الملف السياسي

استقرار الأسعار.. داعم قوي للاقتصاد الوطني

03 أبريل 2017
03 أبريل 2017

الطيب الصادق -

ثمة مميزات كثيرة تحصل عليها سلطنة عمان مع احتمالات استقرار أسعار النفط عالميًا، أهمها تحديد قيمة الإيرادات النفطية بشكل صحيح وفقًا للسعر المحدد بعيدًا عن التوقعات التي يتم فيها احتساب سعر برميل النفط في الموازنة العامة التي تشكل في النهاية العجز الفعلي نتيجة وضع توقع لسعر برميل النفط أعلى من الواقع الحقيقي مما يؤدي إلى إشكالية عجز غير متوقع

يعتبر النفط أهم سلعة استراتيجية عالمية وهو المحرك الأساسي في الاقتصاد لأية دولة، وتعتمد عليه معظم دول العالم حالياً ولذلك ينخفض الطلب عليه نسبياً مع انخفاض معدلات النمو الإجمالي، ويرتفع الطلب عليه نسبيًا مع ارتفاع معدلات النمو الإجمالي، ولقد شكل الركود الاقتصادي الذي ضرب الاقتصاد العالمي في الأعوام الأخيرة، ومن قبله الأزمة المالية العالمية انخفاضًا على طلب النفط وبالتالي هبطت أسعاره إلي أدنى مستوى له بعد أن كانت تصل إلى ما يتجاوز 110 دولارات للبرميل، ولكن مع التوقع بدء التعافي مرة أخرى والعودة إلى استقرار أسعار النفط خاصة بعد وضع سقف محدد للإنتاج سيتلازم مع ذلك انتعاشًا للطلب تدريجيًا.

ومن المعروف أن أسعار النفط تخضع لعوامل متشابكة، وهي في تغير وتطور مستمرين، منها ما هو متوقع، ومنها ما هو غير ذلك، فالعلاقة بين سعر النفط والطلب معقدة جدًا، وتتفاعل مع عناصر كثيرة، يصعب التنبؤ بحدوثها، مثل: اندلاع الحروب والأحداث السياسية التي تواجهها المنطقة، والنزاعات الدولية في العديد من الدول النفطية، بالإضافة إلى الأحوال المناخية والكوارث الطبيعية والأعاصير التي تحدث على وجه الخصوص في مناطق إنتاج وتكرير النفط وغيرها من عوامل كثيرة ومتشابكة تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في تقديرات العرض والطلب المستقبلي وبالتالي في أسعار النفط، ولكن التوقعات تصب في اتجاه استقرار أسعار النفط في الفترة المقبلة رغم أن خام برنت تراوح في الأسبوع المنصرم ما بين 48 و52 دولارًا للبرميل ومرشح للارتفاع على الرغم من أن بيانات أظهرت عن زيادة في مخزونات الخام الأمريكية،مع التوقعات بتمديد العمل باتفاق خفض الإنتاج الذي تقوده منظمة (أوبك)..

وهو ما يعزز الفرص أمام زيادات محتملة قادمة للنفط مما يساهم في دعم موازنات الدول النفطية ولا سيما سلطنة عمان التي وضعت تقديرًا لسعر النفط في موازنتها يقدر بـ45 دولارًا للبرميل، ما سيسمح -في حالة ارتفاع أسعار النفط واستقرارها- بسد العجز المالي الذي من المتوقع أن يحدث في العام المالي 2017 مع قيام الحكومة باتخاذ إجراءات اقتصادية ساهمت إلى حد بعيد إلى وقف الأزمة الاقتصادية التي كانت متوقعة خلال الثلاثة أعوام ماضية بعد انهيار أسعار النفط والمخاطر الناجمة عن ذلك، والتي يواجهها الاقتصاد العُماني مع التباطؤ في وتيرة النمو الاقتصادي العالمي، والتراجع الحاد في أسعار النفط ولذلك فإن السلطنة قامت بمراقبة التطورات المالية والاقتصادية العالمية بما في ذلك أسعار النفط العالمية، وبناء عليها تم تحديد سعر النفط في موازنتها لتجنب العديد من الخسائر فضلاً عن التحول إلى التنوع الاقتصادي الذي ساهم بشكل كبير في تقويض الأزمة واستعادة الثقة بعض الشيء حيث يساهم قطاع النفط بنحو 44% من الناتج المحلي الإجمالي لعمان، وتخطط السلطنة لخفض هذه المساهمة إلى 22% فقط بحلول عام 2020 من خلال استثمار 106 مليارات دولار على مدى خمس سنوات.

ويعد استقرار أسعار النفط الداعم الأساسي والقوي للاقتصاد العماني وعاملاً مهمًا في دفع الاقتصاد الوطني لمواصلة نموه بمعدلات مرتفعة، ويعد كذلك عاملاً مهمًا في استمرار انتهاج الحكومة للسياسة المالية التحفيزية التي تؤدي إلى قوة وتنامي الطلب المحلي، كما قامت سلطنة عمان بوضع الاستراتيجية التنموية على المدى الطويل ورفع التبعيات الهيكلية للاقتصاد بالتوازي مع حصول تغيير ديمغرافي كبير وأطلق على هذه الخطة اسم «الرؤية المستقبلية عمان 2020» التي شملت أهدافها الرئيسية تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي، تغيير الدور الذي تلعبه الحكومة في الاقتصاد وتوسيع نطاق مشاركة القطاع الخاص، وتنويع القاعدة الاقتصادية ومصادر الدخل القومي، وعولمة الاقتصاد العُماني، ورفع مستوى مهارات القوى العاملة العُمانية وتطوير الموارد البشرية. وهناك عدة فوائد ستعود على السلطنة جراء استقرار أسعار النفط وارتفاعها لأعلى من 45 دولارًا للبرميل لأن الاستقرار سينعكس بشكل أكثر إيجابية على الوضع الاقتصادي العام في الدولة، كغيرها ،وليس على الموازنة فحسب ولعل أهمها:

أولا: ستسهم بشكل كبير في تعزيز الإيرادات المالية والاستفادة من الفائض الناتج عن الفارق السعري الذي حددته السلطنة لبرميل النفط في الموازنة العامة خلال العام الحالي 2017 والسعر الحقيقي للبرميل في الأسواق العالمية، وهو ما سيعمل على خفض العجز بالموازنة الذي يقدر بمبلغ ثلاثة مليارات ريال عماني مقارنة بعجز فعلي تجاوز التوقعات، وبلغ 4.8 مليار ريال في عام 2016 بحسب البيانات الرسمية.

ثانيا: استقرار أسعار النفط سيعمل على تعزيز الإنفاق على مشروعات البنية الأساسية التي قامت السلطنة بتخفيضها في عام 2016 والعودة إلى الإنفاق بشكل تدريجي وبما يتناسب مع الإيرادات والمخصصات المالية لهذا القطاع خاصة أن سلطنة عُمان تخطو خطوات واسعة نحو تعزيز نمو البنية الأساسية، خاصة في قطاع النقل والمواصلات وبمشاركة الحكومة للقطاع الخاص في دفع هذه الخطط الطموحة سيؤدي إلى نتائج جيدة في الوقت الذي تعهدت الحكومة فيه بإنفاق أكثر من 50 مليار دولار في مشاريع البنية الأساسية على مدى الـ15 سنة القادمة. ثالثا: استقرار أسعار النفط يساهم في زيادة الإنفاق الحكومي على مشروعات اقتصادية جديدة في السوق المحلية، وهو أمر ضروري لإنعاش مختلف القطاعات، لا سيما القطاع العقاري الذي ينعكس نشاطه إيجابيًا على الاقتصاد كذلك دعم المشروعات الحالية والاهتمام بالمؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة التي لها دور كبير في الاقتصاد لكي تحصل على نسبة عالية من الإنتاج، ولذلك نجد المؤسّسات الميكرو والصغيرة لوحدها في دولة مثل الهند تساهم بنسبة 40% من الإنتاج الصناعي وتساهم بنسبة 35% في المنتجات المصدّرة من الهند وهو ما نأمل أن يحدث في الفترة المقبلة في السلطنة.

رابعا: يمثل دعما لاستثمارات القطاع الخاص، حيث إن خطة السلطنة الجديدة تعتمد بشكل كبير على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، على أن يقدم القطاع الخاص 52% من إجمالي الاستثمارات مقابل 42% في الخطة السابقة.

خامسًا: يمثل النفط دعمًا قويًا للقطاع الصناعي العماني ويساهم في إنشاء العديد من الصناعات الأساسية خاصة تلك القائمة على النفط، وهو ما تركز عليه السلطنة من خلال التوسع في المناطق الصناعية القائمة وإقامة مناطق صناعية جديدة، وتشجيع إقامة الصناعات التحويلية الأمر الذي من شأنه زيادة العوائد الاقتصادية وإيجاد فرص عمل جديد، فضلا عن تشجيع المصانع العمانية على التطوير المستمر لقدراتها التقنية وعلى الالتزام بالمواصفات القياسية وزيادة نسبة التعمين والترويج للمنتجات العمانية ونفاذها للأسواق الخارجية والاستفادة من الموقع الجغرافي للسلطنة. سادسًا: استقرار أسعار النفط من شأنه أن يساهم في خفض التضخم، ويحد من ارتفاع الأسعار المتزايد للسلع والمنتجات في الفترة الأخيرة حيث أظهرت البيانات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات في سلطنة عمان أن معدل تضخم أسعار المستهلكين في فبراير الماضي ارتفع بنسبة 2.3 % مقابل الفترة نفسها في عام 2016، وبنسبة 0.5 % مقارنة بشهر يناير 2017. وأخيرًا، فإن ضمان استقرار أسعار النفط والوصول إلي سعر معتدل سيوجد عائدًا مجزيًا ومستمرًا ومستقرًا لسلطنة عمان ويحقق لها إيرادات لم تكن بحسبانها في الموازنة ويقلل من العجز المتوقع، ويساهم في رفع النمو الاقتصادي، وخفض نسب التضخم، وهو ما سينعكس بالإيجاب على مجالات عديدة.