الملف السياسي

.. هل تنفرط الشراكة عبر الأطلنطي ؟

06 فبراير 2017
06 فبراير 2017

عبدالله بن علي العليان -

العلاقة بين الولايات المتحدة وأوربا علاقة تاريخية من كافة الجوانب، وهذه العلاقة راسخة منذ القدم،ولها ما يزيد على قرنين تقريباً، منذ أن كانت الولايات المتحدة مستعمرة بريطانية، إلى استقلالها عنها،ثم أصبحت من المؤسسين لحلف الناتو، بعد بروز الحرب الباردة، والصراع بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي،وهذه العلاقة كبيرة وقوية على مدى العقود الماضية ، لكن هناك بعض الخلافات التي تحكم العلاقة بينهما في جوانب اقتصادية وسياسية عديدة، لا ترقى إلى التوتر والتوجس في قضايا أساسية . فمع الانتخابات الأمريكية الأخيرة برزت تصريحات للمرشح دونالد ترامب عن بعض جوانب العلاقة الاقتصادية، بين الولايات المتحدة وأوربا،ثم عند وصوله لسدة الحكم، توجس الأوروبيون من السياسة الأمريكية المقبلة،وخاصة تصريحاته بإلغاء بعض الاتفاقيات الاقتصادية مع أوروبا، وهذا ما جعل بعض المحللين، يتوقعون خلافات كبيرة بعد تسلمه الرئاسة، خاصة لو أقدمت الولايات المتحدة على إلغاء بعض بنود علاقة التجارة العالمية مع الاتحاد الأوروبي، وكذلك مع دول آسيوية أيضاً، ولا شك أن هذه السياسة الاقتصادية والسياسية، بدأت تظهر بعد بعض القرارات التي أربكت الكثير من السياسيين والاقتصاديين، ومنهم حتى من الولايات المتحدة، واستشعرت أوروبا الخطر من تغيرات وتحولات كثيرة، حصلت في العالم، منها من سياسات دونالد ترامب الجديدة، وهذا ما دعا نائبان عن البرلمان الفرنسي والألماني في جلسة منذ فترة «الاتحاد الأوروبي: ماذا بعد؟»، ومما قالاه إنه «لا بديل لدول الاتحاد الأوروبي عن توحيد سياستها الخارجية لمواجهة التغيرات الحاصلة في العالم والأزمات المتفاقمة، بدءا بانسحاب بريطانيا من الفضاء الأوروبي،والتهديدات التي يشكلها امتداد النفوذ الروسي في العالم، مرورا بقضايا الهجرة إلى أوروبا وامتداد الإرهاب إليها، ووصولا إلى التداعيات المتوقعة لانتخاب دونالد رامب رئيسا للولايات المتحدة».

فقد أكدت إليزابيت جيغو عضو البرلمان الأوروبي رئيسة مفوضية العلاقات الخارجية في الجمعية الوطنية الفرنسية، أن خروج بريطانيا وانتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة أحدثا زلزالا، لكن هناك فرصة لتعزيز أوروبا، شرط أن يتحلى الزعماء بالإرادة والشجاعة.وأضافت تقول: لا بد من احترام تصويت البريطانيين، رغم أننا نأسف لذلك، لكن لا بد من التعجيل بالمفاوضات لانسحاب بريطانيا، ولا بد من التقيد بمبادئ الاتحاد الأوروبي، من سوق موحدة، وحرية التنقل، وباقي الحريات. وعدم التخلي عن خصوصيات الاتحاد الأوروبي». ولا شك أن السياسة الأمريكية التي يتحدث عنها ترامب، ستلحق ضرراً بالعلاقة بين ضفتي الأطلسي،ولا شك أن أوروبا ستكون أكثر المتضررين من هذه الانتكاسة في العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة، فأوروبا تعاني ركوداً اقتصادياً من سنوات، ولو أقدمت الولايات المتحدة على إلغاء الشراكة الاقتصادية، وهو ما يعني ضرراً مؤكدا كثيراً للاقتصاد الأوروبي من هذه القرار، كما أنه بلا شك سيلحق ضرراً أيضا بالولايات المتحدة،والكثير من السياسيين والاقتصاديين الأمريكيين انتقدوا السياسات التي نوه عنها ترامب، المتعلقة بالاتفاقيات الاقتصادية مع أوروبا، وغيرها من السياسات والقرارات التي لاقت انتقادا شعبياً في الولايات المتحدة ذاتها ، سواء القرارات الاقتصادية،أو المتعلقة بمنع دخول بعض مواطني دول إسلامية للولايات المتحدة ،حتى أن البعض من المحللين يتوقعون، أن تحدث أزمة سياسية في الولايات المتحدة، بشكل او بآخر اذا تعقدت مواقف المؤسسات الأمريكية او تقاطعت العلاقة فيما بينها .

وقد أكد ريتشارد تشارنيسكي، نائب رئيس البرلمان الأوروبي، تعقيباً على توجهات الرئيس الأمريكي الجديد أن هناك عدم يقين في سياسة واشنطن من قبل الأوروبيين خاصة بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للإدارة الأمريكية ،مؤكدا أن «أمريكا لا يمكن الاستغناء عنها في مفهوم الغرب وفي ظل حالة التردي التي يعيشها الاتحاد الأوروبي منذ اتفاق روما ، فالأزمات التي تضربه هي الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية سواء الأزمات الاجتماعية أو الثقافية أو بروز الأنانية وإعلاء الهوية الوطنية في كل دولة».

وهناك خطوات جديدة من السياسيين الأمريكيين، خاصة من الكونجرس والبنتاجون وغيرهم ليسوا راضين عن بعض التوجهات ، ويتحركون لاحتواء او تخفيف بعض القرارات والتوجهات السياسية لإدارة ترامب، تجاه أوروبا وغيرها من السياسات التي سببت قلقا كبيراً داخلاً الولايات المتحدة وخارجها، لكن البعض من المحللين،يرون أن السياسة الأمريكية لن تتغير كثيراً مع أوروبا، كما المواقف الأمريكية المقبلة في سياسة الرئيس ترامب،لن تخرج كثيراً عن الثوابت التي عرفتها الولايات المتحدة، وان كانت هناك تغييرات سياسية سوف تبرز تجاه القضايا الدولية على وجه الخصوص،منها التوقعات التي بدأت تظهر، وهو الخلاف مع إيران تجاه تطوير بعض الصواريخ الباليستية ، كما أن بعض السياسيين من الحزب الجمهوري ، ليسوا راضين من الاتفاقات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، وان هذا الاتفاق ـ كما يقولون ـ لم يثن إيران عن تحركاتها النووية، أو عدم التزامها بالاتفاق على حد زعمهم ،لكن تظل الولايات المتحدة، تحكمها مؤسسات كبيرة، وخبراء صناع القرار، وغيرها من المؤسسات التي تضع تحركاتها وفق ثوابت سياسية خاصة القرارات الهامة، وليس أفراد مهما كانت مكانتهم ،فهي تقدم مصالحها على الكثير من العلاقات السياسية مع العالم الخارجي،حتى مع أوروبا الحليف الاستراتيجي القديم، وهذا ما يراه البعض، وانه هو الذي يسيّر السياسات الأمريكية وتحولاتها الاستراتيجية القادمة، لكن هذه الآراء مجرد تحليلات وتوقعات وفق بعض التصريحات والقرارات الأخيرة، لكن الذي يظهر الآن على السطح بصورة جدية كما يرى البعض الآخر، أن الولايات المتحدة، تتحرك لمصالحها الاقتصادية الداخلية، سواء استفادت منها دول ،أو تضررت، فالمصالح الأمريكية، سوف تكون لها الأولوية، في السياسات الاقتصادية المقبلة وغيرها ، لكن في مسألة العلاقة الاقتصادية مع أوروبا سوف تكون هناك تحركات من الطرفين الأمريكي والأوروبي، لتقليل الأضرار من هذه السياسات القادمة.