منوعات

مدفن عائلة "آسكيا".. تقاليد مغلفة بالفن المعماري الإسلامي

26 نوفمبر 2021
26 نوفمبر 2021

بامكو، العمانية: يمثل مدفن عائلة "آسكيا" في مدينة "جاو" الواقعة شمال جمهورية مالي تحفة معمارية فريدة من حيث بنيته الهرمية العجيبة وصموده في خلال هذه القرون، وبُني المدفن بإشراف آسكيا محمد في العام 1495م حاكم (سونغاي) التي ازدهرت بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر ميلادي. ويشكل الموقع مجموعة تضم برجا هرميا ومسجدين مسطحي الأسقف، بالإضافة إلى مقبرة المسجد وساحة الاجتماعات في الهواء الطلق والتي يطلق عليها اسم "ساحة الحجارة البيضاء"، وهو يجسد بجلاء الطريقة التي نجحت بها تقاليد المنطقة آنذاك في إدخال الطابع الإسلامي وتكييفها مع المحيط المحلي من خلال إنشاء شكل معماري يمكن وصفه بالفريد في مجمل فضاء الساحل الواقع في إفريقيا الغربية. ومن الناحية الوظيفية، تكمن قيمة هذا الصرح التاريخي في دوره المستمر حتى اليوم، خاصة أداء الصلوات في المسجد والاجتماعات في الفضاء المفتوح، أما على الصعيد المعماري، فيعتبر مدفن عائلة "آسكيا" نموذجا فصيحا للنمط السوداني - الساحلي المتميز بأشكاله الدائرية الناجمة عن التجديد المنتظم لطبقة الجص التي تتآكل في كل موسم خريف بفعل الأمطار الشديدة. يقول أحمديت ولد السالك المهندس المعماري الموريتاني الذي زار مدينة "جاو" عدة مرات إن الشكل الهرمي للمدفن ووظيفته كمئذنة مركزية للمسجد وطوله وشكل الغرف الخشبية التي يتكون منها الهيكل الدائم تمنح مدفن عائلة "آسكيا" مميزات معمارية لا مثيل لها في المنطقة. وأضاف: هذا المعلم التاريخي من بين أهم آثار إمبراطورية "سونغاي" التي حوفظ عليها حتى اليوم، وكان آسكيا محمد قد أمر بتشييدها من الطين عند عودته من رحلة حج إلى الديار المقدسة. وأشار: تم تصنيف مدفن عائلة "آسكيا" في قائمة التراث الوطني لدولة مالي في 2003 قبل أن يسجل في السنة التالية في قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، وبعد ذلك ألحق في نهاية شهر يونيو 2012 بقائمة المواقع المهددة بالخطر على إثر الاضطرابات الأمنية التي خلقها نشاط الحركات المسلحة في شمال مالي. وبحسب اليونسكو، فإن هذا الموقع رغم مرور سبعة قرون من الحروب والكوارث الطبيعية، قد احتفظ بسلامته بوجه عام طالما أن جميع مكوناته تظل في مكانها وأنه لا يزال مرتبطا، من الناحية البصرية والاجتماعية والثقافية، بمدينة "جاو" التي تنسجم تقاليدها المعمارية تماما مع عناصره، ومدفن عائلة "آسكيا" يعكس الثقافة البنائية للسكان المحليين في مجال الفن المعماري للبناء من الطين، مشيرة إلى أن الإصلاحات الأخيرة التي جرى إدخالها على المباني أدت إلى إحداث تغييرات طفيفة. وتؤكد اليونسكو أن مثل هذه التغييرات المتعلقة أساسا بثقوب في الصفائح الحديدية وسلالم من الإسمنت واستخدام خشب غير الخشب الأصلي للهياكل لا تؤثر على أصالة الموقع. ويعود تأسيس مدينة "جاو" الواقعة على ضفاف نهر النيجر إلى القرن السابع الميلادي في فترة الإمبراطورية التي تحمل الاسم ذاته. وقد اكتسبت ازدهارها وشهرتها من موقعها الفريد عند ملتقى طرق القوافل والنهر، حيث ينتهي إليها الطريق التاريخي القادم من أراضي "فزان" (ليبيا حاليا) والمتوجه إلى نهر النيجر.