء الدولار إلى مستوى قياسي (50 روبلا لكل دولار بينما كان قبل شهر واحد 41 روبلا للدولار) فإن نصف عائدات الصادرات الروسية يأتي من تصدير النفط الخام والغاز الطبيعي. في مقابل عجز محتمل في الميزانيات العامة لباقي دول مجلس التعاون الخليجي، قد يقلل من احتمالية تمتع هذه البلدان بسعر مرتفع للنفط في النصف الأول من العام. ومرة أخرى، كما يقول التقرير: ربما يعيد سيناريو الأسعار المنخفضة تأكيد ضرورة السير بخطى أسرع في تنفيذ إستراتيجية تنويع مصادر الدخل حفاظا على استدامة معدلات النمو الاقتصادي، وخروج الاقتصادات الخليجية من حالة الانكشاف الكبيرة كتغيرات السوق النفطي، وهذه الاستراتيجية التي تبنتها كل البلدان الخليجية منذ استقلالها، ومضى كل منها منفردا ومتعاونا مع أشقائه في تنفيذها، لا تزال تتطلب الكثير خاصة في مجالات الصناعات التحويلية والخدمات والصيد البحري؛ حيث تملك المنظومة الخليجية فرصا واعدة».

وسواء تحقق الأمر في مسألة عدم استقرار الأسعار، بسبب الخلافات السياسية القائمة ، بين دول منتجة كبيرة، أو نتيجة استخراج النفط في بعض المناطق الصخرية في الولايات المتحدة، يظل التذبذب، مشكلة تلحق الجميع، وجاءت بتعديلات وبتخفيضات في التنمية، وفي زيادة الضرائب على أصحاب الدخول الصغيرة، وهذا في حد ذاته، ربما يشكل أزمات اقتصادية، ربما تتحول الى سياسية مع الوقت ، إذا ما بقيت الأزمة النفطية قائمة في انخفاضها، فانخفاض سعر النفط، جاء بانخفاض الأسعار الأساسية التي تمس حياة الكثيرين من المواطنين، وربما لا يكون ذلك تزامنا واقعيا بين هذا وذاك ، لكن الترابط بينهما جعل الشريحة الكبيرة في المجتمعات الإنسانية، تشعر أن الاعتدال سوف يحقق التوازن بين الجميع والتطرف في أي شيء له أضراره ومساوئه، منها ارتفاع سعر النفط بصورة منطقية، والحل الإيجابي يريح الجميع هو أن تكون هناك رؤية إيجابية بين المنتجين والمستهلكين بصورة عادلة حتى لا يقع المستهلك ضحية المضاربات السياسية والاقتصادية غير المبررة، في أسعار النفط انخفاضا أو ارتفاعا، وهذا الاعتدال سيساهم في إبعاد الأسعار النفطية عن الخلافات السياسية، التي تجر الى الصراعات الاقتصادية، ومنها أسعار النفط وتقلباته.