999
999
منوعات

قلعة غصبار التاريخية بجبل ناشب بظفار موقع أثري يغيب عنه الاهتمام

16 يونيو 2021
هندسة معمارية فريدة تستحق الدراسة
16 يونيو 2021

علي المعشني:

- حسب الرواة فإن أول من قام ببناء هذه القلعة هو السلطان المنجوي محمد بن أحمد المنجوي الكندي بالقرن السادس الهجري

- القلعة مبنية من أحجار الجص الجيري المستخرجة من مقلع الحجارة الواقع على الطرف الشرقي لخور صولي الذي يبعد عن الموقع ١٠كيلومترات

طاقة - أحمد بن عامر المعشني

تعتبر قمة جبل غصبار في منطقة ناشب التابعة لولاية طاقة من المواقع المثيرة للاهتمام، والمحير فيها أنه لم يتم التوصل لمعلومات عنها أو لتاريخها، وقلعة غصبار من أشهر المعالم التاريخية بمحافظة ظفار حيث تقع على قمة جبلية مخروطية الشكل ترتفع عن سطح البحر بحوالي٢١٣٠ مترا، وتحيط بها أودية عميقة من جهة الشرق والغرب والجنوب، وأما جهة الشمال فتعتبر المدخل الرئيسي إلى القلعة حيث ترى بقايا خندق عميق أحيط بالقلعة من جهة الشمال ويمكنك أن تشاهد بقايا الأسوار أعلى القلعة وكذلك بقايا أماكن تخزين المياه وغرفة طولها يقارب ١٦ مترا وبعرض ٦ أمتار وارتفاعها لا يقل عن 3 أمتار، وتشرف القلعة على عين طبراق ولا يمكن الوصول إليها مباشرة بالسيارة نظرا للطبيعة الجبلية الوعرة والأودية العميقة التي تفصلها عن الطريق الرئيسية.

فالزائر إلى هذه القلعة الأثرية عليه أن يركن سيارته في منتصف عقبة جبل ناشب ويترجل مشيا على الأقدام بمسافة لا تقل عن 2 كيلومتر.

معلومات مغيبة

«جريدة عمان» قامت بزيارة إلى قمة جبل غصبار برفقة خالد بن سالم دوال الحضري، وهو من سكان منطقة ناشب وبالتحديد من دار (عكروت) المطلة مباشرة على قمة جبل غصبار من جهة الشمال. فقد شاهدنا أثناء وصولنا للقلعة شواهق ومسالك وعرة من كل الجهات عدا الجهة الشمالية والتي يفصلها هي الأخرى خندق كبير بطول ٥٠ مترا ويأتي بعد ذلك سور حجري كبير متصل بعدة أبراج ما زالت أنقاضها باقية وواضحة للعيان.

وأجرت «عُمان» بعض الاتصالات مع المختصين بشؤون التراث في محافظة ظفار لمعرفة تاريخ هذه المنطقة التي يكتنفها العديد من التساؤلات الغامضة ولندرة المصادر التاريخية عن قمة جبل غصبار، تبقى شأنها شأن كثير من المواقع الأثرية المنتشرة على مختلف مناطق محافظة ظفار، فلم نستطع الحصول على أية معلومة تاريخية من قبل المختصين، وذلك لعدم وجود أي مسوحات لهذه المنطقة، وعليه حرصنا على أخذ بعض الروايات التي تتداول على ألسنة كبار السن.

وتحدث لنا الشاعر والباحث في الأدب الشعبي علي بن سهيل المعشني (أبو زايد) الذي ما زال محتفظًا ببعض المعلومات عن قمة غصبار من الراوي جده المرحوم علي بن سهيل أصفيف المعشني رحمة الله عليه. ولن نبالغ أن قلنا هو من الرواة المعروفين بقوة الذاكرة على مستوى محافظة ظفار.

القرن السادس الهجري

وقال الشاعر والباحث علي المعشني: «حسب الرواة من كبار السن الذين أخذوا عن الأولين فإن أول من قام ببناء هذه القلعة هو السلطان المنجوي محمد بن أحمد المنجوي الكندي الملقب بالأكحل إذ إن الدولة المنجوية حكمت ظفار في القرن السادس الهجري، الثاني عشر الميلادي، وكانت مدينة مرباط مقر حكمهم وعاصمة دولتهم التي امتدت إلى أطراف حضرموت الشرقية في بعض مراحلها، وعرف المنجويون بتشجيع العلماء وتجارة الخيل واللبان، واستمرت دولتهم إلى مطلع القرن السابع الهجري، الثالث عشر الميلادي، وقد عمد السلطان المنجوي الى بناء هذه القلعة المحصنة تحصينا عسكريا في هذا العمق الجبلي الاستراتيجي على قمة غصبار الهرمية والتي يصعب الوصول إليها إلا عن طريق مكشوف ومسيطر عليه من الجهة الشمالية وهو المدخل الرئيسي للقلعة، حيث يتخلل المدخل خندق دفاعي يمتد من القاطع الصخري المطل على وادي طبروق شرقا إلى الوادي الذي يفصل قمة غصبار عن جبل ناشب غربا وبامتداد يقارب ٨٠٠ متر وبعمق يصل إلى ٤ أمتار وهو أول الموانع الدفاعية لإعاقة أي هجوم على القلعة يليه مباشرة السور والقلعة وهي مكونة من عدة أبراج للمراقبة وسكن السلطان وحاشيته وسكن الجنود واسطبل الخيول وغيرها من المرافق».

مكونات البناء

وأضاف علي بن سهيل المعشني قائلا: «لقد حكى لي العديد من الرواة ومنهم جدي الشيخ الراوي المرحوم علي بن سهيل أصفيف المعشني عن عملية بناء المنجوي لهذه القلعة، وهي مبنية من أحجار الجص الجيري المستخرجة من مقلع الحجارة الواقع على الطرف الشرقي لخور صولي الذي يبعد عن موقع القلعة بحوالي١٠كيلومترات عبر الطريق السهلي وعقبة ناشب وصولا الى موقع البناء في اعلى قمة غصبار، ويقول الراوي إن المنجوي كان يمتلك جيشًا من العمال ممتدا من مقلع الحجارة إلى موقع البناء حيث كان العمال يتناولون الحجر من موقع المقلع يدا بيد من عامل إلى آخر ولمسافة تقارب 10 كيلومترات حتى موقع بناء القلعة، أي ان هذه العملية تتطلب وجود عامل لكل نصف متر على طول هذه المسافة ناهيك عن العمال العاملين على موقع البناء ومقلع الحجارة، وبعد إتمام البناء في الموقع توجب وجود مصدر مائي يغطي احتياجات القلعة من المياه وقد عمل المنجوي طريقة هندسية فريدة جدا حيث عمد إلى وضع مجموعة من الحبال من الطرف الشرقي للقلعة وعبر بها وادي طبروق الى الطرف الآخر المقابل في جبل الدمر بطول يقارب كيلومترا وبارتفاع ٥٠٠ متر تقريبا وصولا إلى عين ماء تسمى (فوقى اصيريج)، وقد تم تثبيت الحبال الى موضع في عين الماء وشدها، وبعد ذلك عمد المهندسون الى جذوع نخل النارجيل وشقها وتجويفها وبناء ساقية من جذوع هذه النخل على مصفوفة الحبال المثبتة من القلعة الى عين الماء وشبك بعضها ببعض حتى وصلت المياه عبر الساقية الفريدة المعلقة إلى القلعة حيث تم بناء خزان المياه في القلعة ولايزال باقيا إلى اليوم».

وكلمة صيريج تعني المادة الاسمنتية التي وضعها مهندسو المنجوي على بداية عين الماء لتثبيت الحبال ليرتبط اسم عين الماء بهذه الاسم.

وتابع الشاعر والباحث علي المعشني أبو زايد حديثه فقال: يعتبر المنجوي سابق عصره في عمل هذا النظام المائي الفريد عبر هذا المسافة والارتفاع الشاهق، وفي هذا السياق قلت بعض الأبيات الشعرية في فن هذه الهندسة العجيبة:

(غصبار كيف المنجوي علا شراع الساقية

وعبر بها الوادي الى القلعة وجاب الماء جواب

تلك الماثر في رُبى أرض الملاحم باقية

لكنها طي الزمن واسراها تحت التراب

أين الذي يحمل امانة بحثها ويعيد قصة ماضية

منصف يحط الحرف في مرساه ويقول الصواب).

وأخيرا، قال الشاعر والباحث علي بن سهيل المعشني: يجب إعادة ترميم هذه القلعة التاريخية وفتح طريق إليها لتصبح معلمًا سياحيًا فريدًا في محافظة ظفار.